يواجه لبنان كارثة إنسانية متصاعدة تهدد حياة مواطنيه، ما يجعله واحداً من أبرز البؤر التي تعاني من انعدام الأمن الغذائي الحاد. فالتصعيد المستمر للصراعات، والأزمة الاقتصادية الخانقة، والنزوح الجماعي، جميعها عوامل تضافرت لتدفع اللبنانيين إلى براثن الجوع. وتشير التوقعات إلى ارتفاع مستويات انعدام الأمن الغذائي الحاد في لبنان، حيث من المتوقع أن يواجه نحو 1.3 مليون شخص، أي ما يعادل 23 في المائة من السكان، مستويات عالية من انعدام الأمن الغذائي (المرحلة 3 من التصنيف المتكامل لمراحل الأمن الغذائي أو أعلى) بين نيسان وأيلول 2024، وتشمل هذه الأعداد اللبنانيين واللاجئين السوريين والفلسطينيين.
ووفقاً لتقرير “الإنذار المبكر بشأن بؤر الجوع الساخنة وانعدام الأمن الغذائي” الصادر عن منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة “الفاو” وبرنامج الأغذية العالمي، انضم لبنان إلى قائمة الدول التي تستدعي اهتماماً دولياً عاجلاً، حيث يعاني ملايين من سكانه من انعدام الأمن الغذائي الحاد، مثل تشاد وميانمار وموزامبيق ونيجيريا وسوريا واليمن. ويعود هذا الوضع إلى مجموعة من العوامل المتفاقمة التي تهدد بتعميق الأزمة المعيشية ورفع المخاطر المحدقة بحياة الناس.
أعداد النزوح تفوق حرب 2006
التوقعات تشير إلى أن الأوضاع ستتدهور بصورة أكبر نتيجة للأزمة الاقتصادية المتفاقمة والتصعيد المستمر للصراع. حتى نهاية أيلول 2024، بلغ عدد النازحين نحو مليون شخص، معظمهم من الجنوب وضواحي بيروت الجنوبية، متجاوزين مستويات النزوح التي شهدتها حرب 2006. ومن المتوقع أن يرتفع عدد الأفراد الذين يواجهون حالات طوارئ من انعدام الأمن الغذائي (المرحلة 4 من التصنيف المتكامل لمراحل الأمن الغذائي) بصورة ملحوظة في المستقبل القريب. ويشهد جنوب لبنان والمناطق المحيطة آثار العمليات العسكرية والغارات الجوية، ما يزيد من دمار البنية التحتية ويرفع من أعداد النازحين، مع تعمق الآثار السلبية للأزمة الاقتصادية وتقليص المساعدات الانسانية، ما يستدعي استجابة إنسانية مكثفة.
أزمة اقتصادية متفاقمة
على الصعيد الاقتصادي، يعاني لبنان من أزمة مالية حادة منذ العام 2019، بحيث سجل معدل التضخم السنوي حوالي 32 في المائة في أيلول 2024. على الرغم من أن هذا المعدل يعكس انخفاضاً نسبياً بفضل استقرار الدولار، فإن تكلفة السلع الأساسية لا تزال في ارتفاع. فقد زادت تكلفة سلة الإنفاق الأساسية للبقاء بنسبة 15 في المائة بالدولار في تموز 2024 مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي، كما ارتفع سعر الخبز، الغذاء الأساسي، بنسبة 20 في المائة بعد انتهاء قرض البنك الدولي الذي كان يدعم واردات القمح. ومن المتوقع أن تتأثر الأسر ذات الدخل المنخفض والمناطق المتضررة من الصراع بصورة أكبر بهذه الزيادات في الأسعار.
كما ستتأثر السياحة، أحد المصادر الرئيسية للدخل الأجنبي، بفعل الأعمال العدائية، ما يزيد من هشاشة الاقتصاد الوطني. بالاضافة إلى ذلك، يعاني القطاع الزراعي، الذي يسهم بنحو 80 في المائة من الناتج المحلي الاجمالي في جنوب لبنان، من قيود على الوصول إلى الأراضي الزراعية نتيجة النزاع، ما يؤثر سلباً على معيشة المزارعين، بحيث يعتمد حوالي 70 في المائة من الأسر في الجنوب على هذا القطاع.
نقص حاد في تمويل المساعدات الإنسانية
بالتوازي، أعلنت الأمم المتحدة، الجمعة، عن مواجهة نقص حاد في التمويل اللازم لتقديم المساعدات الإنسانية للبنان. وبحسب مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية “أوتشا”، فإن الحاجات تتزايد كل دقيقة، والوعود بتقديم التمويل لا تكفي لتأمين الغذاء أو الأدوية أو الملاجئ للنازحين جراء الحرب بين إسرائيل و”حزب الله”.
وأشار إلى أن النداء لجمع المساعدات الإنسانية للبنان، والذي يبلغ إجمالي طلباته 426 مليون دولار، لم يجمع سوى 17 في المائة من هذا المبلغ، بما في ذلك 17 مليون دولار من إيطاليا، و11.7 مليون دولار من الولايات المتحدة، و10 ملايين دولار من صندوق الأمم المتحدة للطوارئ الإنسانية، و9.3 ملايين دولار من السويد، و7.2 ملايين دولار من فرنسا، و6.4 ملايين دولار من المملكة المتحدة، و5.5 ملايين دولار من ألمانيا.
يجد لبنان نفسه اليوم في مواجهة أزمة إنسانية واقتصادية حادة تتطلب استجابة عاجلة وشاملة من المجتمع الدولي. فمع تصاعد معدلات النزوح، وارتفاع تكاليف المعيشة، وتدهور الأمن الغذائي، يتعاظم حجم المعاناة التي يعيشها الملايين من اللبنانيين. ومع استمرار هذه الأوضاع من دون حلول ملموسة، تزداد المخاوف من أن تتفاقم الأزمة إلى مستويات لا يمكن السيطرة عليها، ما قد يهدد أمن لبنان الغذائي لسنوات.
هدى علاء الدين – لبنان الكبير