إهتز تفاهم وقف إطلاق النار بين لبنان وإسرائيل أمس، لكنه لم يقع، حيث سارعت أميركا الى وضع “الدعامات” الكفيلة بإعادة تثبيته سواء بالمواقف التي صدرت عن البنتاغون أو بالاتصالات التي جرت لوقف التصعيد الذي فرض نفسه بعد أن ضاقت المقاومة الاسلامية ذرعا بالخروقات الاسرائيلية التي تجاوزت الستين خرقا منذ دخول التفاهم حيز التنفيذ فجر الأربعاء الفائت، فأطلقت صاروخين بإتجاه منطقة رويسات العلم لتحذير العدو من خطورة تماديه في الخروقات.
كان لعملية إطلاق الصاروخين صدى سياسيا واسعا، حيث وجهت المقاومة من خلالها رسائل عدة أبرزها، أن إسرائيل تجاوزت الخطوط الحمر في خروقاتها التي أدت الى إستشهاد عدد من المواطنين، وأن المقاومة ما تزال حاضرة وهي لن تسكت عن الاعتداءات الصهيونية المتكررة، وإذا كانت أميركا تريد غض النظر عن إستهدافات جيش العدو، فمن حق المقاومة أيضا أن تتحرك وترد، وهذا أمر مشرّع في الأمم المتحدة ومنصوص عنه في تفاهم وقف إطلاق النار، علما أن الصاروخين أطلقا بإتجاه رويسات العلم وهي منطقة لبنانية محتلة، ما يعني عدم قيام المقاومة بخرق القرار 1701.
لا شك في أن ستين خرقا إسرائيليا خلال ستة أيام قد أحرجوا الدولة اللبنانية، ورئيس مجلس النواب نبيه بري، وقيادة الجيش اللبناني المنوطة بحفظ أمن المناطق الجنوبية، في ظل محاولة إسرائيل الايحاء للمجتمع الصهيوني أن لبنان قد هُزم مع مقاومته وهو لا يستطيع الرد على كل ما نقوم به من إعتداءات.
في حين يبدو واضحا أن العدو يسعى الى الاستفادة من فترة الستين يوما لتحقيق ما لم يستطع تحقيقه في الحرب، حيث دخلت قواته المعادية الى بلدات الخيام وبنت جبيل وشمع التي دفعت على بواباتها خسائر كبيرة ولم تتمكن من تجاوز الخطوط التي رسمها المجاهدون، وذلك أمام أعين الدول الراعية للتفاهم، وفي ظل مماطلة غير مبررة في تشكيل لجنة المراقبة التي يجب أن تبدأ عملها وأن تضع حدا لهذه الاعتداءات الاسرائيلية.
كسرت المقاومة المعادلة التي حاول الاسرائيلي تكريسها بعد وقف إطلاق النار، مستفيدا من ورقة الضمانات الأميركية، فجاء ردها أمس بصاروخين كإشارة تحذيرية للولايات المتحدة الأميركية بالدرجة الأولى، بأن إطلاق يد إسرائيل بهذا الشكل من شأنه أن يؤدي الى إنهيار التفاهم، وأن المقاومة لن تقبل بهذا الأمر، لذلك فقد حرصت على تذييل بيان تبني عملية إطلاق الصاروخين بعبارة وقد “أعذر من أنذر” تأكيدا على حق المقاومة في التصدي لهذه الاعتداءات وعلى ضرورة الاسراع في تأمين كل مستلزمات التفاهم لمنع إسرائيل من ممارسة غطرستها وهمجيتها التي أوقعت عددا من الشهداء أمس وخلال الأيام الماضية.
تشير المعلومات الى أن الاتصالات الدولية جرت على أعلى المستويات للحفاظ على سريان تفاهم وقف إطلاق النار، في حين أربك الصاروخان العدو الاسرائيلي الذي سارع رئيس حكومته مع بعض المسؤولين الاسرائليين الى رفع السقف في إطلاق التهديدات ضد لبنان وهي ترجمت بسلسلة غارات في مناطق جنوبية مفتوحة، لكن أحدا لم يتحدث عن الذهاب نحو تصعيد من شأنه أن يؤدي الى إنهيار التفاهم، في حين تؤكد المعلومات أن الولايات المتحدة الأميركية أعطت توجيهات الى لجنة المراقبة للإسراع في بدء مهامها التي يفترض بها أن تكون على قدر من الجدية وأن تعمل على ضبط الأمور.
تشير مصادر سياسية واسعة الاطلاع الى أن ردة الفعل الأميركية والاسرائيلية تؤكد أن رسالة الصاروخين قد وصلت الى دوائر القرار التي فهمت مؤشراتها السياسية والميدانية ورسمت معادلة جديدة للمرحلة المقبلة..
غسان ريفي – سفير الشمال