لن تهوني
لن تهوني أبداً يا مجدلية
لم أزل أغسل رجليكِ بدمعي
ودمي.. يا مجدلية
من قرون الهمجية
لقرون الهمجية
فاسلمي، سلطانة العشق
إسلمي لي، واقبليني
سادناً في حضرة الحبّ المدمّى
لن تهوني أبداً يا مجدلية…
عن أي مجدلية يحدّثنا سميح القاسم؟ وعن أي قرون همجية؟ لا شك أنه كتب هذه القصيدة منذ زمن بعيد، فلا شمال مُتخم ولا جنوب متضوّر، وانتهى عصر أسلحة الدمار الشامل، والشعوب في العالم الثالث تحرّرت من أغلال العبودية والثروات تُوزّع بالتساوي، كما لن تُطرد من ديارها، لأنها خرجت من أتون الجهل والتخلّف والفقر، والتحقت بمسيرة التكنولوجيا والإنسان الآلي والذكاء الإصطناعي، وهتفت: وداعاً ما قرون الاستعباد.. وداعاً للقمع والظلم، وعلى الأرض السلام وفي النفوس المسرّة.. إنها البشارة التي ستعمّ الدنيا، ولن يرجمكِ أحدٌ بعد الآن أيتها المجدلية.. لأنك ستكونين مثلنا.. ستشبيهننا.. وستكون المسافة التي تفصل ما بيننا شبه معدومة.. وستعود أساطير الآلهة المتعددة لتحكم الأرض.. جوبيتر ومارس وعشتار وزيوس وفينوس وسواهم أيضاً سيعودون.. كما ستعود روما سيدة تلك الدنيا وزنوبيا ملكة تدمر، وكليوباترا ملكة مصر.. وسوف يفيض النيل وستقدّم له كل عام ضحية من جميلات الوادي، وستبقى مياه نهر أدونيس حمراء، ولن تتوقف الاحتفالات بانتصارات سادة ذلك الزمن، وسيجتاز هنيبعل الجبال العالية.. وسيطلّ على قارة جديدة.. هذه الأحلام هي رغيف الفقراء.. هي مثل السنابل التي تعانق الفجر وخيوط شمسه الذهبية.. كم صغير هذا الكون وكم كبيرة هي الأحلام.. إنها لسان الإنسان الذي ابتكر الحروف والأرقام وفكّر وأبدع وقرأ وحلّق في الفضاء وهبط على سطح القمر.. لكنه يا مجدلية لا يزال يفعل فعلة قايين حين قتل شقيقه هابيل!
نزار سيف الدين – اللواء