الثلاثاء, نوفمبر 5

عند منعطفات الذّاكرة – كتب السيد أحمد الحسيني

كتب السيد أحمد الحسيني

خلف تلك التّلال الّتي يغمرها الغيم ، هناك بين صريفا و شحور مساحة للوجد وخاصرة يتقنها الرّجال الرّجال.

أرزون لؤلؤة القرى ، تلك الّتي تركع خلف ظهر بيوتها ثرثرة الجداول وحفيف مياه اللّيطاني ، وتتوضّأ الرّيح من تحت نعال أبنائها ومن تلك البيوت القديمة العزيزة بطاعة الله ، كيف لا وأرزون هي مدلّلة الإمام الصّدر وكان لها شرف دخوله إلى بيوتاتها ، وصلاته على ترابها

منذ ذلك الحين وفوق صلة أهلها بآل البيت آمنت مع الإمام الصّدر قبل الفتح ونصرته يوم عزّ النّصير ،

وقد قدّمت خيرة أبنائها في الكوكبة الأولى من شهداء الدّفاع عن الجنوب وقضيّته .

كان اللّيل يتخذه الإمام محراباً بين بيوتها المزدحمة وأزّقتها الضّيّقة ،

ويوم كان الجنوب على خارطة مشروع القوافل الغابرة ، قوافل الّذين أرادوا له أن يكون غباراً في مهبّ ريح السّياسة و المصالح ،

من أرزون وأخواتها صدح صوت الإمام وعزف لحرف التّضحية ، وأنشد نشيد النّصر ورسم حدود وإطار الوطنيّة ، ووسم صدر الجنوب بوسام شرف الجنوبيّين وبقائهم متمسّكين بأرضهم ،

يوم علا ضجيج الإنقسام وقُطّعت أوردة الوطن ، ظلّ صليب وتراتيل جرس كنيسة ” دردغيّا ” يكسر خشوع الصّمت ويسري بين خطوط الضوء ليختبئ في ضمير و وجدان أهالي “أرزون” وأخواتها

في كلّ محطات الوطن و المحن الّتي مرّ بها ، كان لها شرف المشاركة بدماء وعرق وجهاد أبنائها.

يوم أضاع البعض البوصلة وأخذت المراكب تسبح في أمواج التّقوّس الضّائعة ظلّت بيوتات أرزون ورجالاتها على عهدها للإمام الصّدر ، المكتوب بمداد أعمارهم من الجيل الأوّل إلى الجيل الثّالث ، ولازلت تسلّم الراية من راحل إلى وافد

أرزون و التّضحيات رفيقان على مدى التّاريخ، فقد كتب منذ القديم القديم في معركة الجهاد الأكبر و الأصغر لها ولأخواتها من القرى محطّات و محطّات في مشوار التّضحية والتّحرير والبناء ،

وليس صدفة أن تقدّم أرزون خيرة أبنائها في الدّفاع عن الجنوب ولبنان ! لكن في تاريخ الأجيال و ذاكرة التّاريخ وفي وجدان العصور وعلى صفحة الأيّام ، كتبت في كنيسة دردغيا أروع و أجمل وأنصع صفحات للوحدة الوطنيّة ، وكأن دماء شهداء أرزون سالت لتحافظ على صوت المئذنة في نداء “الله أكبر” ، لتعانق تراتيل الكنيسة ، على مساحة كلّ الوطن .

أرزون على عهدك سيّدي الإمام ، وكما أردتها وجيرانها مقالع للرجال ، ها هي وأخواتها من القرى توقظ عيون الفجر الجديد من أهداب أبنائها وتسطع شمس الحرّيّة من لون دمائهم القانية .

على العهد والوعد سيبقى ثغر الأرض يصدح إمّا بالنّصر أو الشّهادة

Leave A Reply