على مدار سنة كاملة ورئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو يتحايل على كل الطروحات التي يتم تقديمها بشأن الاتفاق على صفقة تبادل الأسرى، حيث كان يناور تارة ويكذب تارة أخرى، ثم يفاجئ حركة المقاومة الاسلامية “حماس” من خلال الاعلام الاسرائيلي بمسودات غير متوافق عليها هي أشبه بصكوك إستسلام لها، ليحمّلها بعد ذلك مسؤولية فشل جولة المفاوضات، ويُمعن في إستهداف المدنيين قصفا وتدميرا وقتلا وتشريدا.
في غزة حاول نتنياهو أن يكسب الوقت لتحقيق أهداف الحرب لجهة القضاء على حماس وإستعادة الأسرى بالقوة، في حين أن أميركا ممثلة برئيسها جو بايدن الذي يخوض معركة الحزب الديمقراطي في الانتخابات الرئاسية، فكان يدعم إسرائيل بالسلاح بهدف إستمالة أصوات اللوبي الصهيوني ومن يدور في فلكه، وكان في الوقت نفسه يقدم الاقتراحات لحل الأزمة في غزة والتوصل الى وقف إطلاق النار وإتمام صفقة التبادل بهدف إرضاء الشريحة الأميركية المطالبة بوقف هذه الحرب.
السيناريو نفسه يطبقه نتنياهو اليوم مع لبنان حيث يتحايل ويناور ويكذب، خصوصا أنه إنقلب على الورقة الفرنسية ـ الأميركية التي حظيت بدعم الدول الأجنبية والعربية وغدر بكل من بنى الآمال على أن تضع حدا لإجرامه، كما رفض سلسلة إقتراحات لوقف إطلاق النار، وصولا الى إعادة المبعوث الأميركي آموس هوكشتاين الى واشنطن خالي الوفاض.
وكان نتنياهو إستبق زيارة هوكشتاين بتسريب مسودات تتحدث عن وقف مؤقت لوقف إطلاق النار، وتعطي إسرائيل الحق بالتدخل في السيادة اللبنانية وفي إستهداف المقاومة إذا ما شعرت بتحركات لها، وهو الأمر الذي لا يمكن أن يقبل به لبنان الذي أبلغ الموفد الأميركي أن الأولوية هي لوقف إطلاق النار، ومن ثم تطبيق القرار 1701 من دون زيادة أو نقصان ومن دون تعديل في مهام اليونيفل، ونشر الجيش في الجنوب للتعاون معها في ضبط آلية التنفيذ.
وعندما وضع هوكشتاين نتنياهو أمام خياريّ إستمرار الحرب أو وقفها، ذهب نحو الخيار الأول، كونه لا يستطيع إيقاف الحرب بالدرجة الأولى كونه ما يزال بعد 13 شهرا عاجزا عن تحقيق أهدافها في غزة وفي لبنان، وهو لم يحقق طيلة هذه الفترة سوى بعض الاغتيالات التي تعكس الفشل في الميدان، وقتل المدنيين وتدمير الأبنية، وهذا السلوك لا يصنع نصرا، ما قد يعرض نتنياهو للمحاكمة وقضاء ما تبقى له من عمر في السجن، أو ربما يُقتل على يد المتطرفين الاسرائيليين، أو شخص من عائلات الأسرى التي تتهمه بالتسبب بمقتل أبنائهم.
كذلك، يبدو واضحا أن نتنياهو لا يريد أن يقدم وقف إطلاق النار على “طبق من ذهب” الى الرئيس الأميركي جو بايدن للاستفادة منه في حملة كامالا هاريس الانتخابية، وهو الذي يدعم وصول صديقه ترامب الى البيت الأبيض ويعتبر أن إستمراره في الحرب يصب في مصلحته، لكن أميركا سارعت الى التحايل على موقف نتنياهو، وأكدت عبر مصادر البيت الأبيض أن “هوكشتاين وصل الى قواسم مشتركة معه لوقف إطلاق النار والأمور ذاهبة الى مزيد من الايجابية”، وذلك لذر الرماد في عيون المطالبين بوقف الحرب عشية الانتخابات، ما يؤكد أن أميركا بحزبيها الديمقراطي والجمهوري تخوض إنتخاباتها على دماء الفلسطينيين واللبنانيين.
وفي الوقت الذي لم يتواصل فيه هوكشتاين مع الرئيسين نبيه بري ونجيب ميقاتي لإبلاغهما بنتائح محادثاته في تل أبيب، ترجم نتنياهو رفضه للإقتراحات بالحديد والنار من خلال أكثر من عشر غارات عنيفة شنتها المقاتلات الاسرائيلية على الضاحية الجنوبية لبيروت، كما شنت غارات مماثلة على النبطية وعلى كثير من القرى والبلدات في الجنوب والبقاع، وذلك في رسالة واضحة بأن العدوان الاسرائيلي سيستمر أقله الى موعد إنتهاء الإنتخابات الأميركية في الخامس من تشرين الثاني الجاري.
هذا الواقع، دفع الرئيس نبيه بري الى نعي المبادرة الأميركية لوقف إطلاق النار، في حين وضع الرئيس نجيب ميقاتي المجتمع الدولي أمام مسؤولياته جراء العدوان الاسرائيلي الوحشي على لبنان خلال لقائه قائد اليونيفيل، ما يؤكد أن الكلمة الفصل في الأيام المقبلة ستكون للميدان الذي وحده قادر على إيلام إسرائيل وإستنزاف جيشها وبالتالي الضغط على نتيناهو للرضوخ الى المفاوضات، خصوصا أن الأصوات بدأت تتصاعد في إسرائيل حول الأثمان التي تُدفع في الحرب من دون تحقيق أية أهداف، وتطالب بإيقاف الحرب في غزة ولبنان، لأن ذلك وحده كفيل بإستعادة الأسرى وإعادة النازحين، وحماية الجيش الاسرائيلي من الاستنزاف اليومي.
غسان ريفي – سفير الشمال