اليوم ومع بدء سريان وقف النار يتنفس اللبنانيون الصعداء، ويرتاح لبنان من كابوس العدوان الإجرامي، الذي طال البشر والحجر، وإنتهك قوانين الحروب، وسفك مبادئ حماية سلامة وحقوق المدنيين إبان المعارك العسكرية.
التسوية التي أوقفت الحرب الوحشية أثبتت مرة أخرى، أن لبنان ليس متروكاً من المجتمع الدولي، ولا من الأسرة العربية، رغم مشاغباته المعروفة، وما تفرزه من إنقسامات داخلية، ومن خلافات مع الأشقاء العرب. وأن المساعي المشتركة للأصدقاء الأوروبيين، وخاصة فرنسا، والأشقاء العرب، وفي المقدمة السعودية ومصر وقطر، مع الإدارة الأميركية أثمرت إلى التوصل إلى وقف الحرب، رغم محاولات نتنياهو ووزرائه المتطرفين وضع الشروط التعجيزية، لمواجهة الضغوط الأميركية الرامية لوقف النار فوراً في لبنان.
وبقدر ما أدت هذه التسوية إلى إنقاذ المنظومة السياسية من حالة الإرباك والعجز التي هيمنت على الوضع السياسي برمته طوال فترة الحرب، فإنها في الوقت نفسه ضاعفت مسؤولية أهل السلطة والسياسة في القيام بواجبات لبنان في هذه التسوية التي عومّت القرار ١٧٠١، وفرضت رقابة دولية صارمة على تنفيذ بنود ومندرجات القرار الأممي، تحت طائلة سحب الضمانات الدولية والتخلي عن الجهود الديبلوماسية، لإعادة الإستقرار إلى بلد الأرز، في حال لم يُنفذ الجانب اللبناني تعهداته العملية، وفي مقدمتها حصر السلاح بيد الشرعية، وعدم التهاون بوجود عناصر مسلحة جنوب الليطاني.
لن ينفع الخوض في سجالات عقيمة حول الملابسات التي أدت إلى وقوع البلد في فخ الحرب المدمرة. ما حصل قد حصل، والبكاء فوق رأس الميت لا يُعيده للحياة . المهم أن نتدارس معاً، وبكل روح وطنية وإيجابية، الدروس والعبر من هذه الكارثة التي حلت بالوطن وشعبه الطيب، لضمان عدم تكرار الأخطاء والممارسات الإستفرادية، وتجنب تفرد أي مكون لبناني بقرارات مصيرية مثل قرار الحرب والسلم. وحيث لا يجوز أن نحمّل أي فريق لبناني وزر قضايا كبيرة، بحجم القضية الفلسطينية مثلاً، التي تنوء بثقلها الدول الكبيرة، رغم إمكانياتها المضاعفة عشرات المرات، بالمقارنة مع قدرات لبنان المحدودة، وقياساً مع إمكانيات طائفة أو فئة معينة في البلد. وهذا التوجه يحتاج إلى نقاش مُعمّق، لا مجال له اليوم في هذه العجالة.
أما الشق السياسي والأساسي في تعهدات الجانب اللبناني، فيتعلق بإجراء الإنتخابات الرئاسية في فترة أقصاها ستين يوماً، هي مدة الإختبار، حتى لا نقول الإنتداب، الدولي، وريثما يكون الرئيس ترامب قد دخل البيت الأبيض، وبدأ ممارسة صلاحياته الدستورية.
وفي حال تخلف لبنان عن القيام بإلتزاماته في القرار ١٧٠١، يُكرْس تصنيفه كدولة فاشلة، لاتنفع معها عمليات الإنعاش الطبيعي ولا الإصطناعي.
العالم مستعد أن يساعدنا… شرط أن يساعد اللبنانيون أنفسهم، وهم قادرون!
صلاح سلام – اللواء