بلدة الطيري هي إحدى القرى اللبنانية من قرى قضاء بنت جبيل في محافظة النبطية. تبعد عن الحدود الفلسطينية المحتلة حوالى 7 كلم، ويحدّها من جهاتها الاربعة؛ مدينة بنت جبيل، وقرى عين إبل، دبل، رشاف، كونين، بيت ياحون وحدّاثا.
رئيس بلدية الطيري علي شعيتو روى حكاية الصمود في البلدة، “التي تعرّضت منذ السبعينات لاعتداءات اسرائيلية بشكل دوري سقط نتيجتها عدد كبير من أبنائها المدنيين شهداء، قبل أن يتجلّى موقفها البطولي الكبير في الثمانينات عند تخييرها من قبل الصهاينة والعملاء بين تجنيد أبنائها في صفوفهم أو اعتقالهم وطردهم، فلم يتردّدوا في قبول الخيار الأخير، فتمّ إفراغ البلدة من سكانها وتهجيرهم لغاية العام 2000 ولم يبق فيها سوى 50 فرداً من كبار السنّ، عانوا الأمرّين في ظل حصار مفروض عليهم من خلال وضع بلوكات اسمنتية لمنع أي كان من الدخول اليها، لا سيّما بعد العملية الاستشهادية التي نفّذها الشهيد صلاح غندور بسيارته في منطقة صفّ الهوا ضدّ الاسرائيليين بعد تجهيزها داخل الطيري، ممّا زاد من غضبهم عليها، علماً أننا كنا نُعِدّ لبناء نصب للشهيد في البلدة، لكن العمل توقّف بفِعل الحرب”.
وذكّر شعيتو بـ”الموقف الكبير الذي سجّلته الطيري في العام 2006 عندما حالت دون دخول العدوّ اليها عبر تلالها، “فانكسر على مدخلها وسقط له قتلى، وظلّت البلدة صامدة حتى نهاية حرب تموز 2006 رغم قصفها وتدمير منازلها وسقوط شهداء من أبنائها، لكنّها لم تستسلم ولم تُمكّن الصهاينة من دخولها وتدنيسها، بل طردتهم وتركتهم يجرّون أذيال الخيبة، وصور قتلاهم توثّق مشاهد مقاومة البلدة”.
وتابع: “في حرب أيلول 2024 كانت البلدة عنواناً للتصدّي وسقط لها 18 شهيداً وهم يقاتلون العدو باللحم الحيّ دفاعاً عن الارض ومنعه من تحقيق هدفه بالتقدّم. واليوم، اسم بلدتنا ضمن لائحة تحذيرات العدو، إلاّ أنّ الأهالي رفضوا التجاوب مع هذه الغطرسة الصهيونية وبلغت نسبة العائدين من المقيمين الأصيلين حوالى 60 بالمئة، وعادت الحياة الى طبيعتها وفتحت المحلات التجارية رغم كل المخاطر الأمنية المحدقة بها”.
المنازل التي سُوّيت بالأرض، وِفق شعيتو، تشكّل أكثر من 10 بالمئة من الوحدات السكنية في البلدة، فيما لم يسلم منزل واحد من الأضرار وهي متفاوتة. كما تضرّر مبنى البلدية ومسجد البلدة وحسينيتها وجبّانتها ومدرستها وملعب كرة القدم وشبكة الهاتف وألواح الطاقة الشمسية الخاصة بالبلدية. ولم يوفر القصف الفوسفوري مساحات شاسعة من الزيتون.
مع بداية حرب الإسناد، نزح سكّان البلدة إلى القرى الجنوبية الآمنة قبل أن يتوزّعوا خلال العدوان بين بيروت وجبل لبنان ومنطقة الشمال، ولا سيّما إلى عكار وطرابلس، وهنا شكر رئيس البلدية “الرعاية الاستثنائية اللافتة التي حظي بها النازحون خصوصاً من أهالي منطقة الشمال”.
وأوضح دور البلدية اليوم وخلال حرب الإسناد، “حيث شكّلنا بالتعاون مع فاعليات البلدة والجهات المؤثرة، لجنة لمتابعة شؤون الصامدين في مختلف المجالات ولجنة أخرى لتسيير شؤون النازحين”. وقال: “صحيح أنّ الامكانات قليلة، ولكن بمعونة بعض أبناء البلدة الميسورين، تمكنّا من تلبية احتياجات النازحين على قدر الإمكان، ولا سيّما في المجال الصحّي، ومن توفير الخدمات للصامدين في فترة الإسناد، علماً أنّ البلدية لم توقف عملها في البلدة إلا عندما بدأت الحرب الفعلية في 22 ايلول فنزحت مع نزوح جميع الأهالي”.
وأضاف: “ولدى عودتنا، وجدنا أنّ ما يشبه الزلزال قد حلّ بالبلدة؛ طرقات اختفت ملامحها، منازل مدمّرة، أسلاك كهرباء مقطّعة، وأول عمل قمنا به بالتعاون مع الجهات الفاعلة كان انتشال جثامين الشهداء ثم فتح الطرقات وكنسها وإزالة الركام وتأمين كابلات جديدة للمولّدات بعد تضرّر القديمة، ووصلها لتوفير الإنارة بنسبة 70 في المئة في غضون 10 أيام، ومئة بالمئة اليوم، إلا أنّ حجم الانارة يبقى متواضعاً مع غياب تيار مؤسسة كهرباء لبنان. أمّا بالنسبة الى المياه، فالأهالي يتدبّرون أمورهم حالياً بفِعل برك تجميع مياه الامطار في انتظار إصلاح أعطال شبكة خط كفرا، وأجرينا الصيانة اللازمة لمحطة تكرير مياه الشفة لإعادتها الى العمل. وفي اليوم الاول من وقف اطلاق النار، عالجنا الاضرار في مبنى البلدية وفتحنا أبوابها وسيّرنا الأعمال كالمعتاد لبعث الطمأنينة في نفوس الأهالي وتحفيزهم على العودة . كما عملنا على رفع النفايات بعد عودة العمّال من أماكن نزوحهم”.
أخيراً، أمل رئيس البلدية “في الوصول الى مرحلة يندحر فيها العدو عن أرضنا بالكامل ويعود ذليلاً الى أرضه”، معتبراً أنّ ما يقوم به اليوم من انتهاكات هو “للتعويض عمّا حلّ به، ونحن لا نقرأه ولا نراه لأنّ لا قرار بمواجهته الآن، فالمقاومة تلتزم اتفاق وقف إطلاق النار، وعلى الجيش أن يحفظ دوره، لكن في الوقت المستقطع يحاول العدو استعراض عضلاته على الناس وكنا نودّ لو استعرضها أمام رجال المقاومة عندما كانوا يقاتلونه، لكن رأينا ما حلّ به وكيف أنّه استجدى اتفاق وقف إطلاق النار”.
وقرأ شعيتو في ممارسات العدو “محاولة لإعادة شيء من هيبته أمام مستوطني الشمال الذين يرفضون العودة الى مستوطناتهم حتى اليوم، رغم الإغراءات المادية التي تُقدّم لهم، ومحاولة أيضاً لبثّ القلق والخوف في نفوس اللبنانيين والعائدين، ولكن الحمدلله لقد ابتلانا الله بأعداء أغبياء، فلو كانوا يقرأون جيداً لأدركوا أنّ هذا الشعب لا يخيفه أو يرهبه أحد، ورغم كل الحروب التي عاصرها لا يزال يقاتل حتى اليوم ويستشهد ويصمد ويبني، وأقلّ كلمة تقال فيه هي ما قالها سيّد شهداء الأمة السيد حسن نصرالله بأنّ هذا الشعب هو أشرف الناس .”
المدى