يمارس العدو الإسرائيلي بوحشيته غير المسبوقة في تاريخ البشرية أبشع أنواع الإعتداءات على الأراضي اللبنانية بحرب ابادة، فلا يرحم بشرا أو شجرا او حتى حجرا منحدرا من التاريخ، محاولا بكل الطرق محو عن سابق تصور وتصميم التراث الثقافي والطبيعي لبلد الأرز.
ففي كل شبر من لبنان هناك معلم يحكي قصص أجدادنا الذين سبق مرورهم على هذه الأرض المقدسة، والجنوب اللبناني يملك وفق عالم الآثار والأستاذ الجامعي المحاضر في كلية السياحة وإدارة الفنادق في الجامعة اللبنانية جعفر فضل الله مخزونا تاريخيا وأثريا وطبيعيا يعادل المخزون الموجود على مجمل الأراضي اللبنانية، يعود الى حقبات تاريخية بعيدة،والتي لم تنج من آلة الدمار الإسرائيلية وهو أمر مقصود لتدمير ذاكرة الأجداد ومحو الحضارات وهذا يعد أمرا خطيرا على الإنسانية جمعاء.
ليس غريباً على العدو الإسرائيلي الاعتداء على الآثار في الجنوب عن قصد، فالتراث اللبناني منذ الاجتياح الإسرائيلي في 1978 حتى 2006 تعرض للنهب والتدمير بحثاً عن أثر لوجوده في تلك الحقبات التاريخية.
ومن هذا المنطلق ليس غريبا تواجد الباحث الجيولوجي الإسرائيلي “زئيف ارايخ” والملقب بـ”جابو” والذي قتل على أيد المقاومين ضد الاحتلال في بلدة شمع جنوبي لبنان، حيث كان يقوم بجولة ميدانية في مقام النبي شمعون في البلدة بحثاً عن أدلة لاستيطان إسرائيلي قديم تمهيداً للمطالبة بالأراضي تماما كما فعل في المواقع الأثرية للقرى الفلسطينية برفقة الجيش الإسرائيلي، ولاسيما أن اسمه لمع في هذا المجال منذ عام 2012، مكرساً دراساته وأبحاثه لتزوير التاريخ.
المواقع الأثرية في لبنان تعرضت وتتعرض للنهب من قبل الاحتلال الإسرائيلي الباحث عن تاريخه المزيف، ففي عام 1982 بعد اجتياحه لبنان عمد الاحتلال الى تنظيم أكبر حملة تنقيب وبحث عن الآثار وسرقة آلاف القطع الأثرية من كامد اللوز أو “مدينة كوميدي” التي تشكل جزءاً لا يتجزأ من تاريخ البقاع، فالبلدة غنية بالآثار التي تعود الى العصر البرونزي، وكانت مركزاً تجارياً مهماً وفق الأبحاث والدراسات والمكتشفات الأثرية، ويوضح شهود عيان خلال فترة الاحتلال الإسرائيلي للبلدة ان قوات الاحتلال كانت تفرض طوقاً أمنياً حول المواقع الأثرية في البلدة وتمنع أياً كان من الاقتراب، مشيرين إلى أن الاحتلال كان ينقل في شاحنات عسكرية “قطعاً أثرية لم نعرف ماهيتها”.
ويقول الاستاذ فضل الله أنه “في العام 1983 على سبيل المثال وفي قرية حنوية تمت سرقة قبر حيرام وأجريت حفريات في محيطه وسرقت منه كنوز نادرة ، وفي 1984 سرقت مدافن في مغاور تابعة لبلدة النبطية الفوقا، وفي العام 1985 جرت سرقة توابيت تعود الى العصر الروماني من منطقة راس العين في صور، وفي 2001 تم إخراج شاحنات محملة بالكنوز والآثار من مغاور في مزارع شبعا، وترافق كل ذلك مع تدمير لهذه المناطق الأثَرية لإخفاء ما تعرضت له هذه البلدات من سرقات وجرائم بحق التراث اللبناني، والاعتداءات على التراث في القرى لاتزال مستمرة اليوم”.
وبحسب المنشورات العلمية الإسرائيلية أقر عالم الأثار” إسرائيل فنكلشتين” في أطروحته “بأنه حينما كان يخدم في جنوب لبنان، قام بعمليات واسعة من البحث عن المواقع الأثرية، وأجرى تنقيباً سطحياً لها، وأضافها إلى خرائطه العلمية”، من جانبه أكد “رافائيل غرينبرغ” وهو عالم آثار إسرائيلي، ومدرس في جامعة تل أبيب خلال مداخلة في مؤتمر عقد في تموز 2008 في دبلن، “إن السلطات الإسرائيلية تحتفظ في مخازنها بآثار مكتشفة في جنوب لبنان”.
وهنا تجدر الإشارة إلى أن حصيلة القطع الأثرية المسروقة التي أحصتها وزارة الثقافة حتى عام 2022، والتي تم وضعها على لائحة ART loss register “مؤسسة مركزها لندن وتملك أكبر قاعدة بيانات في العالم حول القطع المسروقة والضائعة”، بحسب مصدر من الوزارة ” تقدر حوالي 434 قطعة، لكن الرقم قد يكون أعلى، على اعتبار أن العديد من القطع الأثرية سرقت من حفريات غير شرعية على الأراضي اللبنانية، وبالتالي تستحيل عملية إحصائها، و تمكنت الدولة اللبنانية من استعادة 15 قطعة أثرية مسروقة، أي أن نسبة القطع المسترجعة لم تتجاوز الـ4% من مجمل القطع المسروقة”.
هذا غيض من فيض وما خفي كان اعظم، فالسرقة الصهيونية للآثار اللبنانية هو تاريخ العدو الإسرائيلي القائم على التدمير والخراب والسرقات، ففي كافة الحروب التي قام ويقوم بها، إن بالوكالة أو الأصالة، المعالم التاريخية والأثرية لم تسلم من عدوانه الهمجي في محاولة لطمس ومحو هذا التاريخ العظيم، في محاولة منه لإقامة دولة ، وأي دولة تلك التي تقوم على الدم والنار.
تجدر الإشارة إلى أن الباحث الإسرائيلي زئيف إيرليخ الذي قتل في الجنوب اللبناني منذ يومين هو من سكان مستوطنة “عوفرا” شمال مدينة رام الله بالضفة الغربية، يبلغ من العمر 71 عاماً حاصل على درجة البكالوريوس من الجامعة العبرية في كلية تورو في التلمود وتاريخ الشعب الإسرائيلي معروف في مجال ما يسمى “أرض إسرائيل”وهو من منظري علم “الآثار التوراتي” تلقى تعليمه في مؤسسات إسرائيلية دينية، وعمل في الاستخبارات في الانتفاضة الأولى، ونشط في القرى الفلسطينية محاولا تزييف تاريخها الأثري، عبر ادعاء وجود ارتباطات يهودية من أجل الاستيلاء عليها، كما فعل ذلك عام 2012، حين دخل مع قوة من لواء بنيامين في جيش الاحتلال، إلى بلدة قراوة بني حسان، وقام بتصوير الآثار فيها وإلقاء محاضرات في الجنود بشأن ارتباطهم المزعوم بالمنطقة.
وأشارت مواقع عبرية إلى أن له عشرات الدراسات المنشورة في صحف عبرية مثل يديعوت أحرونوت وهآرتس وميكور ريشون، وعمل محاضرا حول الضفة الغربية في عدد من الكليات الإسرائيلية، ينحدر من يهود بولندا، وقام بتأليف العديد من الكتب عن تاريخ الإسرائيليين البولنديين وهو من مؤسسي مدرسة سدي عوفرا الدينية، والمقامة على أراض استولى عليها الاحتلال من بلدتين سلواد ويبرود قرب رام الله.
ربى أبو فاضل – الديار