كأنه كان يعرف أنه الغداء الأخير…
سلامه للجميع فرداً فرداً لم يكن عادياً… كان ملؤه الحرارة والعاطفة… كان يضرب كفّه مع الشباب ثم يحضنهم بشدّة وكأنه يقول ما بين سطور العاطفة: “لا زلت معكم ولكنني لا أعرف متى أستشهد، فلعلّ الموعد قريب”…
ومع أنه كان يعقد مؤتمرات صحافية بطولية في أماكن عامة وفي الهواء الطلق، إلا أنه كان مشتاقاً إلى الضوء، كما عبّر أخيراً، ولعله اليوم ناله.
كان يدرك أنه هدف جدّي، ومع ذلك أصرّ على الشجاعة حتى النزف، حتى الشهادة، وحتى اللحاق بصديقه سماحة السيد حسن نصرالله الذي كان من أقرب المقرّبين منه.
هو من هذا الجيل المؤسس لمقاومة قدّم لها حياته بكل معنى الكلمة.
كان من أطيب القلوب التي عرفتها ومن أصدق الصادقين.
كان كتوماً في أماكن، ملمّحاً في أخرى، وصريحاً إلى أبعد الحدود كثيراً.
وعندما يضع ثقته بشخص ما، يثق إلى النهاية ويفتح صفحاته أمامه بأريحية.
كان متواضعاً أكثر من اللازم بمظهره وحديثه وكلامه ومكتبه.
لم نر معه مرافقين ولا سيارات فخمة ولا مظاهر حماية أمنية أو أبهيات.
كان يحترم كثيراً حرية كل شخص وكان حاضناً للتنوع، قابلاً بابتسامة لأي فكرة أو سؤال أو نقد.
لم أسمعه يوماً إلا هادئاً. يتكلم بصوت منخفض في الجلسات الخاصة كما هي حال معظم قيادات المقاومة.
ثقافته عالية وصاحب حكمة وإيمان.
نكهة الشاي معه مختلفة. “سكّر زيادة”.
يرد على هاتفه بسرعة حتى يشعر كل شخص فينا أنه متفرغ له وحده مع أن المهمات التي كان موكلاً بها كثيرة وكبيرة.
“الحمدلله والله يسلمك”، كلمات لم تكن تفارقه.
لم يتذمر لحظة. لم أسمعه يشتم ولو مرة، رغم كل الحملات التي تعرّض لها وتلك التي شنّوها على المقاومة.
كان عرّاب اللقاء الوطني الاعلامي ووضعه تحت جناحه مؤمناً به وواثقاً بقدرات كل إعلامي منضوي فيه.
طوّر إعلام المقاومة وبنى علاقات واسعة مع الإعلاميين اللبنانيين والعرب وحتى الأجانب.
كان كريماً في نفسه وفي رفعة أخلاقه وكان مقاوماً معطاء من دون أن يطلب شيئاً له.
بقي خلف الاضواء طويلا حتى أتت الظروف التي أجبرته أن يكون تحت الضوء الكثيف، فرضخ بمحبة وجرأة لا مثيل لهما.
حاج محمد، أنا لا أفتقد شخصية عامة اليوم بل أفتقد صديقاً مقرباً تبادلت معه الأفكار والجلسات واللقاءات، ومن الصعب عليّ أن أتقبّل الخبر.
لا لن أتقبله ولو أنني أعرف أنه للشهادة مستحق مستحق مستحق.
وداعاً يا قائد الجبهة الإعلامية.
رندلى جبور – الجريدة