ينطبق تعبير «العصفورية» على الحلول الترقيعية لرواتب المعلمين في المدارس الخاصة بكل فئاتهم. فالاشتراكات التي بات هؤلاء يدفعونها لصندوق التعويضات مثلاً تتجاوز حد الراتب الذي بات يساوي، عملياً، صفراً، وصار اعتماد المعلم على ما «تتكرم» عليه به إدارة المدرسة من مساعدات وحوافز بالدولار من خارجه، ما يلغي فكرة الدرجات والفئات الوظيفية، ووحدة التشريع مع التعليم الرسمي. فالحكومة لم تجد حلاً للرواتب الهزيلة للمعلمين المتقاعدين سوى مضاعفة الحسومات للمعلمين في الملاك (6 في المئة من أساس الراتب وفقاً للقانون) 17 مرة، ما يعني أن المعلم الذي يتقاضى مثلاً أساساً للراتب بقيمة ثلاثة ملايين ليرة سيدفع بموجب المرسوم الجديد لتغذية صندوق التعويضات (17 ضعفاً) ثلاثة ملايين ونيف.
وفي خطوة مستغربة، قدم امس، رئيس المعلمين نعمه محفوض استقالته من مجلس الإشراف على صندوق التعويضات، احتجاجًا، كما جاء في بيان الاستقالة على السياسة الرسمية للدولة بضرب الصندوق، وعرقلة جميع القوانين من أجل زيادة مداخيله، وعدم إصدار مرسوم تشكيل مجلس إشراف جديد، والأهم عدم تسديد المدارس الخاصة مستحقاتها للصندوق بموجب المرسوم الأخير الذي صدر ونشر في الجريدة الرسمية، وبالتالي عدم دفع رواتب الأساتذة المتقاعدين بتسعة أضعاف نهاية هذا الشهر كما حصل الاتفاق في وزارة التربية مع اتحاد المؤسسات وبحضور وزير التربية عباس الحلبي. بدل الاستقالة كان ينتظر من النقابة أن تضغط من موقع القرار لنشر القوانين المقرة في المجلس النيابي. تعبر الاستقالة عن فشل كل الخيارات لتحصيل بعض من حقوق المعلمين وتمادي إدارات المدارس في انتهاك القوانين من منع نشرها، إلى الغطاء الحكومي من رئيس الحكومة نجيب ميقاتي. من شأن هذا الفشل ان يسهم في تفكيك إضافي للنظام التعليمي بقيادة المدارس الكاثوليكية.
بحسب المحامي جاد طعمه، الحلول المطروحة لتحسين الرواتب تندرج خارج إطار الانضباط القانوني، وعلى قاعدة «شو بيتفقوا بيعملوا»، فيما القانون موجود دائماً لحماية الطرف الأضعف في العقد، وهو المعلم في هذه الحال، وهذا الواقع يتطلب تدخلاً لحمايته، خصوصاً أن إدارات المدارس الخاصة تجني أرباحاً خيالية بعد الزيادات الكبيرة على الأقساط تحت بدعة «الدعم» الذي أعاد التوازن إلى مداخيل معظم المدارس الخاصة، في وقت لا تزال رواتب المعلمين في الحضيض وفي أحسن الأحوال في الحد الأدنى.
ليس هناك، كما قال طعمة،نص قانوني يتناول الحسومات والاشتراكات والحوافز التي تتجاوز الرواتب، فمن بديهيات الأمور أن لا يحصل ذلك أبداً.
الكرة، كما قال طعمه، في ملعب المجلس النيابي ولجنة التربية على وجه الخصوص، إذ إن النواب مطالبون بالانصراف إلى معالجات جدية وجذرية للرواتب حتى يستقيم الوضع القانوني، فمن دون القوانين العادلة والناظمة لا استقرار في المجتمع.
من جهته، أشار الباحث في التربية نعمه نعمه إلى خطورة أن تتكرس معادلة أن لا تكون هناك أساسات رواتب للمعلمين، وأن يقتصر الأمر فقط على المبالغ المالية التي تحددها المدارس، ما يعني أن العقد بين المدرسة الخاصة والمعلم بات عقداً حراً، وأن هناك فصلاً لرواتب المعلمين في القطاع الخاص عن القطاع العام، ولم تعد هناك قيمة معنوية للرواتب بغض النظر عن قيمتها المادية الهزيلة.
بحسب عضو تكتل لبنان القوي، عضو لجنة التربية النيابية النائب ادغار طرابلسي، «عن القانونين الصادرين عن المجلس النيابي، الأول الذي يرمي إلى مساعدة الدولة بقيمة 650 مليار ليرة لتغذية الصندوق لمدة سنة، والثاني الذي يرمي إلى زيادة نسبة الاقتطاع من رواتب المعلمين بكل العملات من 6 في المئة إلى 8 في المئة لتغذية صندوق التعويضات ودعم 5000 متقاعد، والذي يحتاج إلى نشره في الجريدة الرسمية فحسب. وعبثاً يحاول المعلمون الركون إلى المدارس لأنها لن تدفع لصندوق التعويضات، بموجب المرسوم الذي يرفع الاقتطاع من 8 في المئة إلى 102 في المئة، فالترقيع تارة بالبروتوكول، وتارة بالمرسوم مخالف لأي منطق قانوني. ورأى أن استكبار إدارات المدارس على النصوص القانونية يجب أن يواجه من النواب لا سيما من رئيس وأعضاء لجنة التربية النيابية المنوط بهم الدفاع عن حقوق الناس وحماية التشريعات وتطبيق القوانين. ومن حق المعلمين في الخدمة اليوم، كما قال طرابلسي، أن يعترضوا على المرسوم الذي يقتطع كل راتبهم الأساسي ويزيد عليهم الأعباء من دون حصولهم على أي منفعة ويزيد الأعباء على أهالي الطلاب لأنهم في نهاية المطاف هم من سيتكبد تسديد زيادة المحسومات، علماً أن صندوق التعويضات لديه صلاحيات البحث عن مداخيل أخرى.
فاتن الحاج – الاخبار