كتبت صحيفة “الجمهورية”: لبنان بين الخطرين، فبعيداً من الإحباطات التي عمّمها سقوط نظام بشار الاسد على حلفاء النظام السابق في لبنان، وعن حالات الانتشاء والمظاهر الاحتفالية بهذا السقوط لدى من صف الخصومة والعداوة لهذا النّظام، فإنّ المشهد الداخلي ربطاً بهذا التطور، يتقلّب على صفيح ساخن من الإرباكات في مختلف مفاصله السياسية والأمنية والاقتصادية والاجتماعيّة، توازيها حال من الترقب القلق لما هو مخفيّ من احتمالات كامنة في الأفق. ويفوق ذلك كلّه تخوّف لدى كلّ المستويات من أن يوضع لبنان في عين العاصفة من جديد. فالخاصرة السورية في أعلى درجات ارتخائها، حيث يُخشى من تمدّد الحدث السوري امنياً إلى هذا البلد، والأخطر من ذلك، أن تصيبه من جديد رياح العاصفة التدميرية التي تشنّها اسرائيل على سوريا، إن لجهة التوغل المتمادي داخل الاراضي السورية، وإن للفرط الواضح للجيش السوري وإخراجه من الخدمة بالتدمير الممنهج لقطاعاته وقدراته العسكرية والتسليحية.
سباق مع العواصف
وفيما دخلت سوريا في مرحلة إعادة رسم صورتها الجديدة في ظلّ القوى والتنظيمات المتشدّدة التي استولت على السلطة فيها، وهذا الامر على ما يبدو، أفقه مفتوح على مديات زمنية بلا سقف، فإنّ لبنان في موازاة ذلك يجد نفسه في سباق إلزامي مع العواصف المتكوّنة في محيطه، لبناء حيطان دعم صلبة تصدّ رياحها المحتملة وتقيه منها، وترتيب بيته الداخلي بحسم الملف الرئاسي كخطوة اولى لإعادة انتظام حياته السياسية ومؤسساته الدستورية.
أجراس الرئاسة تقرع
من هنا، فإنّ الخطوات المرتبطة بالملف الرئاسي التي شهدت تسارعاً ملحوظاً في الساعات الاخيرة تشي، كما قال مرجع سياسي كبير لـ”الجمهورية” بأنّ “أجراس الرئاسة إن شاء الله بدأت تقرع بوتيرة يؤمل أن تبشّر بانتخاب رئيس للجمهورية في جلسة 9 كانون الثاني”.
دفع أميركي وفرنسي
ويبرز في هذا السياق، ما كشفته مصادر ديبلوماسية رفيعة لـ”الجمهورية”، حول تأكيدات متجددة عبّر عنها مسؤولون اميركيون من أنّ واشنطن تواكب الوضع اللبناني عن كثب في هذه الفترة، ولاسيما في ما يتعلق باتفاق وقف اطلاق النار، وقيام لجنة مراقبة تنفيذه التي ترأسها بالمهام المطلوبة، وتأكيد التزام كل الاطراف به. وكذلك في ما يتعلق بالملف الرئاسي الذي ترغب واشنطن في أن يكون للبنان رئيس للجمهورية متفق عليه في اقرب وقت ممكن، ويأملون أن تكون جلسة الانتخاب المقرّرة الشهر المقبل منتجة.
والأمر نفسه، كما تكشف المصادر الديبلوماسية، تؤكّد عليه فرنسا، سواء في اللقاءات المباشرة مع مسؤولين وديبلوماسيين فرنسيين، او عبر مراسلات متواصلة تكثفت في الآونة الاخيرة، تنصح بالاستفادة من فرصة تحديد موعد جلسة انتخاب رئيس للجمهورية، لإتمام هذا الانتخاب وإعادة انتظام الوضع السياسي الرئاسي والحكومي في لبنان. وخطوة الرئيس بري في هذا الاتجاه بتحديد موعد الجلسة، لقيت صدى ايجابياً كبيراً في فرنسا لدى الرئيس ايمانويل ماكرون شخصياً. وتكشف تلك المراسلات، أنّ التطورات الاخيرة التي شهدتها سوريا، ينبغي ان تشكّل حافزاً ودافعاً قوياً لاتفاق اللبنانيين على حسم الملف الرئاسي بصورة عاجلة والتشارك في اختيار رئيس للبلاد.
بري: لا مؤثرات
المتغيّرات التي حصلت، لاسيما في سوريا، لم تؤثر على الأجندة الرئاسية لرئيس مجلس النواب نبيه بري، وعلى روزنامة المواعيد التي حدّد بموجبها موعد جلسة انتخاب رئيس للجمهورية في 9 كانون الثاني، بل زادته تمسكاً بموعد الجلسة، واندفاعاً اكبر نحو انتخاب رئيس للجمهورية فيها. وعلى ما يقول بري: “لا مؤثرات سياسية او غير سياسية على الإطلاق، في ما خصّ جلسة 9 كانون، وبالتالي هي قائمة في موعدها، والجهود تتكثف على غير صعيد لأن تكون الجلسة الإنتخابيّة مثمرة”.
وعلى ما هو مؤّكد فإنّ رئيس المجلس لا يماشي ما تسمّيها مصادر عين التينة “التغريد خارج سرب الانتخابات الرئاسية، التي تبدي من خلاله بعض الاوساط السياسية – التي يبدو انّها متأثرة بتصريحات صدرت من الخارج في الآونة الاخيرة – تشكيكاً في إمكان انعقاد الجلسة الانتخابية في موعدها. فالرئيس بري ليس معنياً بكل ما يُقال، ومن أي مصدر كان، عن تأجيل او غير تأجيل للجلسة، ثم لا احد من الداخل أو من الخارج، أثار هذا الموضوع، بصورة مباشرة او غير مباشرة مع الرئيس بري. وبالتالي جلسة الانتخاب في موعدها، ولا شيء يحول دون انعقادها في موعدها المحدّد”.
ويبرز في موازاة ذلك، تأكيد مصدر رفيع عامل على خط المشاورات الرئاسية لـ”الجمهورية”، بأنّ “مساحة التجاوب مع دعوة الرئيس بري إلى جلسة انتخاب رئيس للجمهورية في 9 كانون الثاني المقبل، واسعة وتضمّ مختلف المكونات الداخلية السياسية والنيابية، ما خلا طرف سياسي فاعل (ومعه حلفاء له في الخط السيادي والتغييري) لم يحدّد موقفه بصورة واضحة من الجلسة، وما تقتضيه الظروف الراهنة من توافق يفضي إلى انتخاب رئيس لا يشكّل تحدّياً لأي طرف، ويجمع ولا يفرّق على حدّ تعبير الرئيس بري”.
وبحسب المصدر، فإنّ ظاهر الكلام يفيد بتأييد لانتخاب رئيس للجمهورية من حيث المبدأ، ولكن على ارض الترجمة الحقيقية لهذه المواقف، لا حياد حتى الآن عن اشتراطات ومواصفات تعطيلية، وهو ما تعكسه قياداته ونوابه ومن معه في خطه. يُضاف إلى ذلك غبار جديد نُثر في الآونة الاخيرة حول الموقف الحقيقي لهذا الطرف، يضع علامات استفهام حول مشاركته وحلفائه في جلسة 9 كانون الثاني، ويتجلّى بالعزف على وتر التخويف غير المبرر وغير الواقعي، مما سمّاه بعض نوابه تهريب انتخاب رئيس من فريق الممانعة في جلسة 9 كانون الثاني”.
مع سفراء الخماسية
التوجّه الحاسم لانعقاد الجلسة الانتخابية في موعدها أكّده الرئيس بري مجدداً امس، امام زواره، ولاسيما سفراء دول اللجنة الخماسية، وكذلك مع رئيس “التيار الوطني الحر” النائب جبران باسيل الذي زار عين التينة امس، واكّد بعد اللقاء مع الرئيس بري “أنّ الامور جيدة والعمل جدّي، وإن شاء الله يكون لدينا رئيس للجمهورية في جلسة 9 كانون الثاني”.
في اللقاء مع سفراء الخماسية؛ السفيرة الاميركية ليز جونسون، السفير السعودي وليد البخاري، السفير الفرنسي هيرفي ماغرو، السفير القطري سعود بن عبد الرحمن بن فيصل آل ثاني والسفير المصري علاء موسى، بحضور مستشار الرئيس بري علي حمدان، أكّد الرئيس بري على “الحاجة الوطنية الملحّة لإنجاز الاستحقاق الرئاسي، خصوصاً في هذه الظروف والمتغيّرات المتسارعة في المنطقة، لا سيما ما يحصل في سوريا” .
وبحسب معلومات موثوقة لـ”الجمهورية”، فإنّ اللقاء تخلّله عرض عام للتطورات المحيطة بلبنان، وتخلّلته استفسارات من قبل السفراء حول بعض الامور المرتبطة بالملف الرئاسي، وأجواء المشاورات التي تجري في هذا الاتجاه. واكّد الرئيس بري أنّ المشاورات تجري على اكثر من صعيد، يؤمل أن تفضي إلى إيجابيات حاسمة تُترجم في جلسة الانتخاب. لافتاً إلى عزمه على عقد جلسات انتخاب رئاسية متتالية بدورات متتالية.
وتشير المعلومات إلى أنّ السفراء الخمسة عبّروا عن ارتياحهم لتطورات المسار الرئاسي ولاقوا الرئيس بري في استعجاله الحسم الرئاسي الذي تُوّج بتحديده لجلسة الانتخاب، وأعربوا عن الامل في إتمام الانتخابات وتحقيق الغاية المرجوة منها بانتخاب رئيس يتوق اليه اللبنانيون في هذه المرحلة، يطلق ورشة إنقاذية واصلاحية تُدخل لبنان في مدار الازدهار من جديد، بمساعدة كل أصدقاء لبنان.
السفير المصري
وقال السفير المصري بعد اللقاء، انّه “كان فرصة لأن نتبادل بعض الأفكار ونستمع من دولة الرئيس إلى تقديره للمرحلة القادمة”. واشار الى أنّ “قناعتنا كلجنة خماسية هي بأهمية إنتخاب رئيس الجمهورية في أسرع وقت ممكن. وكذلك جهود تثبيت وقف إطلاق النار وضرورة تطبيق القرار 1701”.
اضاف: “تحدثنا عن مواصفات الرئيس القادم التي اعتمدناها في لقاء الدوحة عام 2023، وأكّدنا اهمية انتخاب رئيس يجمع اللبنانيين ويدعم تطبيق القرار 1701 وتنفيذ الإصلاحات. واكّدنا اهمية التمسك بإتفاق الطائف، والعمل على تطبيقه”.
ورداً على سؤال قال: “لم يتمّ في الجلسة تداول اسماء، فهناك مشاورات بين القوى السياسية. والرئيس بري منخرط بشكل كامل فيها، والهدف منها الوصول إلى توافق على اسم أو عدد من الأسماء يتمّ طرحها خلال الجلسة”. وأضاف: “أكّد الرئيس بري انّها جلسة مفتوحة بدورات متتالية. بمعنى أنّه مستمرون في الإنعقاد في البرلمان وصولاً إلى إنتخاب رئيس للجمهورية. هذا الالتزام هام، ونأمل أن تؤدي المشاورات السياسيه إلى الإسم أو الأسماء التوافقية بما تسهم في إنجاح جلسة 9 كانون الثاني”.
وعن المواصفات قال: “المواصفات أتت في الحقيقة في إعلان الدوحة عام 2023، وباتت واضحة للجميع وبشكل كبير، وهو ما يعمل عليه الرئيس بري الآن. بأن يكون الرئيس جامعاً لكل اللبنانيين، لديه التزام بخارطة طريق تشمل إلى جانب أشياء أخرى إصلاحات إقتصادية ومجتمعية وسياسية وتطبيق القرار 1701 وتثبيب جهود وقف إطلاق النار. هذه هي العناصر المطلوبة لشخص الرئيس القادم. وأتصور انّ القوى السياسية بحثتها في ما بينها للتوصل الى اسم هذا الرئيس بأسرع وقت ممكن”.
خروقات .. وانتشار
ميدانياً، لم تتوقف الخروقات الإسرائيلية التي شملت في الساعات الماضية العديد من القرى والبلدات اللبنانية المتاخمة لخط الحدود، وعلى الرغم من دخول اتفاق وقف اطلاق النار حيز التنفيذ منذ نحو اسبوعين، الّا انّ إسرائيل لم تُقدم على خطوة تؤكّد التزامها به، بل بالعكس، كثفت خروقاتها بشكل ملحوظ، سواء بالغارات الجوية واستهداف المدنيين وإيقاع المزيد من الشهداء، او بعمليات التدمير الشامل لتلك القرى ونسف وتجريف منازلها. وأضافت إلى ذلك عقبات عديدة في وجه تطبيق اتفاق وقف اطلاق النار، عبر منع الجيش اللبناني من الانتشار في بعض البلدات، كما حصل يوم امس في بلدة الخيام. وبحسب معلومات أمنية، فإنّ هذا الامر، إضافة الى الخروقات الأخرى المتواصلة، طلب الجانب اللبناني ضرورة ان تقوم لجنة المراقبة بدورها المناط بها إزاء تلك الخروقات وتمكين الجيش من القيام بمهامه بالتنسيق مع قوات “اليونيفيل”. وكذلك إزاء خروج اسرائيل الفاضح على اتفاق وقف النار.
ميقاتي
إلى ذلك، أجرى رئيس حكومة تصريف الاعمال نجيب ميقاتي امس، محادثات مع رئيس وزراء اسبانيا بيدرو سانشيز في مقر الحكومة الاسبانية في مدريد. وخلال الإجتماع شكر ميقاتي إسبانيا على وقوفها الدائم الى جانب لبنان والدعم الذي تقدمه للبنان على الصعد كافة، لا سيما عبر إدراج لبنان على لائحة أولويات التعاون الانمائي، وعلى مشاريع التنمية التي تقوم بها الوكالة الإسبانية في لبنان”. كذلك، نوّه ميقاتي بالدور الذي تقوم به الكتيبة الإسبانية العاملة في إطار القوات الدولية في جنوب لبنان “اليونيفيل”، فيما أشاد بالدور البنّاء الذي يقوم به قائد “اليونيفيل” الجنرال أرولدو لاثارو. وجدّد تأكيد التزام لبنان بالقرار الدولي الرقم 1701 والتشديد على اولوية التزام اسرائيل قرار وقف اطلاق النار والانسحاب من البلدات الجنوبية ومن ثم العمل على تنفيذ القرار 1701 كاملاً.
بدوره، عبّر رئيس وزراء اسبانيا عن دعم لبنان، وتمنّى ان تنعكس التطورات الراهنة بشكل ايجابي على لبنان واستقراره. وقال: “انّ اسبانيا تثمّن تشديد الحكومة اللبنانية على التعاون الوثيق بين الجيش اللبناني وقوات “اليونيفيل”، وان يحصل استقرار طويل الامد في جنوب لبنان كمقدمة للوصول إلى حل دائم”.
وأضاف: “إنّ لبنان هو من الجهات الفاعلة الرئيسية التي تريد إسبانيا التعاون معها، وهو سيظل على لائحة الاولويات للتعاون الانمائي للمرحلة المقبلة. كذلك، فإنّ إسبانيا ستقدّم دعماً إضافيا للجيش”.