وليد حسن – المدن
سنة 2020 الكارثية على المستويات كافة في لبنان، عطلّت عامين دراسيين فجعلتهما كارثيين بدورهما. فجائحة كورونا بترت العام الدراسي السابق (2019 – 2020)، بإقفالها المدارس بعيد انتشار الوباء في لبنان مطلع شهر آذار 2020. فذهب الفصل الثاني من ذاك العام الدراسي هباءً على صعيد تعليم الطلاب، بسبب عدم جهوزية المدارس والمدرسين لمواجهة الوباء بالتعليم عن بعد.
تعطيل رسمي مديد
وفيما بدأت المدارس الخاصة تستعد للعام الدراسي الحالي (2020 – 2021) خلال فصل الصيف المنصرم، فتجهزت للتعليم عن بعد، تعثرت المدارس الرسمية في ذلك، أسوة بتعثر مؤسسات الدولة، التي ضاعف تعثرها استفحال الأزمة المالية والاقتصادية.
انفجار المرفأ
تأخر انطلق العام الدراسي في المدارس الرسمية والخاصة نحو الشهر. فعدا عن جائحة كورونا التي أربكت وزارة التربية، أتى انفجار مرفأ بيروت ودمر نحو مئتي مؤسسة تربوية رسمية وخاصة، بينها 90 مدرسة رسمية، أربع منها دمرت بشكل كامل. وبين جمع التبرعات وإعداد الدراسات والكشف الميداني لتعديل الدراسات وتسليم المتعهدين لبدء الترميم، تأخر افتتاح المدارس أكثر من شهرين، فيما لجأت بعض إدارات المدارس إلى سد النوافذ المحطمة بالنايلون لتجنب أمطار الشتاء.
ورغم هذا التأخر في بدء العام الدراسي، وتأجيله، انطلق العام الدراسي الراهن في المدارس الرسمية متأخراً نحو شهر كامل عنه في المدارس الخاصة. فلا وزارة التربية ولا المدارس الرسمية بتجهيزاتها البالية أصلاً، ولا المدراء والمدرسين الرسميين، كانوا قد أعدوا مخططاً للتعليم المدمج (المزدوج: الحضوري، وعن بعد). ولا كانوا جاهزين للبدء بتجربة الانتقال إلى هذا النوع من التعليم. وهذا على الرغم من تقليص المناهج إلى نصفها، لضرورات تتعلق بكيفية حضور الطلاب إلى الصفوف وفق مبدأ المداورة.
وأثّر إقفال مناطق معينة في بدايات العام الدراسي الحالي على تنقل المدرّسين والطلاب وحضورهم. وهذا من عوامل تأخر انطلاق العام الدراسي الفعلي إلى ما بعد الإقفال العام في 13 تشرين الثاني 2020. أي عملياً بدأ العام الدراسي في المدارس الرسمية قبيل عطلة عيدي الميلاد ورأس السنة. فلم يتعلم تلامذة الرسمي إلا نحو ثلاثة أسابيع مضطربة وفوضوية من الفصل الأول.
تعارف وتعثر
وبدء التلامذة المتدرج التعليم حسب المراحل التعليمية، أدى إلى تفاوت كبير بينهم وبين طلاب التعليم الخاص. حتى أن شهر تشرين الأول، أي بدء العام الدراسي رسمياً، اقتصر فيه الحضور في الرسمي على صفوف المرحلة الثانوية. وكان بمثابة اختبار لإمكانية السير بالتعليم المدمج. وحضر الطلاب بلا كتب مطبوعة، بسبب تأخر المركز التربوي ووزارة التربية في طباعتها. واقتصر الدوام على عدد محدود من المدرّسين. لذا، اقتصرت الدروس على التعارف بينهم وبين الطلاب الذين تمكنوا من الحضور.
وبعد إعادة فتح البلاد مطلع شهر كانون الأول 2020، تحسنت الظروف نسبياً في المدارس الرسمية، وانطلق العام الدراسي لكن بتعثر، كما يقول المدرسون. تقنياً زودت معظم المدارس بأجهزة كمبيوتر. وحصل هذا بعد فضيحة الكمبيوترات التي كشفها وزير التربية، والتي أظهرت أن أحدى الشركات التي كان يفترض أن تشتري الأجهزة لصالح الوزارة، بهبة من منظمات دولية، باعت نحو ثلاثة آلاف جهاز، بحجة أن العقد الموقع معها يلزمها بتخزينها ستة أشهر فحسب. وانتهت الفضيحة بتعهد الشركة شراء غيرها، بينما وزع نحو خمسة الاف جهاز كانت ما زالت مخزنة.
وتدرب معظم الأساتذة على منصة التعليم عن بعد. لكن ظل التعليم في المدارس الرسمية مقتصراً عملياً على الجزء الحضوري. وأسباب ذلك متعددة: عدم امتلاك الطلاب كلهم أجهزة إلكترونية في بيوتهم. عدم توفر التيار الكهربائي والإنترنت توفراً دائماً للطلاب والمدرسين. وهكذا اقتصر التعليم عبر الأونلاين في التعليم الرسمي على شطر صغير من المناهج التعليمية.
إفادات مدرسية بلا امتحانات
وأثرت قرارات وزارة التربية المضطربة والمتأرجحة على عدم حضور الطلاب إلى الصفوف. فقد سُمح للأهل بعدم إرسال أولادهم إلى المدارس في حال وجود أمراض مزمنة بين الطلاب، أو بين أفراد أسرهم. وهذا جعل الصفوف شبه فارغة من الطلاب، الذين تذرع معظمهم بالأمراض. وهناك مدرسون كثر لم يتعرفوا على طلابهم بعد، ولم يحضروا لإجراء الامتحانات. والطلاب باتوا على قناعة أن الوزارة ستمنحهم إفادات مدرسية بعد انتهاء العام الدراسي، بسبب الظروف الاستثنائية، كما أكد أكثر من مدرّس (وهذا ما يذكّر بالإفادات المدرسية، بديلاً عن الامتحانات والشهادات الرسمية، في بعض سنوات الحروب).
وأدى تقسيم طلاب الصف الواحد إلى فئتين (فئة تحضر في الأسبوع الأول وأخرى تتعلم عن بعد)، إلى عدم تمكّن معظم المدرسين من تنظيم امتحانات واختبار الطلاب. فقد اضطر كثر من المدرسين إلى تأجيل الامتحانات إلى السنة المقبلة. لأن تنظيم المدرس حصتين لكل مادة كحد أدنى، ليمتحن الطالب، بات يستغرق شهراً كاملاً. فمواد كثيرة باتت تُدرس في حصة واحدة أسبوعياً، بعد تقليص المناهج.
فحين يحضر الطالب إلى الصف لمتابعة حصة واحدة في الأسبوع الأول في هذه المادة أو تلك، يغيب في الأسبوع التالي عن المدرسة، ليعود بعد أسبوعين لحضور الحصة الثانية. ما يعني أنه يحضر مرتين في الشهر حصص المادة. وهذا أدى إلى تأخير الامتحانات. فضلاً عن أن امتحان الطلاب بات يحتاج إلى أسبوعين: امتحان للفئة الأولى في الأسبوع الأول، وامتحان الفئة الثانية في الأسبوع الذي يليه.
أما اكتشاف إصابات بكورونا في المدارس، فأدى إلى تعثر إجراء الامتحانات أيضاً.
في المرحلة الثانوية تمكن مدرسون كثيرون من تعليم المواد الأساسية، ومن إجراء الامتحانات لطلابهم جميعاً. وكانت كلها حضورية. وعمل المدرسون على تغيير الأسئلة للصف نفسه، بسبب توزع الطلاب على فئتين: حضورية وعن بعد. لكن هذا التقسيم إلى فئات، لم يمكن مدرسين كثيرين من إجراء الامتحانات للطلاب جميعهم. لذا ستتأخر لمطلع العام المقبل.
تعليم شكلي منقوص
عملياً اقتصر التعليم في الرسمي على النوع الحضوري. فعدا عن عدم شمول التعليم عن بعد المواد كلها، يقتصر التعليم عن بعد على نحو حصتين يومياً، ينظمها المدرس بعد خروج الطلاب من الصفوف، عند الساعة الثانية عشرة والنصف. وينتقل المدرسون بعدها لتعليم فئة الطلاب في بيوتهم عن بعد لغاية الساعة الثانية.
وبسبب تغيب الطلاب وانقطاع التيار الكهربائي والإنترنت، اقتصر التعليم عن بعد على المراجعة وإجراء التمارين البسيطة. ما يعني أن التعليم عن بعد ما زال شكلياً. خصوصاً أن على المدرس تثبيت معلومات الحصص عن بعد في الحصص الحضورية.
من تمكن من إجراء الامتحانات سلم نتائجها لإدارة المدرسة. لكن النتائج لم تعلن بعد. ووفق عدد من المدرسين كانت الامتحانات كارثية على مستوى العلامات التي تدنت بشكل لافت عن السنوات السابقة. هذا رغم مراعاة المدرسين طلابهم في نوعية الامتحانات. والسبب مرده إلى أن التعليم في هذه الظروف الاستثنائية بات يتطلب جهداً مضنياً من الطلاب. أما يقينهم بأنهم سيحصلون على إفادات، فحملهم على إهمال واجباتهم المدرسية، وعلى التغيب كلما رغبوا بذريعة وجود أمراض مزمنة في بيوتهم.
ربع المناهج
عملياً سيتلقى طلاب المدارس نحو ربع المناهج في المدارس الرسمية في الأشهر المقبلة من العام 2021، بدلاً من تعلمهم نصف المنهاج، كما هو مقرر في خطة وزارة التربية للتعليم المدمج الذي فرضته جائحة كورونا.
وسيتعين على الطلاب والمدرسين انتظار وصول لقاح كورونا في شهر شباط أو آذار، والذي ربما ينقذ الأشهر الثلاثة الأخيرة المتبقية من العام الدراسي.
وفي حال اقتصرت اللقاحات على القطاع الصحي وفئات المسنين والمرضى، من دون شمول القطاع التربوي، فسيستمر العام الدراسي على حاله الكارثية، أسوة بكل شيء في لبنان. ويحصل الطلاب على إفادات من وزارة التربية، على غرار ما حصل في بعض سني الحرب.