قُضِيَ الأمر، وتبلورت بين ليلة وضحاها اتجاهات أغلب الكتل النيابية لدعم انتخاب قائد الجيش العماد جوزيف عون رئيساً للجمهورية في جلسة المجلس النيابي اليوم، بعدما «هبط الوحي» عليها كما قال النائب الدكتور غسان سكاف قبل أيام لـ «اللواء»، وبعدما أعلن رئيس تيار المردة سليمان فرنجية، إنسحابه من السباق الرئاسي ودعمه لانتخاب قائد الجيش. وكل ذلك نتيجة تبلّغ الجميع كلمة السر الخارجية العربية والدولية لا سيما من أركان اللجنة الخماسية، فضاعت هباء على البلاد والعباد أكثر من سنتين من المشاورات والاجتماعات والاتصالات والمكابرة والمواقف العنترية «السيادية والوطنية» وتسجيل النقاط بالمزايدات البِلا طائل، كما وضاعت حركة الوفود الخارجية طيلة هذه الفترة التي عانت منها الدولة والجمهورية غياب رأسها وحكومتها الفاعلة من دون التفات لتأثير ذلك على حركة البلاد ككل. وضاعت فرص استعادة الدولة لمكانتها واستثمارات ومساعدات الدول الشقيقة والصديقة وإنهاض الاقتصاد وتصحيح الوضع الحياتي الاجتماعي والمعيشي للناس.
فجأة تحوّل انتخاب رئيس الجمهورية من «صناعة وطنية لبنانية» الى صناعة خارجية بـ «تجميع لبناني غبّ الطلب»، وأمكن للموفدين العرب والأجانب فرض مرشحهم الذي يرون فيه خلاصاً لبنان قادرا على ولوج باب الاصلاحات وتثبيت وجود الدولة حسب رأيهم ومواصفاتهم التي غابت أكثر من سنتين عن ذهن المشتغلين اللبنانيين بالاستحقاق الرئاسي.
وهكذا كرّت أمس سبحة مواقف الكتل النيابية من يسارها الى يمينها و«ديموقراطييها وتغييريها ووسطييها ومعتدليها ومستقليها وسيادييها» المفترضين، بمسييحها ومسلميها، وصولاً كما تردد إلى «ممانعيها» غير الخارجين عن التوافق، تعلن قرارها إنتخاب العماد عون وفي أضعف الاحتمالات عدم رغبتها في كسر قرار الأغلبية النيابية أو الإجماع النيابي. وعلى هذا بات عدد الأصوات التي سيحصل عليها القائد تفصيلاً طالما إنه على الأرجح سيحصل على ما يتجاوز ثلثي أصوات أعضاء لمجلس النيابي ولا يعود بحاجة الى تعديل دستوري طالما ان أكثر من الثلثين وافقوا على انتخابه ما يعني ضمناً موافقة على تعديل الدستور، كما حصل يوم انتخاب العماد ميشال سليمان رئيساً للجمهورية، وذلك بناء لإستشارة دستورية وإجتهاد من وزير العدل الأسبق الدكتور بهيج طبارة.
المهم أن يطوي لبنان هذه الصفحة السوداء من تكرار الشغور الرئاسي كل ست سنوات، وأن تنتظم الحياة العامة الدستورية والرسمية، وأن تتشكّل حكومة متجانسة متفاهمة مع رئيس البلاد على البرنامج والأولويات وهي تعاظمت بعد العدوان الإسرائيلي الواسع على مناطق لبنان، وبعد المتغيّرات الإقليمية الكبيرة والخطرة والتي لم تثبت بعد على توجّه نهائي برغم سقوط النظام السوري بدعم خارجي واسع للمجموعات المسلحة التي كان يجري تصنيفها عل انها إرهابية وإذ هي تتربع على عرش السلطة في سوريا بعدما جرى تقديمه لها على طبق من ذهب، بعدما انفتحت أمامها أبواب العالم وخزائنه لدعم السلطة الجديدة. إذ لا تزال المنطقة تمرّ بمخاض صعب لحين تشكيل صورة وخريطة الشرق الأوسط الجديد.
لا شك انه في حال الفوز المرجح للقائد عون اليوم، ستبدأ حسابات الربح والخسارة لدى الأطراف السياسية اللبنانية، التي هي فعليا كلها خاسرة ثقة الناس وثقة الخارج بعد تضييع الفرصة تلو الفرصة لإنتخاب رئيس كان يمكن أن يتم بالتوافق الحاصل الآن وبعد أسابيع قليلة على شغور سدة الرئاسة. لكن للوهلة الأولى وفي «الحسابات الدفترية» السياسية يظهر التيار الوطني الحر الخاسر الأكبر لأنه وضع مسبقاً فيتو عريضاً وكبيراً على انتخاب قائد الجيش بسبب خلافات معه سابقاً حول أمور إجرائية، فعاد للتنسيق مع الرئيس بري وحزب لله والكتل الأخرى بهدف التوافق على شخصية أخرى غير عون، لكن يبدو ان التقاطع الخارجي كان أقوى من تقاطعات الداخل وفرض نفسه على الجميع بعد المتغيّرات الداخلية التي أعقبت الحرب والخارجية التي تعقب الوضع السوري الجديد.
لكن برأي بعض المتابعين من خارج قوى المعارضة، ثمة مفاجآت قد تحصل في الربع الساعة الأخير من جلسة الانتخاب إذا اتجهت كتل لبنان القوي والتنمية والتحرير والوفاء للمقاومة الى الاعتراض على ترشيح عون لحاجته الى تعديل دستوري أو لوجود مرشح غيره لديهم، وهي تضم 43 صوتاً عدا بعض النواب المعترضين المستقلين على ترشيحه أو عدم تعديل الدستور لإنتخابه، وهم يمثلون «الثلث المعطّل» للتعديل، ما يعني انه حتى أو جرى انتخاب العماد عون بالثلثين أو بـ 65 صوتاً وأكثر، فسيكون خارج التوافق والإجماع المطلوب وربما خارج الميثاقية.
وحسب بعض الاحصائيات مساء أمس، فقد يحصل عون على 78 صوتاً من دون أصوات الكتل الثلاث التنمية والتحرير والوفاء للمقاومة ولبنان القوي. وإذا انضمت كتلتا أمل وحزب لله (30 صوتاً) لإنتخابه يحصل على 108 أصوات.
فهل تحصل المفاجأة ذات الوجهين؟ وجه دعم الثنائي أمل وحزب الله له ومواكبة شبه الإجماع أو الأكثرية النيابية وإنتشال البلد من أزماته المتفاقمة؟ أم وجه الاعتراض واحتمال رفع الجلسة؟
ساعات ويطلع الضوء وتتضح الصورة كاملة اليوم بعد معرفة موقف الثنائي الشيعي.
غاصب المختار – اللواء