الجمعة, نوفمبر 22
Banner

موسم الهجرة إلى الذهب: زوال هيمنة الدولار يُنذر بحرب عالمية ثالثة

نشر مجلس الذهب العالمي تقريراً في حزيران الماضي، أكد فيه أن مسح احتياطيات الذهب للبنوك المركزية لعام 2024، الذي جمع بيانات من 70 بنكًا مركزياً عالمياً، أظهر أن قرابة 30% من البنوك المركزية تخطط لإضافة المزيد إلى احتياطياتها من الذهب خلال عام 2025، بغرض الحد من المخاطر والاستعداد لمزيد من عدم اليقين السياسي والاقتصادي عالمياً.

وبحسب التقرير، هناك 3 أسباب رئيسية دفعت البنوك المركزية لاكتناز الذهب: ارتفاع قيمة الذهب على المدى الطويل، وأداء الذهب في أوقات الأزمات، ودور الذهب كمُنوِّع فعال للمحافظ الاستثمارية. وعلّق شاوكاي فان، رئيس قسم البنوك المركزية العالمية بمنطقة آسيا والمحيط الهادئ في مجلس الذهب العالمي، قائلاً : “أدت الضغوط السوقية غير العادية وعدم اليقين الاقتصادي غير المسبوق والاضطرابات السياسية في جميع أنحاء العالم إلى إبقاء الذهب في صدارة اهتمامات البنوك المركزية، وأصبح العديد من هذه المؤسسات أكثر وعياً بقيمة الأصول كوسيلة لإدارة المخاطر وتنويع محافظها”.

تحوط بالذهب

نما احتياطي روسيا الاتحادية من الذهب في أيلول (سبتمبر) الماضي بنسبة 5.8% مقارنة بالشهر السابق، ليسجل 199.8 مليار دولار، وبنهاية شهر آب (أغسطس) 2024 بلغ 188.8 مليار دولار، مسجلاً ارتفاع بأكثر من 9 مليارات دولار أو بنسبة 5.1% عن تموز (يوليو) السابق.

وبلغت احتياطيات الصين مستوى قياسياً جديداً في عام 2024، إذ وصلت إلى 2264 طناً، ليمثل الذهب الآن 5.4%من احتياطياتها الأجنبية. وفي أنقرة سجل احتياطي البنك المركزي التركي مستوى قياسياً جديداً حتى 18 تشرين الأول (أكتوبر) 2024، وبلغ 159.4 مليار دولار، الأعلى في تاريخ البلاد، فيما بلغ احتياطي المركزي الهندي من الذهب 840.7 طناً خلال حزيران (يونيو) 2024، ما يشكل 8.7% من إجمالي الاحتياطيات الأجنبية، مقارنة بـ 7.4% قبل عام.

هل ينقذ الذهب؟

يقول الخبير المالي الدكتور زكريا صلاح لـ”النهار” إن الذهب كان يستخدم في الماضي لتسوية فروق التعاملات في موازين المدفوعات بين الدول عن طريق تحريكه من دولة إلى أخرى وله قبول عام من الدرجة الاولى بين الدول والأفراد في مختلف دول العالم، “وكان وما زال يستخدم غطاء لإصدار البنكنوت حتى لتأكيد أهمية الدولار وتعميم استخدامه بين الدول كان الغطاء ذهباً وتلجأ إليه الدول كأحد مكونات الاحتياطيات الدولية لذلك تتجه البنوك المركزية للاحتفاظ بمزيد من الذهب خصوصاً في ظل الأزمات والحروب والصراعات الدولية”.

ومنذ اندلعت الحرب الروسية الأوكرانية بل من قبلها، هناك محاولات روسية وصينية ومن دول أخرى مثل الهند لكسر هيمنة الدولار ومحاولات لإيجاد بديل آخر للتعامل حتى أصبحت هناك اتفاقيات بين الدول لاستخدام العملات المحلية في التجارة البينية؛ وذلك تخفيفاً من الاعتماد على الدولار.

يضيف صلاح: “تخلت روسيا مؤخراً عن التعامل بالدولار مع الصين كما تحتل حالياً المرتبة الأولى عالمياً في حيازة الذهب وتسعى لاقتراح نظام مدفوعات لدول البريكس بعيداً عن هيمنة الدولار وتفادياً للعقوبات الاقتصادية المفروضة عليها من خلال تأسيس روابط مباشرة بين البنوك المركزية للدول الأعضاء أو تشكيل شبكة من البنوك التجارية يمكنها تسوية وإجراء المعاملات بالعملات المحلية أي تدشين نظام متعدد العملات وإنشاء مركز للتبادل التجاري للسلع الأساسية مثل البترول والغاز الطبيعي والحبوب والذهب، واعتقد أن الصين ستكون ثاني الدول في محاولات كسر هيمنة الدولار ويمكن أن تتبعهم دول أخرى إلا أن التخلي تماماً عن الدولار سيحتاج لفترة طويلة من الوقت نظراً لحالة القبول العام لهذه العملة حول العالم”.

وكما هو معروف فان الذهب يعد الملاذ الآمن في ظل حالات التوتر والصراعات والحروب لذلك تلجأ الدول من خلال بنوكها المركزية إلى زيادة أرصدة الذهب لديها تدعيماً لاحتياطاتها وتحوطا لشح الموارد من النقد الأجنبي وستستمر البنوك المركزية في زيادة أرصدتها من الذهب خلال الفترة المقبلة في ظل حالة عدم اليقين الخاصة بتوقف الصراعات والحروب والمخاطر الجيوسياسية.

نجحوا في التخلي عن الدولار

يقول خبير أسواق المال عمرو وهيب لـ”النهار”: “ستنجح روسيا والصين والهند وباقي دول البريكس في التخلي عن هيمنة الدولار حيث تسعى روسيا بشكل بارز منذ ضمها شبه جزيرة القرم في عام 2014 لمواجهة الهيمنة الدولارية حيث تدرك موسكو الأهمية القصوى للحد من اعتمادها الزائد على الدولار في معاملاتها الاقتصادية والتجارية مع دول العالم من حيث حماية سيادتها النقدية مع تخفيف مخاطر العقوبات الأميركية والأوروبية على اقتصادها، خصوصاً التي تحد من قدرتها على الوصول إلى النظام المالي العالمي بعد إقصائها من نظام سويفت”.

يضيف: “توجهات موسكو تبلورت في ما يتعلق بموضوع الهيمنة الدولارية ومحاربته من جديد عقب اندلاع الحرب الأوكرانية خلال شباط (فبراير) 2022، حيث رأينا سعي الغرب إلى تضييق الخناق الاقتصادي على روسيا بفرض سلسلة واسعة من العقوبات تستهدف بالأساس إحكام عزلتها الدولية، ولهذا اتخذت الحكومة الروسية خطوات أكثر جدية للحد من استخدام الدولار في معاملاتها الدولية مقابل زيادة استخدام الروبل الروسي والعملات الأخرى”.

كان آخر هذه الخطوات إعلان مجموعة غازبروم الروسية في 6 أيلول (سبتمبر) 2022 أن الصين ستبدأ بتسديد ثمن شحنات الغاز الروسي بالروبل واليوان بدلاً من الدولار وقد ارتكزت الجهود الروسية والساعية للحد من انكشاف اقتصادها على الدولار على ثلاثة جوانب رئيسية متمثلة في التالى:

1- خفض حصة الدولار من الاحتياطي النقدي الروسي واستبداله باليوان واليورو ولهذا خفض البنك المركزي الروسي حجم الاحتياطيات النقدية المقومة بالدولار بأكثر من النصف بين عامي 2013 و2020 فيما أعلن وزير المالية الروسي في تموز (يوليو) 2021 عن خطط للتخلص نهائياً من الأصول المقومة بالدولار في المحفظة الاستثمارية لصندوق الثروة السيادي الروسي.

2- خفض حصة الدولار في التجارة الروسية مع الدول الصديقة وهو ما دفع موسكو إلى إبرام اتفاقيات متنوعة مع حكومات عدة أخرى لإعطاء الأولوية لاستخدام العملات المحلية في التجارة الثنائية.

3- الحد من اعتماد موسكو على البنية التحتية لنظام المدفوعات الدولية حيث أنشأت روسيا نظام دفع إلكتروني محلى جديد يدعى مير (MIR) كما أطلقت خلال السنوات الماضية نظاماً لتبادل الرسائل بين البنوك يطلق عليه إس بي إف إس (SPFS) للعمل كبديل لنظام سويفت العالمي.

لماذا يجب أن يكون الذهب في المحفظة الاستثمارية؟

يقول وهيب إن الذهب يعتبر استثماراً وملاذاً آمناً وجزء أساسي من الحياة المالية للأفراد والشركات والحكومات، فهو يساعد في تحقيق الأهداف المالية وحماية قيمة رأس المال على المدى الطويل؛ لأنه يمتلك خصائص تجعله مرغوباً به كوسيلة للحفاظ على الثروة وحماية القيمة في ظل التقلبات الاقتصادية والجيوسياسية.

وأضاف وهيب أن الصناديق السيادية الاستثمارية اتجهت خلال السنوات الثلاث الأخيرة لشراء الذهب والمعادن بغرض التنويع وحماية أموالها في ظل تصاعد التوترات الجيوسياسية الراهنة سواء في الحرب الأوكرانية الروسية وانحسار دور العولمة وزيادة التضخم والكساد العالمي، كل ذلك دفع البنوك المركزية للتوجه نحو الحفاظ على أسعار فائدة عند مستويات مقيدة (لا تتعداها)، لكنها مؤخراً وبعد بدء الفيدرالي الأميركي سياسة التيسير النقدي وإعلان خفض الفائدة بدأت باقي البنوك في السير على خطى الفيدرالي، وهذا التوجه من شأنه زيادة جاذبية المعدن النفيس.

ويتوقع وهيب أن يصل سعر أونصة الذهب (الأوقية = 29.75 غراماً) بنهاية العام الجاري 4721 دولاراً، وسترتفع خلال العام المقبل إلى مستوى 5,012 دولاراً، وذلك في ظل استمرار الفيدرالي الأميركي في سياسة خفض الفائدة، وأيضا حال استمرت التوترات الجيوسياسية في الشرق الأوسط وشرق أوروبا.

حرب عالمية ثالثة؟

يفسر هاني صبحي، الخبير المالي ومدير الاستثمار بأحد شركات الوساطة المالية المصرية، لـ”النهار” حالة الإقبال القوي على شراء الذهب من قبل بعض البلدان، بأنها “أحد أنواع التحوط ضد تقلبات السوق في ظل التوترات الجيوسياسية وارتفاع معدلات التضخم عالمياً، خصوصاً أن أدوات الاستثمار الأخرى مثل البورصات تعاني من معدل مخاطر مرتفع، بينما الذهب أثبت على مر العصور أنه وعاء آمن لحفظ القيمة أثناء الركود الاقتصادي، كما أن سعره مرشح لصعود قوي حال استمرار الفيدرالي في خفض الفائدة على الدولار”.

ويوضح أن تحوط روسيا بالذهب ضد العقوبات الغربية نجح بفضل ارتفاع أسعار الذهب في ظل توفر عوامل استثنائية ساهمت في دعم أسعار المعدن النفيس عالمياً، مؤكداً احتمالية أن يخترق سعر الذهب حاجز 3000 دولار للأونصة إذا تصاعدت حدة التوترات الجيوسياسية خلال الشهور القليلة المقبلة.

ويختم: “زوال هيمنة الدولار معناه اندلاع حرب عالمية ثالثة، فأميركا لن تسمح بانهيار الدولار أو تهديد هيمنته على التجارة العالمية”.

كريم حمادي – النهار

Leave A Reply