عندما كانت المسيّرات الاسرائيلية تحلّق فوق العاصمة بيروت وضاحيتها الجنوبية ليلا، وجيش العدو يواصل إعتداءاته على قرى الجنوب ويقوم بما لم يستطع القيام به خلال الحرب بفعل التصدي البطولي للمقاومة، رافعا بذلك عدّاد خروقاته منذ دخول تفاهم وقف إطلاق النار حيّز التنفيذ، كان رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع وخلال مقابلة تلفزيونية ينظّر بالقرارات الدولية داعيا إلى تطبيقها بنزع سلاح المقاومة وبإنتخاب رئيس يقوم بهذه المهمة “والا سيكون لزوم ما لا يلزم”، متجاوزا وحشية إسرائيل، ومقدما لها المبررات، وواصفا ما قامت به المقاومة على مدار 66 يوما “بالبطولات الوهمية”.
لم تخيّب إسرائيل وأميركا أمل جعجع بكل ما قامتا به خلال الحرب، لكن ما خيّب أمله هي المقاومة التي صمدت، واللبنانيين الذين ما يزالون يدعمونها، وأمينها العام الذي أكد أنها سوف تتألق وتتلألأ في المستقبل القريب، والبيئة التي ما تزال تحتضنها، والمال الذي سيُصرف لكل المتضررين من أجل الإيواء الكريم خلال فترة إعادة الاعمار، فضلا عن عدم قدرة هذه الحرب على تهيئة الظروف التي تسمح له بالترشح لرئاسة الجمهورية كما كان يشتهي ويمني النفس.
خيبات جعجع التي سيطرت على إطلالته التلفزيونية أوقعته في تناقض كبير، فهو تحدث مطولا عن السيادة اللبنانية، ثم شرّع إنتهاكها من خلال الترويج لتدخل الدول بالاستحقاق الرئاسي وضرورة أن يأتي رئيس ترضى عنه، كما شدد على ممارسة الديمقراطية في الانتخاب، رافضا في الوقت نفسه أي رئيس يمكن أن ينتج عن تفاهم بين الثنائي الشيعي وحلفائه والتيار الوطني الحر، معتبرا أن “في هذه الحالة سيكون على لبنان السلام”، كذلك فقد أعطى أهمية كبرى لقرار الحكومة اللبنانية بالمصادقة على تفاهم وقف إطلاق النار، ثم إستهدفها ونال منها وإتهمها بعدم الفاعلية، وبالرغم من أنه يعتبر هذه الحكومة غير ميثاقية وغير شرعية فقد حملها مسؤوليات كبرى ينوء بها عهد بكامله، وهو طالب الحكومة ببسط سلطتها على كامل الأراضي اللبنانية ثم انتقد إنعقاد مجلس الوزراء في ثكنة بنوا بركات في صور للتأكيد على حضور الدولة في الجنوب!!.
لم يتوان جعجع عن تنفيس حقده وغلّه برئيس الحكومة نجيب ميقاتي الذي يبدو أيضا أنه خيّب أمله في إصراره على حماية البلد ووحدته والتصدي للفتن، وممارسته المقاومة السياسية للوصول إلى تفاهم وقف إطلاق النار وتجنيب لبنان المزيد من المآسي والويلات وتأمين المساعدات له من خلال مؤتمر باريس، فضلا عن سعيه الدؤوب منذ أن تسلم رئاسة الحكومة وحتى اليوم للحد من التوترات السياسية التي يحاول جعجع الاستفادة منها للتفتيش عن دور.
لم ينجح جعجع في “قالبه الكوميدي” وهو يحاول إستهداف رئيس حكومة لبنان، تارة بالصمت وتارة أخرى بهز الرأس، وطورا بحركات غريبة في وجهه، أو بكلام من دون معنى، فكان لجوئه ل”الهضمنة” خيارا سمجاً أساء لنفسه قبل الآخرين.
ردد جعجع خلال إطلالته التلفزيونية بنود القرار 1701 مرات عدة حتى كاد أن يحفظها عن ظهر قلب، وذلك بهدف التشديد على ضرورة نزع سلاح المقاومة، كما حاول تقديم القرار 1559 على كل ما عداه للوصول إلى مبتغاه، رافضا الحديث عن خروقات إسرائيل أو عن إعتداءاتها.
واللافت، أن جعجع أصرّ على ربط نزع سلاح المقاومة بالاستحقاق الرئاسي، وبأن تكون أولى أولويات الرئيس الجديد إنجاز هذه المهمة، وذلك لأسباب عدة، أولها ضرب جلسة التاسع من كانون الثاني تلبية للطلب الأميركي الذي عبر عنه مستشار الرئيس دونالد ترامب مسعد بولس، وثانيها، تقديم أوراق إعتماده للدول المعنية كمرشح رئاسي، حيث أكد أن “من لا يستطيع نزع سلاح المقاومة فليتنحى جانبا، لأن هناك مين بدو وقادر”، وثالثها ترحيل الاستحقاق على أمل تبدل الظروف لتتلائم مع أحلامه وطموحاته.
إطلالة جعجع التلفزيونية كانت غير موقفة لا بل مزعجة لكثير من اللبنانيين لما حملته من إساءات وإفتراءات ونفخ في بوق الفتنة وإستحضار الخلافات والانقسامات بينما دماء شهداء العدوان الاسرائيلي ما تزال على الأرض.
أخيرا، فقد خيّب جعجع أمل رئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل الذي تحدث عنه خلال إطلالة تلفزيونية يوم الخميس الفائت بكثير من الاحترام والود، مؤكدا ان من حق “الحكيم” الترشح لرئاسة الجمهورية لكن عليه أن يقنع التيارات السياسية وأن يخفف من حدة طروحاته، لكن رد جعجع جاء كما هي العادة فيه الكثير من التهكم والسخرية والغوغائية والاساءة لباسيل من دون وجه حق، ما يؤكد أن الرجل يعاني من عقدة نقص سياسية ويحاول التخلص منها بكثير من العدائية
غسان ريفي – سفير الشمال