احتل ملف إعادة الإعمار نفسه، مع كل ما يرافقه من تحديات. ولمدة غير قصيرة، رأس الأولويات، خصوصا بالنسبة إلى المتضررين من العدوان الإسرائيلي، الذي نجمت عنه أضرار «تفوق بمرتين ونصف مرة حجم الأضرار التي خلّفها عدوان تموز 2006»، وفقاً لإحصاءات غير نهائية لمؤسسة «جهاد البناء»، والتي أنجزت خلال 28 يوماً بعد وقف إطلاق النار، «أكثر من 60%» من عملية مسح المباني المتضررة على مستوى لبنان، ومسح ثلث الأبنية المتصدّعة، في الضاحية الجنوبية، بحسب ما يقول المدير المركزي للترميم في لبنان، حسين خير الدين لـ»الأخبار».
اسفر عدوان تموز عن تضرّر 127 ألف وحدة سكنية، مع دمار كلي لـ17,500 وحدة، بينما انتهى عدوان 2024 على 317,500 وحدة متضررة، ودمار كامل لـ43,750 وحدة على مستوى لبنان. وتشمل حصّة الضاحية الجنوبية من مجمل الأضرار: 300 وحدة مهدّمة و300 وحدة متصدّعة (احتمال هدم 100 منها) ونحو 2000 وحدة متضرّرة. وبالمقارنة أيضاً، احتاجت الـ127 ألف وحدة متضررة عام 2006 إلى ستة أشهرٍ للانتهاء من مسحها، في وقتٍ أنجزت شركة «معمار» (إحدى شركات التابعة لـ«جهاد البناء») مسح أكثر من 122 ألف وحدة خلال 28 يوماً بعد انتهاء الحرب. وذلك بفضل 1250 مهندساً (من خارج جسم حزب الله) استجابوا لطلب مؤسسة «جهاد البناء» لمهندسين يشكّلون فريق عملها في هذه المرحلة.
وتقوم إستراتيجية الشركة على الانتهاء أولاً من الأبنية المتضررة مع انطلاق عملية دفع التعويضات تباعاً، «كون هذه الفئة من الأبنية تستحوذ على الجزء الأضخم من ملف إعادة الإعمار، وإذا ما سددنا التعويضات لأصحاب المنازل والمحال نكون قد حيّدنا قسماً كبيراً من العملية»، يقول خير الدين، مقدراً أن تستغرق عملية إعمار الأبنية المهدّمة نحو أربع سنوات، وهي المدة نفسها التي تطلّبها الإعمار بعد حرب تموز. أما الأبنية المتصدّعة التي تحتاج إلى تدعيم فكشف أن «الدولة قد تهتم بهذا الملف بعد إنجاز جهاد البناء عمليات الكشف والدراسات».
وكان حزب الله، بعد نحو شهرين من تفعيل جبهة جنوب لبنان إسناداً لغزّة، وضع عبر مؤسسة «جهاد البناء»، تصوّراً لبرنامج إعادة إعمار ما تهدّمه آلة التدمير والقتل الإسرائيلية على طول بلدات الحافة الأمامية. ومع تصاعد العدوان وصولاً إلى الاثنين 23 أيلول، والشكل الجديد الذي اتّخذته المعركة، عدّلت «جهاد البناء» في الخطّة، بما يتناسب واتجاهات الحرب، بعدما اتضح أنّها ستكون أكبر بكثير مما جرى اختباره في حرب تموز 2006.
تقوم الخطة، بحسب خير الدين، على تقسيم الضاحية والبلدات على مستوى لبنان، إلى مجموعات، تضم كل منها بين 10 و20 بلدة. واستحدث مركز خاص بكل مجموعة، معني بملف الترميم، على رأسه مدير وفريق مهندسين، بشكلٍ سمح للفرق الهندسية في كل لبنان بمباشرة عمليات المسح في وقتٍ واحد، على أن تدخل كل فرقة إلى مجموعة البلدات الواقعة تحت مسؤوليتها واحدة تلو أخرى. وكانت الأولوية أن «يعمل كل مركز بطريقة مستقلّة عن الآخر، بعيداً من المركزية التي حكمت عملنا بعد حرب تموز. فعلى سبيل المثال، استحدثنا حينها مركزاً معنياً بالترميم في النبطية، يستقبل استمارات الكشف على الأضرار الخاصة بكل قرى القضاء، فكانت المعاملات تأخذ وقتاً».
يومياً، بعد الانتهاء من جولات الكشف على الأضرار، يعود المهندسون بالاستمارات إلى المركز، ليدقّقها مهندسون أعلى خبرة، قبل تعبئة محتوى الاستمارات على برنامج خاص على الكومبيوتر يعمل على احتساب كلفة التعويض التي ستُدفع لصاحب كل استمارة بشيك مصرفي يصرفه في أحد فروع مؤسسة «القرض الحسن».
والاستمارات معدّة بطريقة، تسمح للمهندس بتسجيل Code الأسعار بحسب نوعية المادة المتضررة، إذ يبدأ مثلاً سعر الزجاج (4 ملم سادة) من 36 دولاراً للمتر المربع، مع تأكيد خير الدين، أنّ الجداول «حُدّثت قبل أيامٍ قليلة بهدف اعتماد أعلى سعر مبيع في السوق»، بعد فوضى ارتفاع الأسعار أخيراً.