الإثنين, نوفمبر 25
Banner

الجمهورية: الحكومة أسيرة العقد الخارجية والداخلية.. والحلّ ينتظر تضحيات وتسهيلات متبادلة

تحوّلت الحكومة إلى قصة “إبريق الزيت” تُروى يومياً بطريقة مختلفة ‏عن الأخرى، لكنّ المضمون أو النتيجة هي نفسها: لا حكومة. فهناك من ‏يَعزو عدم التأليف إلى أسباب خارجية تتعلق بالنزاع الأميركي-الإيراني ‏ورفض طهران الإفراج عن الورقة الحكومية قبل ان تنتزع أثماناً أميركية، ‏وما يرجِّح هذا الاعتقاد لدى هذا البعض هو عدم تصديقهم أنّ العقدة ‏محلية وغير قابلة للحل على رغم فداحة الأزمة المالية، إذ هل يعقل، ‏في اعتقادهم، ألّا يضحّي المسؤولون بمصالحهم في سبيل الناس ‏الجائعين والفقراء والمتروكين لأقدارهم ومصيرهم؟ وفي المقابل، ‏هناك من يعتبر أنّ العقدة الحكومية محلية بامتياز، وترتبط باختلاف ‏النظرة الى الحكومة العتيدة بين الرئيسين ميشال عون وسعد ‏الحريري، إذ فيما يعتبرها رئيس الجمهورية حكومة العهد الأخيرة ولن ‏يفرِّط بحضوره داخلها، يسعى الرئيس المكلّف إلى تَجنُّب تصويرها ‏كالحكومة المستقيلة لكي يتمكن من تسويقها خليجياً وأميركياً، فضلاً ‏عن انه يريد التحرر من موازين القوى داخلها بغية إدارتها بسلاسة ‏تحقيقاً للإصلاحات المشودة. وبين من يقول انّ العقدة خارجية، وبين ‏من يعتبرها داخلية، يواصل لبنان انزلاقه من السيئ إلى الأسوأ، ‏ويقفل العام 2020 من دون حكومة. لكنّ الوضع في السنة المقبلة لن ‏يكون أفضل حالاً من العام الحالي، لأنّ الأزمات نفسها سترحل من ‏سنة إلى أخرى من دون وجود أي أفق للحلّ. أما الكلام عن انّ الأمل ‏الوحيد يكمن في دخول الرئيس الاميركي المنتخب جو بايدن إلى البيت ‏الأبيض، فوصفته أوساط ديبلوماسية بـ”المَزحة”، لأنّ لبنان لن يكون ‏على قائمة أولويات واشنطن في الأشهر الأولى للإدارة الجديدة. ‏وبالتالي، على المسؤولين أن يحزموا أمرهم بعيداً عن الاتكالية ‏والكسل السياسي، والدفع في اتجاه لبننة الاستحقاق الحكومي بدلاً ‏من تدويله من دون طائل. ويرى المراقبون انّ السنة المنصرمة قد ‏تكون من أسوأ السنوات التي مرّت على لبنان بسبب الأزمات التي لا ‏يَد له فيها، كالأزمة الصحية المتعلقة بكورونا، والأزمات التي ‏للمسؤولين اليَد الطولى في إيصال لبنان إلى ما وصلَ إليه من ‏كوارث ومآس، لكنّ الهمّ الأساسي لدى الناس يبقى في طريقة ‏التصدي للأزمة المالية من دون حكومة قادرة على تحقيق الإصلاحات ‏التي تفتح باب الإصلاحات.‏

مع مطلع السنة الجديدة ستبقى الأنظار مشدودة إلى عودة الرئيس ‏المكلف سعد الحريري من الخارج، ومعاودته مساعيه مع رئيس ‏الجمهورية. كذلك ستبقى مشدودة في اتجاهين: بكركي وقصر ‏الإليزيه. فعلى رغم الكلام العالي النبرة للبطريرك بشارة الراعي، إلّا ‏أنه أكد عدم تخّليه عن وساطته التي سيُعاود تفعيلها في الوقت ‏المناسب، كما انّ الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، الذي تعافى من ‏كورونا، سيُعاود جَدولة مواعيد زيارته للبنان في السنة الجديدة، ‏وتجديد الدفع في اتجاه توليد الحكومة.‏

‏ ‏المأزق والعجز والخوف

وأبلغت مصادر مطلعة الى “الجمهورية” انّ المأزق الحكومي ‏المتمادي والمقفل أظهَر في وضوح حجم العجز لدى القوى السياسية، ‏التي أُسقِط في يدها وباتت تدور في دوامة عبثية.‏

ونقلت تلك المصادر، عن قيادات اساسية، إقرارها بالعجز والخوف من ‏تداعياته المحتملة، وسط خشية من ان تزداد الأمور تعقيداً وتدهوراً ‏بعد نحو شهرين، اذا بقيت المراوحة سائدة، بحيث تصبح فرصة ‏الصعود من الهاوية أضعف وأصعب.‏

واشارت إلى أنّ من يربط الإفراج عن الحكومة بتسَلّم الرئيس الأميركي ‏جو بايدن السلطة رسمياً هو مُخطئ، لأنّ لبنان ليس أولوية الإدارة ‏الجديدة التي ستكتشف انّ الرئيس دونالد ترامب ترك لها ملفات ‏ملغومة ومُلحّة، تبدأ من العلاقة المتوترة مع الصين، مروراً بتحديات ‏‏”كورونا” والاختراقات الروسية السيبرانية، وصولاً الى عدد من القضايا ‏الدولية والاقليمية التي تهم مصالح الولايات المتحدة وتسبق الملف ‏اللبناني في ترتيب الأهمية والاهتمام.‏

واعتبرت انّ المطلوب من عون والحريري والقوى الأخرى، مع بداية ‏السنة الجديدة، هو تَبادل التسهيلات والتضحيات بمعزل عمّن كان ‏ظالماً او مظلوماً في مفاوضات تشكيل الحكومة في السابق، وإلّا ‏فالج لا تعالج اذا لم يتغير أصل المقاربة.‏

‏ ‏الحريري الى باريس

وفيما غابت النشاطات الخاصة بتأليف الحكومة، لم تلحظ المراكز ‏الرسمية اهتماماً بهذا الملف وكأنه بات على الرف، تزامناً مع تأكيد ‏دوائر القصر الجمهوري عدم حصول أي جديد. وكذلك الجمود الذي لَفّ ‏نشاط “بيت الوسط” في ظل غياب الحريري، الذي قيل انه بات في ‏الرياض بعد زيارته الامارات العربية المتحدة ليومين، وذلك قبل ان ‏ينتقل اليوم الى باريس حيث سيمضي ليلة رأس السنة الى جانب ‏عائلته.‏

‏ ‏الموقف الفرنسي

في هذه الاثناء، برز أمس موقف فرنسي عَبّر عنه رئيس لجنة الصداقة ‏النيابية اللبنانية – الفرنسية في مجلس النواب الفرنسي النائب لوييك ‏كيرفران، يتلخّص في أنّ “المبادرة الفرنسية لا تزال قائمة، وأنّ فرنسا لا ‏تترك لبنان في هذه الظروف”، مشيراً الى أنّ “الرئيس الفرنسي ملتزم ‏تعهداته تجاه لبنان”. وقال: “هذا ما رأيناه من خلال الزيارتين ‏المتتاليتين اللتين قام بهما الى هذا البلد، وكذلك من خلال مؤتمر ‏الدعم الدولي الذي دعا إليه رؤساء الدول بِهَدف تقديم الدعم له، وقد ‏حصل لبنان من خلاله على 280 مليون دولار كمساعدات إنسانية”. ‏وأكد أنّ ماكرون “لديه إرادة ورغبة في زيارة لبنان، على أن يُحدّد موعد ‏جديد للزيارة وفقاً للظروف”. ولفت الى “ضرورة تأليف حكومة جديدة ‏كشرط أساس لتنفيذ الإصلاحات المطلوبة والحصول على المساعدات ‏الدولية، خصوصاً من خلال مؤتمر “سيدر”.‏

‏ ‏موقف “حزب الله”‏

كذلك برز موقف لـ”حزب الله” عَبّر عنه عضو كتلة الوفاء للمقاومة ‏النائب علي فياض، في حديث تلفزيوني، فقال: “إنّ الجميع يريدنا ان ‏نضغط على حليفنا “العوني” ليتخلّى عن شروطه، لكنّ ‏المسألة ‏تتطلب تنازلات من الجميع‎.‎‏” وأكد أنه “لم يتمكّن أحد حتى ‏اللحظة من تأكيد ما قيل عن انّ الرئيس المكلّف تشكيل الحكومة سعد ‏الحريري مُربَك ‏لأنّ هناك فيتو أميركياً على عدم مشاركة “حزب الله”، ‏حتى باختصاصيين، في الحكومة”.‏‎

وردّ فياض على سؤال عن مواقف البطريرك الماروني مار بشارة ‏بطرس الراعي عن الحليف، قائلاً: “فلنُطلق المواقف ‏بواقعية ‏ومسؤولية، والحريري يدرك انّ “حزب الله” مَرن بتشكيل ‏الحكومة، وما يتّصل بنا جَرت معالجته بهدوء”‏‎.‎‏ ورأى أنّ “التحليلات ‏التي تربط تشكيل الحكومة باستلام جو بايدن الرئاسة الأميركية غير ‏مقنعة”، مركّزا على أنّ “العقبات داخلية، ‏والحلول يجب أن تكون ‏داخلية”‏‎‏. وتوجّه إلى مَن يراهن على تشكيل الحكومة بعد تسلّم بايدن، ‏قائلاً: “ما لم تعالج العقبات الداخلية فالحكومة لن تولد قريباً، حتى لو ‏استلم بايدن الحكم”.‏‎

‏ ‏جعجع واستقالة عون

في المقابل، أكد رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع “أننا نريد ‏حلاً وليس خطوات نظرية”. وأشار إلى أنّه “ما من شك في أنّ رئيس ‏الجمهورية العماد عون هو جزء كبير من المشكلة الحالية إلّا انه ليس ‏المشكلة كلها. وما من شيء يمنعنا كما أننا لسنا ضد استقالته، لكنّ ‏هذا الأمر لا يحل المشكلة في الوقت الراهن. ولكي نتأكد من ذلك، ‏ليس علينا سوى أن نفترض أنه تقدّم باستقالته اليوم ونرى ماذا ‏سيحصل. الذي سيحصل هو أنّ الأكثرية ستجتمع غداً لانتخاب رئيس ‏آخر مثله أو أسوأ منه، وفي هذه الحال جُلّ ما نكون قد حققناه هو أننا ‏أضعنا مزيداً من الوقت سُدى. لذا، الامر الوحيد المفيد القيام به اليوم ‏هو الذهاب إلى جوهر المشكلة، حيث الحل يكمن في الانتخابات ‏النيابية المبكرة”.‏

دياب

الى ذلك، وفي الوقت الذي لفّ الجمود معظم المواقع الرسمية، ‏لوحِظ عودة النشاط الى السرايا الحكومية، حيث عقد رئيس حكومة ‏تصريف الاعمال حسان دياب مجموعة اجتماعات متخصّصة بعدد من ‏الملفات الحيوية. وبرزت عودته الى السرايا قبل يومين على نهاية ‏السنة، حيث التقى للمرة الاولى منذ فترة الاعلاميين في دَردشة ‏خصّصها لتسجيل مجموعة مواقف من ملف “كورونا” وإمكان تجدد ‏العمل ببرامج الاغلاق في حال ساءت الاوضاع الصحية أكثر، ومن ملف ‏ترشيد الإنفاق الذي لم تُقاربه بعد النشاطات التي خصّصت لإعادة ‏تصنيف ما يمكن الاستمرار في دعمه من عدمه، مُكرّراً الهجوم على ‏حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، ومتّهماً إيّاه بحَجب الارقام الجديدة ‏عن موجودات مصرف لبنان التي يمكن استخدامها في الدعم عنه، ‏ومُستغرباً إشارته الجديدة قبل ايام قليلة الى وجود ملياري دولار يمكن ‏استخدامها في هذا المجال، ومطمئناً الى أنها تكفي، في حال اللجوء ‏الى برامج الترشيد، لـ6 أشهر إضافية. وأكد دياب أنّه “مجروح بعمق. ‏فلقد أتيتُ منذ البداية لكي أحارب الفساد “بِطلَع آخِر شي أنا الفساد”، ‏لأنني لم أزُر المرفأ؟”.‏

وعن عدم زيارته للمرفأ قبل حصول الانفجار، قال: “لنفرض أنّني زرتُ ‏المرفأ في 4 حزيران الماضي وكشفتُ على العنبر 12، فإنني سأقوم ‏بإرسال كتاب إلى المسؤولين الأمنيين الذين يعرفون بالأمر أصلاً منذ 7 ‏سنوات”. وسأل: “هل يعرف أحد متى فتحت الفجوة في العنبر رقم 12 ‏ومَن فتحها؟ إنّ تقرير “أف. بي. آي” كشف أنّ الكمية التي انفجرت من ‏‏”نيترات الامونيوم” هي 500 طن فقط، فأين ذهبت الـ2200 طن ‏المتبقية؟ من هو صاحب السفينة؟ وكيف دخلت؟ ومن سمح لها ‏بذلك…؟”.‏

وأشار الى أنّ “التقرير وصَله في 22 تموز الماضي، فحَوّله رأساً إلى ‏الوزراء المختصّين، وصودِف وجود إقفال بموجب قرار التعبئة العامة ‏بسبب وباء “كورونا” وعيد الأضحى وعيد الجيش”. مشيراً الى أنّه ‏‏”أوّل رئيس فتح الباب لصوّان، وأخبرته بكلّ شيء”.‏

وعن المسار النقدي بعد رفع السرية المصرفية، قال: “تأخرنا كثيراً في ‏المزايدات والخلاف السياسي”، مشيراً الى أنّ “المصارف باعت قسماً ‏كبيراً من السندات وانخفضت النسبة إلى 58 في المئة، وبقيت ‏السيولة في الخارج، ولو أجرَينا إعادة جدولة الدين، أي تأجيل الدفع ‏لـ20 سنة، لكنّا تنفّسنا مالياً واقتصادياً لـ3 سنوات”.‏

وعمّ يمكن للحريري تقديمه ولم يستطع هو تقديمه؟ قال دياب: ‏‏”قبول المجتمع السياسي، لا تكفي الكفاءة ونظافة الكف والوطنية ‏للنجاح، بل يجب أن يتوافر التوافق السياسي”.‏

‏ ‏كورونا

صحياً، أعلنت وزارة الصحة العامّة في تقريرها اليومي، أمس، حول ‏مستجدات فيروس كورونا، تسجيل 2298 إصابة جديدة (2281 محلية ‏و17 وافدة)، ليصبح العدد الإجمالي للإصابات 175118. وكذلك تسجيل ‏‏21 حالة وفاة جديدة، ليصبح العدد الإجمالي للوفيات 1430.‏

‏ ‏يَسترجِعون الشارع

من جهة ثانية، وتحت شعار “الطلاب يَسترجِعون الشارع”، ووسط ‏إجراءات أمنية مشدّدة، تجمّع طلاب الجامعة الأميركية وطالباتها في ‏شارع “بلس” أمس، محاولين اقتحام المدخل الرئيسي للجامعة، قبل أن ‏يتّجهوا الى المدخل الثاني للجامعة المعروف بمدخل الحرم الطبي، ‏حيث تكرّر مشهد الأيام العشرة الماضية. فاندلعت مواجهات بين ‏الطلاب والقوى الأمنية، وحصل ضرب بالهراوات ووقَع تَشابك بالأيدي، ‏وكان ردّ الطلاب الرشق بالحجارة وأغصان الأشجار.‏

Leave A Reply