بعد مرور شهر على قيام سلاح الجو الإسرائيلي بالإعتداء على لبنان، في 23 أيلول الفائت، بوحشية غير مسبوقة، ما تسبّب في سقوط شهداء وجرحى وتدمير أحياء وقرى وتحويلها إلى ركام بعد أو قبل تهجير سكّانها، خرج البعض في لبنان والمنطقة والعالم من خصوم المقاومة ومحورها ليزعم أنّ جناحا هذا المحور في لبنان وغزة، حزب الله وحركة حماس، يلفظان أنفاسهما الأخيرة، أو يكادان.
ووصل زعم هذا البعض إلى حدّ هيستيري دفعه لأن يضع سيناريوات وخرائط للبنان والمنطقة في مرحلة ما بعد حزب الله وحماس عقب انتهاء الحرب، وأنّ الشّرق الأوسط الجديد، الذي سيولد لاحقاً، سيكون مختلفاً في المرحلة المقبلة عما كان عليه سابقاً وما هو عليه الآن، بشكل بدا كمن يحاول شراء الدبّ قبل اصطياده.
تكفي نظرة سريعة على هذه التحليلات والمزاعم ليخرج المرء بعدها بانطباع أنّها مجرد أحلام يقظة، وأمنيات غير واقعية، وبعيدة عما هو موجود على الأرض وما ينتظره لبنان وغزة والمنطقة في المرحلة المقبلة، وأنّ هذا البعض أو كلّه لم يتعلم شيئاً من تجارب الماضي، القريب منه والبعيد، وأبرزها أنّ هذه المنطقة لا يمكنها أن ترتاح أو تعرف الإستقرار في ظلّ وجود متناقضين: الإحتلال والمقاومة.
فقد حذّر مراقبون ومحلّلون محايدون، منذ بداية العدوان، كيان العدو من أنّ التوحّش الذي يمارسه في جرائمه في لبنان وغزّة سيرتد عليه سلباً في المستقبل، وسيجعله يفقد بصيص الأمل الضئيل من الأمن والإستقرار الذي كان البعض يُعوّل عليه، وأنّه بعد انتهاء الحرب، مهما كانت نتائجها، سيجد أيّاماً صعبة جدّاً في انتظاره، لأنّ ما ارتكبه ويرتكبه من فظائع منذ أكثر من سنة ونيّف بحق الشعبين اللبناني والفلسطيني، سيجعله يواجه جيلاً جديداً شرساً سيتابع حمل راية المقاومة، وسيكون أكثر تصلّباً ورافضاً أيّ مساومة على حقوقه ومبادئه.
لكنّ هذا التحذير يكتسب أهمية مضاعفة عندما يأتي من وزير الدفاع الأميركي، لويد أوستن، الذي قال الأربعاء من العاصمة الايطالية روما، إنّ “تقاعس إسرائيل عن حماية المدنيين في قطاع غزّة (إدّعاء واشنطن حماية المدنيين تدحضه الوقائع على الأرض، وتصريحات مسؤولين أميركيين برّروا لإسرائيل إستهداف المدنيين واعتبروه دفاعاً للعدو عن النفس) قد يؤدي إلى ردّ فعل عنيف يمتد لأجيال، وإلى ظهور المزيد من المسلحين المناهضين لإسرائيل في المستقبل”.
ونقيضاً لأوهام البعض في لبنان من أنّ حزب الله في لبنان قد إنتهى، وأنّ المقاومة لن تجد لها مرقد عنزة في بلاد الأرز في المرحلة المقبلة، إلى حدّ بدأ هذا البعض يرسم في مخيّلته سيناريوهات سياسية لما بعد الحرب، من إنتخابات رئاسية ونيابية وتشكيل حكومة جديدة وولادة لبنان جديد، نشرت صحيفة “وول ستريت جورنال”، أول من أمس مقالاً موسعاً حول “قدرة حزب الله على الصمود في حرب طويلة ضد الكيان، رغم الخسائر في قيادة التنظيم”.
تقرير هذه الصحيفة الذي يأتي ضمن سياق تقارير صحافية كثيرة مشابهة، أشار إلى أمرين: الأوّل أن حزب الله أظهر قدرة على إعادة تجميع صفوفه بسرعة، وتحت الضغط؛ والثاني أنّ “هذه القدرة على البقاء ومواصلة القتال تزيد من خطر أن ينتهي الأمر بالكيان إلى حرب طويلة وصعبة”.
فهل يسمع ويقرأ خصوم الحزب والمقاومة في لبنان، وكذلك بعض الحلفاء، ما يُقال ويُكتب؟..
عبدالكافي الصمد – سفير الشمال