استغربت وفاء حمود الارتفاع التدريجي لربطة الخبز بعد نزوحها من الضاحية الجنوبية قبل نحو شهر تقريباً. تعيش حمود وأسرتها في منزل استأجرته العائلة في المتن الشمالي، وكحال أي أسرة نازحة تكافح حمود لتلبية احتياجات الأسرة. تقول لـ”المدن”: “منذ شهر تقريباً، نشهد ارتفاعاً في سعر ربطة الخبز، بدا الأمر بسيطاً مع ارتفاعها ما بين 5000 و10000 ليرة لبنانية، لكن الأمر بات مستغرباً بعدما وصل سعر الربطة إلى 120 ألف ليرة، فيما السعر الرسمي لا يتعدى 75 ألف ليرة”.
بالنسبة إلى الغالبية العظمى من النازحين، تعتبر ربطة الخبز عنصراً أساسياً على المائدة، خاصة وأن شريحة كبيرة من اللبنانيين فقدوا أعمالهم بسبب الحرب، وبالتالي لا يوجد أي إيرادات مالية تساعدهم على مواجهة تبعات هذه الأزمة، لذا، فإن الاعتماد على تناول الخبز في الوجبات الرئيسية يعتبر من الاحتياجات الضرورية.
تباين في الأسعار
على الرغم من تطمينات وزارة الاقتصاد مع بداية العدوان الإسرائيلي على لبنان، حول توفر كميات من الطحين تكفي الطلب، وبالتالي الحفاظ على استقرار الأسعار ما بين 75 و77 ألف ليرة، إلا أن الواقع مختلف تماماً. في العاصمة بيروت تتراوح أسعار الخبز ما بين 80 و90 ألف ليرة، ويرتفع في يعض المناطق خصوصاً منطقة طرابلس والشمال، أو لدى بعض المحال التجارية ليتخطى حاجز 130 ألف وهو ما يطرح علامات استفهام حول آليات تسعير الخبز من جهة، والرقابة من جهة ثانية، خاصة في ظل الحرب الحالية.
يقول مصدر في وزارة الاقتصاد لـ”المدن” إن “أسعار الخبز حدّدت مسبقاً، وعممت على كافة الأفران ونقاط البيع، وأن الحديث عن ارتفاع في الأسعار، ظاهرة فردية لا يمكن تعميمها، وتقوم الوزارة بمعالجة أي مخالفات”، ووفق المصدر، فإن “لبنان لا يزال يحتفظ بكميات مقبولة من القمح، يمكن استخدامها في الفترة المقبلة، وبالتالي الحفاظ على استقرار الأسعار”.
استخفاف الوزارة بظاهرة رفع أسعار الخبز في عدة مناطق لاسيما التي تشهد إقبالاً كبيراً نتيجة الكثافة السكانية المستجدة بعد النزوح، إنما يعكس حالة الإنفصال الكبير للسلطات الرقابية عن الشارع، ويفتح الباب تالياً أمام التجار لبيع الخبز في السوق السوداء ما لم يتم ضبطهم ولجم ممارساتهم.
يحتاج لبنان ما لا يقل عن 25 ألف طن شهرياً من القمح للحفاظ على استقرار الأسعار وتلبية الاحتياجات الغذائية للمواطنين، ومع بدء العدوان الإسرائيلي نهاية شهر أيلول الماضي، أعلنت وزارة الاقتصاد عن وجود ما لا يقل عن 80 ألف طن من القمح، وهي كمية تكفي لما يقارب 3 أشهر. اليوم وبعد مرور أكثر من 40 يوماً على بدء الحرب، ورغم توفّر كميات من القمح نتيجة استمرار عمليات الإستيراد، إلا أن المخاوف تزايدت من احتمال تأثير الحرب على المعابر البحرية والجوية. وهو ما يطرح تساؤلات عن حلول أخرى لتأمين القمح وبالتالي يسلّط الضوء على الهبة العراقية التي أعلن عنها في وقت سابق.
الهبة العراقية
مضى أسابيع على وعد الحكومة العراقية بإرسال هبة لمساندة لبنان في تأمين رغيف الخبز، في إطار الدعم الإنساني للبنان في هذه الظروف الصعبة، لكن أسئلة عديدة تطرح حول هذه الهبة، وآليات توزيعها، والفئة المستفيدة منها. أهي للنازحين أم لجميع اللبنانيين، والأهم من ذلك هل ستنجح الوزارة في ضبط عملية وصول الطحين أو القمح العراقي لمستحقيه أم أننا سنشهد على بيعه بالأسواق؟ بحسب مصدر في المديرية العامة للحبوب والشمندر السكري التابعة لوزارة الاقتصاد، فإن الهبة العراقية لم تصل حتى اليوم، وهناك اجتماعات مكثفة مع الجانب العراقي حول ماهية الهبة، أهي قمح أم طحين؟ وبحسب المصدر، يجري الحديث بين المعنيين على تسليم لبنان 200 ألف طن من القمح، بدلاً من الطحين. أما عن آليات توزيع الهبة، وكيفية الاستفادة منها، يؤكد المصدر، بإن الخبز سيتم توزيعه بشكل مجاني على مراكز الإيواء، والنازحين، كخطة أولية، لمنع حصول أي أزمة في ظل الظروف الحالية.
200 ألف طن من القمح قريباً
من جهته، يكشف رئيس اتحاد نقابات الأفران والمخابز ناصر سرور في حديث لـ”المدن” أنه “بعد عقد سلسلة من الاجتماعات بين الحكومة اللبنانية ممثلة بوزارة الاقتصاد مديرية الحبوب والشمندر السكري، واتحاد نقابة الأفران، بحضور نائب رئيس جهاز أمن الدولة العميد حسن شقير، ونقيب البقاع عباس حيدر وممثل عن وزارة الأشغال وممثل أصحاب المطاحن في لبنان أحمد حطيط، تم الاتفاق على أن تكون الهبة قمحاً”.
أما عن أسباب مطالبة لبنان باستلام الهبة على شكل قمح، يوضح سرور أنه “من الناحية العملية، هناك صعوبة لاستلام الهبة على شكل طحين، إذ لا يوجد آلية لتوزيعه من جهة، ومن جهة ثانية، لا يملك لبنان مخازن لتخزين هذه الكميات، ويخشى المعنيون أن يتم التعامل مع الهبة العراقية كالسابقة حيث تم تخزين الطحين في المدينة الرياضية ولم يتم الاستفادة منها. ويشير سرور إلى تعاون الحكومة العراقية وموافقتها على إرسال الهبة على شكل قمح، من دون أي تحفظات.
ويأتي توجّه السلطات اللبنانية لطلب الحصول على الهبة العراقية قمحاً وليس طحيناً، منسجماً مع مطالب تجمع المطاحن في لبنان الذي حذّر من أن استلام الهبة طحيناً قد يؤدي إلى إغلاق المطاحن وصرف موظفيها وعددهم بالآلاف. ويشير المصدر إلى أن تهديد المطاحن دفع باتجاه الطلب بأن تكون الهبة قمحاً وليس طحيناً. ويُضاف هذا السبب إلى ما سبقه وهو عدم توفر مخازن طحين آمنة في لبنان.
بلقيس عبد الرضا – المدن