بلدة الطيبة هي واحدة من بلدات جبل عامل في جنوب لبنان، تتميز بعددٍ من المداخل التي تربطها بجيرانها، يحدُّها شمالاً وادي ومجرى نهر الليطاني وأرض دير ميماس، وشرقاً أراضي العديسة وكفركلا، وجنوباً بلدات العديسة، رُبّ ثلاثين، بني حيَّان، طلوسة، وغرباً أراضي دير سريان وعدشيت والقنطرة.
والطيبة تُعدّ من ضمن “قرى الحافة الأمامية”، وقد تعمّد العدو الاسرائيلي إطلاق هذا التوصيف لمنع أهلها من العودة اليها، وفق تأكيد رئيس بلديتها الحاج عباس ذياب، “لكنّ العشرات منهم عادوا عند السابعة صباحاً، يوم إعلان وقف إطلاق النار، لتفقّد أرزاقهم وممتلكاتهم وبيوتهم، بالرغم من الظروف الصعبة. إلا أنّ العدو قصف مباشرة محيط الساحة، ما اضطرّهم إلى العودة من حيث أتوا بطلب من الجيش اللبناني لحين توقّف الإعتداءات”.
ذياب شرح أنّ البلدية ومتطوّعي الدفاع المدني باشروا فور توقّف النار في فتح الطرقات وانتشال جثث الشهداء المقاومين الذين صمدوا حتى اللحظات الأخيرة للدفاع عن البلدة، وتمّ سحب بعضها فيما لا يزال عدد آخر منها تحت الأنقاض وسنستكمل المهمّة بعد السماح لنا بالدخول مجدّداً متى توقّف العدوان كلّياً، وكنا وضعنا في اجتماع طارىء في بيروت خططاً وآلية عمل للمباشرة فيها فور العودة، في مقدّمها استكمال فتح الطرقات وانتشال باقي الجثامين وإصلاح ما يمكن من أعطال وأضرار”.
وفي هذا الإطار، تحدّث ذياب عن أضرار كبيرة بشبكات الكهرباء العامة والاشتراك الخاصة التابعة للبلدية والمياه، بفعل الإعتداءات الإسرائيلية، “فعلينا أقلّه تأمين كهرباء المولدات والمياه وهما الدعامة الأساسية لبقاء الأهالي في ما تبقّى من أبنية ومنازل، لدى عودتهم”.
دمار كلّي
وأوضح أنّ نسبة الدمار الكلّي في البلدة هي نحو 60 في المئة، ووصّف الوضع على الشكل التالي: “تدمير طاول محيط الساحة ومركز العين الأساسية التي تغذّي البلدة من مياه الآبار الطبيعية، وهي من أهمّ وأجمل المراكز السياحية في البلدة عمرها أكثر من 400 سنة، تدمير قاعة استقبال ونشاطات تُعدّ من أجمل القاعات في لبنان كلفة بنائها فاقت المليون دولار. أمّا نسبة الأضرار في الأبنية فمرتفعة جدّاً بعد تسوية عدد كبير من المنازل بالأرض، الطرقات كلها خارج الخدمة، شبكات المياه والهاتف والكهرباء تعطّلت، الوضع الصحّي صفر بعدما كانت تمتاز بلدتنا بمراكز صحّية متكاملة مع فريق من الإنقاذ والاسعاف، فقصفها العدوّ بشكل همجي واستشهد معظم أفرادها من أطبّاء ومسعفين وممرّضين، كما استشهد عدد كبير من رجال الإسعاف والإنقاذ”.
وعليه، دعا رئيس البلدية السلطات المعنية ولا سيّما وزارة الداخلية والبلديات إلى إعلان منطقة شمال نهر الليطاني منطقة منكوبة وإعطائها الأولوية، مُذكّراً بأنّ البلديات لم تقبض مستحقّاتها المالية منذ ما قبل الحرب بالرغم من الظروف الصعبة التي تمرّ بها وتآكل قيمة المبالغ بفعل انخفاض قيمة الليرة “حيث كنّا نقبض مستحقّاتنا على سعر 1500 فكم بالحريّ اليوم خصوصاً في ظلّ الأوضاع الاستثنائية الراهنة”؟ وطالب بـ”اتّخاذ كل الاجراءات اللازمة وتخصيص مبالغ طارئة وتقديم المساعدات لتجاوز الأزمة، خصوصاً بعد تدمير مبنى البلدية على نحو كبير وتعرّض معظم آلياتها لأضرار جسيمة، كما المرافق العامة والمؤسّسات الصحّية ومراكز الخدمات، فالعبء كبير والمطالب أكبر، ويستحيل على البلديات أن تواصل عملها اليوم بعدما كانت تقاتل باللحم الحيّ قبل الأزمة” .
إلا أن ذياب طمأن الى أنّ البلدية صامدة بالرغم من كل شيء، وأنّها “بجميع أعضائها على أتمّ الجهوزية للتعاون وتقديم الحدّ الأدنى من الخدمات للناس لتخفيف الأعباء عن كاهلهم وتجاوز الأزمة معاً، علماً أنّها دفعت بدورها فاتورة الحرب من خلال استشهاد مدير مركز زهراء الطبّي، رئيس اللجنة الصحّية في البلدة د. زهير منصور (عضو في المجلس البلدي)، والمختار حسين منصور، وجثامينهما لا تزال تحت الأنقاض حتى اليوم، أضف الى استشهاد عدد لا بأس به من الممرّضين والمسعفين”.
تاريخ من الصمود
للطيبة تاريخ من الصمود مشهود له، فقد تعرّضت للإعتداءات منذ اجتياح 1978 حتى اليوم، لا بل قبل ذلك بكثير. فبحسب رئيس البلدية، “البلدة تدفع ثمناً باهظاً منذ 1975 حتّى اليوم، فهي لا تبخل في تقديم الشهداء، وقد قدّمت منذ “طوفان الاقصى” ما لا يقلّ عن 55 شهيداً، علماً أنّ هذا العدد قابل للارتفاع بعد تكشّف مصير المفقودين لينضمّوا بذلك إلى قافلة الشهداء منذ زمن الحركة الوطنية مروراً بحرب تموز 2006 وتحرير الجنوب عام 2000 وصولا حتى اليوم لكي تبقى الطيبة جزءاً …
المدى