التأزُّم في الواقع السياسي بلغ أمس حدوداً تنذر بخضّات كبيرة قد تشهدها البلاد، إذ إن الانقلاب السعودي على التفاهم الذي أمّن انتخاب العماد جوزيف عون رئيساً بأكثرية ما فوق الثلثين جاء ضربة من خارج التوقعات. ومع اختيار القاضي نواف سلام لتشكيل الحكومة الأولى للعهد، بدا أن الخطوة ليست سوى رأس جبلِ صراعٍ كبير ستتكشّف فصوله، خصوصاً أن بعض القوى الداخلية أرادت هذا الاستحقاق كحصاد سياسي للحرب الإسرائيلية على المقاومة وبيئتها وجمهورها. ولم يكُن ما حصل سوى خديعة تعرّض لها كل من الثنائي حزب الله وحركة أمل، بعدما ركنا إلى تفاهم سبقَ جلسة 9 كانون الثاني، وباركته المملكة العربية السعودية كإطار لا يكسر التوازن في البلد وينأى به عن التورط في حرائق المنطقة، وهو الأمر الذي حدث عكسه.
ولأن الأمور أصبحَت واضحة، يجدر القول إن الفريق السياسي الذي يعمَل بإمرة الأميركيين قرّر أمس استغلال الفرصة للإطباق الكامل على مكوّن بكامله، في لحظة جنون لا يبدو أنه سينتهي عند هذا السقف، إذ ما يُفكّر به هؤلاء أيضاً هو إقصاء الممثلين الشرعيين للشيعة (بدليل نتائج الانتخابات النيابية) عن الحكومة المقبلة والاستعاضة عنهم بوزراء «شيعة» مستقلّين من جماعة السفارة الأميركية والادّعاء بأنهم تكنوقراط.
وعلى ما يبدو، فإن الخديعة لم تكن للثنائي فقط، إذ دلّت إشارات كثيرة أمس على أن الرئيس عون نفسه أصيب بالصدمة، وعبّر في أكثر من لقاء تشاوري مع النواب عن قلقه مما يحصل، وقال لكتلة نيابية: «وجدت نفسي أمام فرصة دولية وعربية للقيام بعملية إنقاذ كبيرة، وكان التفاهم سبيلاً إلى تسهيل الأمور، ولا أعرف كيف ستكون عليه الأمور، ولو أنني سأبذل جهدي مع الرئيس المكلف كي لا تُشكّل الحكومة بطريقة تهدد استقرار البلاد».
في كل الأحوال، لن يكون الانتظار طويلاً لمعرفة مسار عهد الرئيس جوزيف عون الذي «كانَ قلقاً من تسمية سلام ولا يزال، ولم يكن متحمّساً له» بحسب ما تقول مصادر بارزة. فالمشكلة التي يحاول حصرها البعض بأنها مع الشيعة فقط، خلفها أعواد ثقاب ستكون قابلة للاشتعال في أي لحظة بين عون وسلام على موضوع الصلاحيات. وتعمّد البعض «تكبير» صورة الانتصار السياسي لفريقه، تحت تأثير الوهم بإمكانية سحق حزب الله وبيئته، لن يتأخر ذلك كثيراً حتى تتبيّن تفاصيله التي تشير إلى أن كل طرف سيعود إلى زواريبه الضيقة في مقاربة حصته ودوره وموقعه في العهد الجديد الذي انطلقَ متعثّراً ومناقضاً لميثاق العيش المشترك.
وعلمت «الأخبار» أن بعض النواب الذين عملوا لمصلحة سلام، والذين سبق لهم أن عارضوا انتخاب عون، عبّروا هم أيضاً عن قلقهم من «محاولة البعض جرّ البلاد إلى مواجهة أهلية، وقد بادروا كما الرئيس المكلّف إلى فتح قنوات الاتصال مع الثنائي من أجل الدفع نحو تفاهم على تشكيل حكومة وحدة وطنية قادرة على إدارة البلاد في المرحلة الفاصلة عن الانتخابات النيابية المقبلة». كما تلقّى سلام نصائح بضرورة العمل «على منع استخدامه أداة مواجهة مع الشيعة أو مع المقاومة، وأن يبادر إلى وضع آلية تسمح بتوسيع دائرة الثقة بأي حكومة يشكّلها».