طبيعياً كان تضارب التقديرات حول مصير الجلسة الإنتخابية التي حدّد رئيس مجلس النوّاب نبيه برّي موعداً لها في 9 كانون الثاني المقبل، لأنّ ما أعقب تحديد برّي موعد الجلسة ترك إنطباعات مختلفة حولها، ما أوحى أنّ مآلها ما يزال غامضاً بين أن تسفر عن إنتخاب رئيس للجمهورية يُنهي الفراغ في قصر بعبدا، أو أنّها ستفشل في ذلك، شأنها شأن الجلسات الإنتخابية الـ12 السابقة.
فمنذ الفراغ في سدّة الرئاسة الأولى أواخر شهر تشرين الأوّل من العام 2022، لم تفلح الجلسات الـ12 في التوصّل إلى توافق داخلي لانتخاب رئيس للجمهورية، آخرها كانت الجلسة التي عقدت في 14 حزيران من العام 2023، أيّ قبل نحو 18 شهراً، لأنّ هذا التوافق الداخلي لم يلقَ توافقاً خارجياً، كما تجري العادة دائماً في كلّ إستحقاق إنتخابات لرئاسة الجمهورية، ما دفع برّي بعد ذلك إلى تعليق الجلسات وعدم الدعوة إليها بعدما رأى أنّ تلك الجلسات تحوّلت إلى “مهزلة”.
إذا كان الحال كذلك فما الذي استجد حتى يدفع برّي لدعوة النوّاب إلى جلسة إنتخاب رئاسية، فضلاً عن دعوته سفراء وقناصل الدول لحضورها في إجراء بروتوكولي لا يزال متّبعاً، وهل أنّها ستكون “مثمرة” كما قال خلافاً للجلسات السّابقة؟
في الشّكل أوضح برّي عندما حدّد موعد الجلسة، أنّه بتحديد موعد الجلسة يوفي بوعد قطعه أنّه فور وقف إطلاق النّار بين لبنان وإسرائيل سيحدد موعداً لها، وهو ما ترجمه بعد نحو 24 ساعة من الإعلان عن وقف إطلاق النّار، لكنّ مضمون الجلسة المرتقبة وما يمكن أن تسفر عنه أمر مختلف.
ففي موقفين متلاحقين يحسمان موقف الثنائي الشّيعي من الإستحقاق الرئاسي وما أثير عن إمكانية تخليهما عن مرشحهما المعلن رئيس تيّار المردة سليمان فرنجية، جدّد برّي موقف الثنائي المتسمك بتبني ترشيح الزعيم الزغرتاوي للرئاسة ووصفه له بأنّه “عماد المرشحين”، وهو وصف أعاد التأكيد عليه حزب الله لاحقاً، وكذلك حلفاء فرنجية.
على الضفّة الأخرى لا يبدو الأمر مماثلاً. فالمعارضة لم تعلن حتى الآن عن مرشّحها الفعلي، لأنّ دعمها وزير المالية الأسبق جهاد أزعور كما ترجمته في الجلسة الـ12، لا يبدو قائماً، وهو ما اعترف به نائب القوّات اللبنانية غيّاث يزبك بأنّ هناك “مراجعة” فيما خصّ ترشيح المعارضة لأزعور؛ بسبب ما وصفه “المنحى العام المختلف حالياً، ولأنّ فريق الممانعة يعدّه مرشح تحدٍّ”.
هل يعني ذلك أنّ لدى المعارضة مرشحاً آخراً منافساً لفرنجية؟ لا يبدو ذلك متوافراً، وهو ما أكّد عليه رئيس حزب الكتائب النائب سامي الجميل عندما شدّد على “وجوب أن تتمسك المعارضة بترشيح أزعور طالما أنّ لا إمكانية لتأمين إجماع أوسع على أيّ شخص آخر”؛ لكن كيف يمكن التوافق على مرشح بديل إذا كانت الإتصالات بين فرقاء المعارضة مقطوعة، ولا أحد يحكي مع أحد، برغم أنّه لا يفصل عن موعد الإستحقاق الرئاسي إلا قرابة شهر فقط؟
هنا تُرجّح المعطيات المرافقة للمشهد الإنتخابي أن لا تسفر جلسة 9 كانون الثاني عن إنتخاب الرئيس العتيد، وأن يعمد نواب المعارضة هذه المرّة وليس السّلطة إلى تطيير نصاب الدورة الثانية من الجلسة المنتظرة، بعد الإشارة اللافتة من مسعد بولس، مستشار الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب للشؤون العربية والشّرق أوسطية، بقوله إنّ “من صَبَر سنتين يمكنه أن يصبر شهرين أو ثلاثة أشهر بعد”، ما عدت إشارة واضحة في أنّ طبخة الرئاسة في الخارج لم تنضج بعد، وأنّ التوافق الإقليمي والدولي حول الرئاسة الأولى ما يزال في غرفة الإنتظار، في ضوء التطوّرات المتلاحقة التي كان آخرها ما تشهده سوريا، كما أنّ تداعيات العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة ولبنان ما تزال مستمرة ولم تعالج بعد.
عبدالكافي الصمد – سفير الشمال