في وقت وجدت فيه القوى السياسية ترف الدخول في اجازة عيدي الميلاد ورأس السنة غير آبهة بالانهيار السريع الحاصل على المستويات كافة، يتبين ان بعض الاطراف الدوليين هم اشد قلقا على الوضع اللبناني من المسؤولين اللبنانيين أنفسهم! فبعد الرسالة التحذيرية للممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة يان كوبيتش مطلع الاسبوع وحديثه عن «اهتزاز الهيكل اللبناني»، شدد رئيس لجنة الصداقة النيابية اللبنانية-الفرنسية في مجلس النواب الفرنسي النائب لوييك كيرفران ، على ضرورة تأليف حكومة جديدة كشرط أساسي لتنفيذ الإصلاحات المطلوبة والحصول على المساعدات الدولية خصوصا من خلال مؤتمر «سيدر». وأكد كيرفران بعد لقائه رئيس الجمهورية العماد ميشال عون ان «المبادرة الفرنسية لا تزال قائمة، وأن فرنسا لا تترك لبنان في هذه الظروف»، مشيرا الى ان «الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون ملتزم تعهداته تجاه لبنان».
لكن وبمقابل التأكيد الفرنسي على التمسك بالمبادرة الفرنسية، يبدو ان هناك قوى لبنانية تدفع للتنصل من هذه المبادرة باعتبارها فشلت ولم تؤد هدفها منذ آب الماضي. وتعرب مصادر مطلعة على المفاوضات الحكومية عن خشيتها من ان يكون هناك من سيعيد المشاورات بعد عطلة العيد الى نقطة الصفر داعيا مجددا لحكومة من 22 وزيرا، باعتبار ان عون كما حزب الله سارا بطرح الحريري بحكومة من 18 وزيرا على مضض لعلمهم ان ذلك سيحرجهم امام حلفائهم وبخاصة رئيس الحزب «الديمقراطي اللبناني» النائب طلال ارسلان. وتشير المصادر الى ان «الاجواء توحي ايضا بالعودة للدفع باتجاه حكومة من السياسيين خاصة اذا ما تبين ان الأميركيين سيظلون متشددين بالتعاطي مع الملف اللبناني حتى في ظل الادارة الجديدة، ما يعني حرمان لبنان من اي مساعدات خارجية ومن ضمنها مساعدة صندوق النقد الدولي. لذلك يعتبر عون كما حزب الله انه لن يكون عندها من المنطق الرضوخ لتعليمات خارجية بخصوص شكل الحكومة او غيره طالما باريس غير قادرة على تجاوز الخطوط الحمراء الاميركية».
وبالتوازي مع الجمود المسيطر حكوميا نتيجة عطلة الاعياد وسفر الرئيس المكلف، تستمر المراوحة على صعيد التحقيقات بانفجار المرفأ. ولفت أمس ما كشفه رئيس الحكومة المكلف حسان دياب عن انهم استعلموا عن ماهية نيترات الامونيوم عبر الانترنت مؤكداً المعلومات التي تم تداولها مؤخرا عن ان تحقيقات الـ fbi افضت الى ان 500 طن من النيترات انفجرت ما يطرح اكثر من علامة استفهام حول مصير الـ 2200 طن المتبقية.
وخلال لقاء مع عدد من الصحافيين في السراي الحكومي، أشار دياب الى ان أول تقرير رسمي وصله بخصوص النيترات كان في 22 تموز، لافتا الى ان سبب عدم زيارته للمرفأ هو إبلاغه بـ3 معلومات مختلفة على مدى ساعتين في 3 حزيران، الأولى وصلته من الأجهزة الأمنية بالصدفة بوجود 2000 كيلوغرام من «تي أن تي» في المرفأ، «وفورًا طلبت ترتيب زيارة إلى المرفأ وأثناء التحضيرات الأمنية لزيارتي تبيّن أن هناك معلومات مغايرة عن التي تبلغتها بداية، أولا أن وزنها 2500 طن وليس 2000 كيلو، وثانيًا أنها ليست «تي أن تي» بل «نيترات» والتي لم نكن نعرف عنها شيئًا. وعندما بحثنا في الانترنت تبين أنها سماد كيماوي، والمعلومة الثالثة أن هذه المواد موجودة في المرفأ منذ سبع سنوات وليست جديدة. أبلغتهم أنه طالما أن الملف لازال قيد التحقيق وأن هناك ثلاث معلومات مختلفة، فليستكمل التحقيق وينجز الملف ويرسله لي، وحينها أزور المرفأ على بيّنة. فوصلني التقرير في 22 تموز».
وتوجه دياب بسلسلة اسئلة يسألها اصلا اللبنانيون، قائلا : «تقرير «أف بي آي» كشف بأن الكمية التي انفجرت هي 500 طن فقط، فأين ذهبت الـ 2200 طن؟ من هو صاحب السفينة؟ وكيف دخلت؟ ومن سمح لها بذلك؟ ومن صمت عن ذلك كل هذه الفترة؟ هل تعرف الأجهزة الأمنية بذلك؟ لقد عقدنا 20 جلسة للمجلس الأعلى للدفاع هذا العام ولم يخبرنا أحد من الأمنيين بذلك. طلبت من الأمين العام للمجلس الأعلى للدفاع اللواء محمود الأسمر البحث في محاضر اجتماعات المجلس هل ذكرت كلمة «نيترات»، فمنذ الـ2014 حتى الآن لم يبلغ أحد من المجلس الأعلى للدفاع رئيس الجمهورية كرئيس للمجلس بوجود هذه المواد».
وتمنى دياب على القاضي صوان «اذا كان لديه اي شيء ضدي فليرسله الى المجلس النيابي والأمور تسلك مجراها وأنا أحتكم للدستور».
وبانعكاس للازمات المتلاحقة، بدأت التحركات في الشارع المنتظر ان تتكثف بعد الاعياد. اذ نفذ عدد من الطلاب اعتصامًا أمام الجامعة الأميركية وسط انتشار أمني كثيف احتجاجًا على رفع الأقساط واحتساب سعر صرف على 3900 ليرة. وأكّد الطلاب عجزهم عن دفع أقساط الجامعات بسبب الغلاء، مشيرين إلى أنّ انتقال عدوى رفع سعر الصرف الى باقي الجامعات سيؤدي حتماً الى ضرب التعليم الجامعي وضياع سنوات على الكثير من الطلاب. وسجل تدافع حاد خلال الاعتصام بين الطلاب والقوى الأمنية جراء محاولتهم دخول حرم الجامعة.
ولفت يوم امس اللقاء الذي جمع رئيس حزب «القوّات اللبنانيّة» سمير جعجع بسفيرة الولايات المتحدة لدى لبنان دوروثي شيا.وأكّد جعجع خلال اللقاء أن الحل برأيه يبدأ بانتخابات نيابيّة مبكرة لأن لا أمل يرجى من الأكثريّة النيابيّة الحاليّة الحاكمة.وتطرّق بعدها إلى انفجار مرفأ بيروت، حيث لفت إلى أن التحقيق المحلي يواجه صعوبات جمّة جراء التدخلات السياسيّة التي تحصل، مشيراً إلى أن الحل هو بلجنة تقصي حقائق دوليّة.
وبحسب مصادر سياسية فان هناك عملا مضنيا ستتظهر نتيجته بعد الاعياد للدفع باتجاه خيار الانتخابات المبكرة كحل وحيد للازمة، والا البديل سيكون دفعا دوليا لاسقاط رئيس الجمهورية في الشارع بعد رفع الغطاء المسيحي عنه سواء من مختلف القوى السياسية او حتى من البطريركية المارونية.
على خط آخر، شهدت ازمة البنزين يوم امس انفراجا بعد ايام من شحّ المادة في الاسواق نتيجة عدم تمكّن أربع بواخر نفط ترسو منذ أيام أمام الشاطئ اللبناني من تفريغ حمولتها لصالح الشركات الموزّعة بسبب عدم فتح مصرف لبنان اعتمادات لها. وقد طمأن ممثل موزعي المحروقات في لبنان فادي ابو شقرا يوم امس ان «ازمة البنزين قد حلت، ومشكلة الاعتمادات في طريقها الى الحل، اذ بدأت البواخر بتفريغ حمولتها». وأكد أبو شقرا في اتصال لـ «الوكالة الوطنية للاعلام» انه «تم توزيع مادة البنزين اليوم (أمس) على المحطات على ان يتواصل التوزيع بشكل اكبر غداً (اليوم)»، متمنيا ان «يأتي العيد ويكون البنزين متوافراً في المناطق اللبنانية كافة».
اما على الصعيد الصحي، أعلنت وزارة الصحة العامة يوم امس تسجيل 2298 إصابة جديدة بكورونا و21 حالة وفاة في الساعات الـ24 الماضية.
وكان وزير الصحة العامة في حكومة تصريف الأعمال الدكتور حمد حسن ترأس اجتماعا للمراقبين الإختصاصيين الصحيين التابعين للوزارة، عرض خلاله توجيهات المرحلة المقبلة من التحدي والتي تأتي تحت عنوان «تكثيف الجهود لمكافحة الوباء، وعدم التسليم بالتفشي الحاصل في معظم المناطق اللبنانية بل المواظبة على العمل لكسر سلسلة العدوى».
وكشف حسن أن «الخطة المقبلة ستقوم على عزل بعض المناطق التي تشهد تسجيل بؤر وبائية محدودة بهدف محاصرتها بحيث تكون الفرق الميدانية المختلفة التابعة لوزارة الصحة العامة، العين المراقبة التي تواكب بالتنسيق مع البلديات، فعالية الإجراءات المناسبة بهدف التصويب وتحقيق الأهداف المرجوة»، لافتا إلى أن «دور الوزارة يبقى أساسيا في هذا المجال»، داعيا المراقبين إلى «عدم ربط أدائهم بذهنية وظيفية تركز على عدد ساعات العمل، بل تنفيذ المهام بروحية أن حماية الإنسان من الوباء تعادل حماية الوطن».