لشجرة الزيتون رمزية خاصة لدى الجنوبيين هي أكثر من تراث وأكثر من تاريخ فضلاً عن أنها مصدر رزق للكثيرين منهم، وتعتبر هذه الشجرة شريان الحياة الاقتصادية في الجنوب اللبناني ورمزًا للصمود والتشبث بالأرض.
وكان موسم الزيتون الذي يشكل مصدر رزق أساسي لأكثر من مئة ألف عائلة جنوبية في أوقات السلم، يساهم في توفير فرص عمل موسمية لآلاف العمال الذين يعملون على قطفه، أو يشتغلون في معاصر الزيتون المنتشرة في المنطقة.
وبالإضافة إلى قيمته الاقتصادية داخليا، كان موسم الزيتون يساهم في ارتفاع نسبة الصادرات اللبنانية عبر تصدير كميات كبيرة من الزيت والزيتون إلى الخارج لتأمين حاجات اللبنانيين المغتربين المنتشرين في الدول العربية والأميركيتين و غيرها من الدول.
وتشكل بساتين الزيتون في الجنوب والبقاع الغربي نحو 28% من إجمالي المساحات المزروعة بأشجار الزيتون في لبنان، بحسب دراسات لجمعيات زراعية متخصصة في الجنوب.
وللأسف فأن الاعتداءات الإسرائيلية الهمجية لم تقتصر على البشر والحجر والتهجير بل شملت المواسم الزراعية و أهمها شجرة الزيتون، بحيث سُوِيَ الموسم في الأرض نتيجة استهداف الأراضي الزراعية بقنابل الفوسفور المحرمة دولياً، وعدم تمكن الجنوبيبن من الوصول إلى ما تبقى من بساتينهم.
جنوبيون تحدثوا للديار عن الخسائر التي تكبدوها:
تيسير كشمر من مدينة صور مزارع وصاحب معصرة زيتون أكد في حديث للديار على أنّ هذه الحرب كان لها تداعيات وخسائر كبيرة على المستوى الزّراعي بشكل عام وقطاع الزّيتون بشكلٍ خاصّ في الجنوب اللبناني،” فقد شكلت نسبة إنتاج الجنوب من الزيت 15 إلى 20% فقط من إنتاج لبنان وذلك بفعل الاعتداءات الإسرائيلية المستمرّة على الجنوب منذ 1980 وحتى اليوم”.
وعن مدى أهمية هذه الزراعة قال كشمر : تعود أهميّة هذه الزراعة إلى تاريخ الشجرة وعلاقتها بالأرض وبركتها حيث إنّ الجنوبيّين بشكل خاص واللّبنانيين بشكل عام يعتبرون مونة البيت هي الزيت “وما دام في زيت في بركة”، والمثل الشّائع الّذي نردّده دائمًا “منعيش عالخبزة والزيتونة”، ثمّ مع الوقت أصبحت تشكّل هذه الزّراعة سندًا ودعمًا لمزارعي الجنوب فمثلًا نقول “مصاري الزيتات منعلّم فيهم الأولاد” أو نقول “بحاسبك عالموسم”.
ولفت كشمر إلى أن ما حدث اليوم ويحدث من تداعيات هذه الحرب والخسائر الكبيرة في الحقول والإنتاج وصعوبة الوصول إليها لقطافها سينعكس على حاجة السوق ،”وبالتّالي سيزيد الطلب وهذا ما لمسناه، فبات سعر تنكة الزيت (15 ك) حوالى 150$، وفي مناطق كثيرة تخطّى هذا الرقم وهذا ما جعل الحصول عليها صعبًا أو مستحيلًا في هذه الأيام نسبةً للظروف الرّاهنة”.
وتوجّه كشمر “إلى دولتنا الكريمة بالنّظر في ما تعرض له الجنوب من خسائر ونزوح ومتابعة أوضاع النّاس الحاليّة ودعمهم لاستمرار صمودهم ومساعدتهم ماديًّا وتأمين ما يلزم فيما بعد من أسمدة ومحروقات وشتول وتعيين فرق اختصاص لتسجيل الأضرار بعد انتهاء الحرب”.
عصام رمال من بلدة الدوير الجنوبية قال للديار: لدي كرم زيتون ورثته عن أبي ونحصد منه في كل موسم حوالى ١٢ تنكة زيت تؤمن لنا مونة، و إذا أردنا ان نحتسب الخسائر فهي تُقدّر ب ١٥٠٠ دولار ، مشيراً أنه كان من المفترض أن نحصد ونعصر الزيتون في مثل هذه الأيام فعادةً بين ١٥ و ٢٠ تشرين الأول نقوم بقطف الزيتون ، لكن للأسف نتيجة الاعتداءات الإسرائيلية ضاع الموسم في الأرض .
ويقول رمال بحسرة وحزن الخسائر واقعة بفعل الاعتداءات الهمجية التي شملت كل شيء من منازل و مستشفيات و أراض زراعية ومعظم الجنوبيين يعتاشون من الزراعة سيما زراعة الزيتون، ومن خسر بيته لن يسأل عن خسارة موسم الزيتون.
وختم: ابي زرع أشجار الزيتون في العام ١٩٧٦ ولذلك تُعد هذه الأشجار من الأشجار المعمرة وكل شجرة تنتج حوالى ١٥٠ كيلو زيتون.
صاحب معصرة زيتون من بلدة الزرارية أحمد مروة قال للديار: هناك الكثير من العائلات في الزرارية وغيرها من المناطق الجنوبية الذين يعتاشون من شجرة الزيتون، ومنهم من ينتج أكثر من ٢٠٠ تنكة زيت كما يبيعون حب الزيتون (الرص)، كما هناك عائلات من طير فلسيه وسير الجنوبية تعتاش من شجرة الزيتون وهي تعتمد على موسم الزيتون وتعتاش من بيع الزيت والزيتون على مدار السنة .
ويقول مروة بحرقة: الخسائر كبيرة فالموسم ضاع في الأرض وفي كل المناطق الجنوبية فالجنوبيون خسروا منازلهم وتهجروا من بلداتهم كما خسروا مصدر رزقهم من جراء الاعتداءات الإسرائيلية .
فاطمة ضاهر من بلدة الزرارية في الجنوب اللبناني قالت للديار: الجنوبيون خسروا موسمين للزيتون سيما أهالي الشريط الحدودي الذين تهجروا منذ سنة واهالي هذه المنطقة يعتاشون من زراعة الزيتون والتبغ وهم يبكون على شجرة زيتون كمن فقد أمه .
أضافت نحن لدينا ٨٠ شجرة زيتون تحصد حوالى ٤٠ تنكة زيت نؤمن منها مونتنا من الزيت والزيتون وما يتبقى نبيعه مما يؤمن لنا مردود مادي لا بأس به، مشيرة أن هناك أشخاصا يعتاشون من شجرة الزيتون سيما أن هناك مئات الدنمات من الزيتون هُدرت في الأرض من جراء الاعتداءات الإسرائيلية.
أميمة شمس الدين – الديار