في الوقت الذي لا يزال فيه اللبنانيون في الضاحية والجنوب والبقاع يتفقدون الدمار الهائل الذي خلفه العدوان الاسرائيلي على مدنهم وبلداتهم وقراهم، ويعملون على إحصاء الخسائر التي لحقت بهم جراء الوحشية الصهيونية، وفي ظل الخروقات التي ينفذها العدو على مدار الساعة منذ دخول وقف إطلاق النار حيز التنفيذ، ويمنع من خلالها النازحين من العودة الى قرى الحافة الأمامية، سارع رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع في الكلمة التي ألقاها عقب إجتماع كتلة “الجمهورية القوية” واللجنة التنفيذية في حزب القوات اللبنانية يوم السبت الفائت الى الترويج لإنتصار إسرائيل وهزيمة حزب الله ونعي معادلة الجيش والشعب والمقاومة الى غير رجعة.
كلام جعجع ، دفع أوساط سياسية الى طرح سؤال، عما إذا كان يطرح نفسه وكيلا لإسرائيل للإشراف على حسن تطبيق قرار وقف إطلاق النار؟، خصوصا بعد تنصيب نفسه “مرشدا أعلى” على الحكومة والوزراء والنواب والجيش والشعب والمقاومة، وأعطى “التعليمات”حول كيفية التعاطي مع ما أسماه “المرحلة الجديدة” وعدم إزعاج إسرائيل بأية مقاومة أو سلاح أو منصات عسكرية أو أي تصرف أو سلوك يمكن أن يذكرها بالمرحلة الماضية.
بلغة المنتصر وبكثير من التشفي والتهكم، قرأ جعجع بنود تفاهم وقف إطلاق النار، وحرص على شرح وتفنيد بنوده بهدف تجيير كل منها في خدمة مشروعه السياسي، وفي ضرب مشروع المقاومة، وإحباط البيئة الحاضنة والصامدة، وطرح تفسيرات تشوّه التفاهم وتثير الفتن بين الرئيس نبيه بري وحزب الله، فضلا عن تبني جعجع ورقة الضمانات الأميركية لإسرائيل بالكامل ومحاولته إلزام لبنان بالقبول بها وبما تتضمنه من إنتهاكات للسيادة اللبنانية.
على مدار 43 دقيقة من الترويج لمنطق هزيمة لبنان أمام العدو الاسرائيلي، لم يفكر جعجع في مجرد الاشارة الى الوحشية الاسرائيلية التي مورست خلال 72 يوما على لبنان واللبنانيين، أو في تعزية أهالي الشهداء الذين إرتقوا، أو حتى في إدانة أو إستنكار الخروقات الصهيونية لإتفاق وقف إطلاق النار، وتفجير المنازل في القرى الأمامية والانتقام من الخيام التي فشل العدو في الدخول إليها خلال الحرب، وإقتلاع أشجار الزيتون وإطلاق النار على المواطنين وخطفهم وقتلهم ومنعهم من تشييع شهدائهم.
في حين أن الخروقات الاسرائيلية لوقف إطلاق النار منذ إقراره تجاوز الـ 60 خرقا من دون حسيب أو رقيب، بإستثناء رقابة جعجع على المقاومة ورسم خرائط تفكيك منصاتها وتسليم أسلحتها، والإقتداء بالقوات التي قال جعجع: “أنها سلمت قسما من سلاحها الى الجيش”، متناسيا أن القوات أعادت سلاحها الثقيل الى إسرائيل التي كانت تزودها بها، وباعت المتوسط والثقيل منه الى يوغوسلافيا، وما حصل عليه الجيش كان من خلال مداهمات قام بها لبعض الأماكن التي طمرت فيها القوات سلاحها، وهي سبق لها أن خاضت حربا دموية مع الجيش اللبناني.
اللافت أيضا، أن جعجع الذي شدد على ضرورة نزع سلاح حزب الله بشكل كامل، لم يطالب بأي عملية تسليح للجيش اللبناني، كما لم يأت على ذكر الأراضي اللبنانية المحتلة التي من المفترض أن تنسحب منها إسرائيل بموجب القرار 1701، كما لم يزعج إسرائيل بأي بند يفترض أن تقوم بتنفيذه ضمن التفاهم الذي تمت الموافققة عليه.
جاءت كلمة جعجع بعد تخصيص رئيس مجلس النواب نبيه بري يوم 9 كانون الثاني 2025 لعقد جلسة لإنتخاب رئيس للجمهورية، لذلك، فقد بدا واضحا من خلال ما تضمنته كلمته من بيع مواقف، أنه يقدم أوراق إعتماده للوصول الى قصر بعبدا رئيسا للجمهورية، من خلال إظهار نفسه بأنه القادر على تطبيق القرار 1701 وفقا للرؤية الأميركية والاسرائيلية وبحذافيرها، واللافت أيضا، أن جعجع الذي لطالما أعلن دعمه لترشيح قائد الجيش جوزيف عون للرئاسة، سئل عن هذا الأمر من قبل مراسل قناة “الجديد” الزميل ريكاردو الشدياق، فكان رده أن هذا السؤال خارج الموضوع، وحاول التنصل من الاجابة، في الوقت الذي بدأ فيه بعض نواب القوات بجس النبض حول ترشيح جعجع لرئاسة الجمهورية..
غسان ريفي – سفير الشمال