بالرغم من الحديث المتنامي عن تحييد لبنان عما يجري في المنطقة وتحديدا في سوريا، فإن ذلك لا يزال نظريا ولا يمت الى الواقع الحقيقي بصلة، خصوصا أن لبنان منذ أن وُجد وتأسس، وهو في علاقة عضوية مع سوريا، وأحداثها تنعكس عليه بشكل مباشر مهما حاول البعض مواجهتها أو تجنب تداعياتها.
وبإنتظار ما ستسفر عنه التطورات المنتظر أن تشهدها سوريا، فإن لبنان يتطلع على ما يجري في المناطق السورية بعين، ويتطلع بالعين الثانية على إسرائيل التي تستغل هدنة الـ60 يوما لتقوم بما عجزت عن القيام به خلال الحرب بفعل صمود المقاومة.
وعليه، لا يمكن الركون أو الاطمئنان للتصريحات الأميركية، التي رغم كل التعهدات والالتزامات والحضور المباشر في لبنان من خلال الضابط الأميركي في لجنة المراقبة الدولية، لم تقوَ الولايات المتحدة على منع إسرائيل من الاستمرار بخروقاتها، أو على وضع حد لغطرستها وعملياتها الانتقامية في القرى الحدودية، الأمر الذي يدفع الى التشكيك بكل التطمينات الأميركية، بما في ذلك النأي بلبنان عن الوضع السوري وتأثيراته السلبية عليه.
حتى الآن ما يصدر عن قائد الادارة السورية الجديدة أحمد الشرع جيد ومطمئن، لكن المشهد السوري ما يزال مفتوحا على كل الاحتمالات، وفي حال لا سمح الله إنطلق صراع ما في سوريا، فإن كل الاستحقاقات اللبنانية ستتأثر بشكل مباشر في ما قد يجري هناك، لذلك تبدو الحاجة ملحة الى أن يصحو اللبنانيون في العاشر من الشهر الجاري على رئيس جديد للجمهورية ينهي الفراغ ويعيد إنتظام المؤسسات الدستورية والحياة السياسية في لبنان، إلا أن كل المؤشرات حتى الآن لا تبشر بالخير، ما يدفع الى الاعتقاد أن لا رئيس جديدا قبل أن يتسلم الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب السلطة.
وفي هذا الاطار، ثمة تساؤلات حول يوم التاسع من كانون الثاني، لجهة هل ستكون الجلسات المتتالية عبارة عن جلسة واحدة مفتوحة بدورات متتالية لإنتخاب الرئيس، أم أنها ستكون جلسات متتالية منفصلة (تُرفع وتُفتح من جديد) وتحتاج كل منها الى نصاب الـ86 صوتا والى 86 صوتا لأي مرشح للفوز، وإذا كان الأمر كذلك فإن هناك إستحالة لأن تسفر الجلسات مهما بلغ عددها ومهما طال أمدها عن رئيس جديد، أما إذا كانت الجلسة مفتوحة وبدورات متتالية فيمكن أن يصار خلالها الى تهريب رئيس، بالرغم من أن أحدا من المرشحين لا يمتلك حتى الآن 65 صوتا.
ثم، ماذا عن نصاب الجلسة؟
كل المعطيات تشير الى أن الثنائي وحلفاءه سيلتزمون بتأمين النصاب طالما أن الجلسة قائمة، وتعتبر بعض المصادر أن ذلك يشكل “خطوة جريئة جدا من هذا الفريق الذي يخوض هذا الاستحقاق في ظل موازين قوى جديدة ليست لصالحه حاليا، وبالتالي يُفترض به أن يكون أكثر تشددا وأن لا يقدم هدية مجانية للقوى المحلية ومن يدعمها إقليميا ودوليا”، في حين ترى هذه المصادر أن قوى المعارضة وفي مقدمتها القوات اللبنانية لا مصلحة لها في إنتخاب أي من الأسماء المطروحة ولديها طموحات رئاسية سواء بالشخصي أو بأسماء تختارها هي وتكون محسوبة عليها، لذلك فإنها لا تخفي تبنيها لطروحات المستشار الأميركي مسعد بولس حول تأجيل الانتخابات، عسى ولعل تتوفر ظروف أفضل لها تمكنها من تحقيق ما تتطلع إليه رئاسيا.
أمام هذا الواقع، لا يبدو أن هناك رئيسا للجمهورية في الأفق، خصوصا أن الطبخة الرئاسية لم تنضج بعد، وهي ما تزال تحتاج الى جهود دولية ومكونات محلية لم تتوفر بعد، وبالتالي فإن جلسة التاسع من كانون الثاني ستكون مجرد إمتداد للجلسات السابقة التي إنتهت من دون نتيجة إيجابية.
غسان ريفي