الأربعاء, يناير 15
Banner

أزمة ميثاقية تلوح في الأفق.. هكذا إنقلبت المواقف تجاه التكليف!

دخلت البلاد مرحلة جديدة مع إنتخاب العماد جوزيف عون رئيسا للجمهورية، وتكليف القاضي نواف سلام برئاسة حكومة العهد الأولى، وسط إعلان إنتصار ما كان يسمى “قوى المعارضة” التي تعاملت مع هذا الحدث وكأنها غريبة عن “أورشليم” السلطة وبدأت بالحديث عن الإصلاحات في المؤسسات والإدارات وإعادة بناء الدولة بشكل يوحي بأنها لم تكن في يوم من الأيام من ضمن هذه المنظومة السياسية التي خرجت منها ونقلت البارودة من كتف إلى كتف وركبت موجة الثورة والمعارضة.

في حين لاحت في الأفق أزمة ميثاقية تمثلت بإعتكاف الثنائي الشيعي عن التسمية وعن المشاركة في الحكومة بعدما أوحى النائب محمد رعد أن ثمة خديعة حصلت وتم بموجبها الانقلاب على الضمانات التي أعطيت قبل إنتخاب الرئيس عون، وأشار الرئيس نبيه بري إلى أن ما حصل ليس ما جرى الاتفاق عليه.

كلام الثنائي الشيعي أكد بما لا يقبل الشك، بأن الضمانات التي أعطيت من قبل رئيس الجمهورية ومن القوى الدولية والاقليمية الراعية لانتخابه تقضي بتشكيل حكومة برئاسة الرئيس نجيب ميقاتي، تقود مرحلة إنتقالية تجري فيها تفاهمات على الثوابت الوطنية وتقريب التيارات السياسية من بعضها البعض وصولا إلى الانتخابات النيابية في أيار من العام ٢٠٢٦، وبعد ذلك يصار إلى تكوين سلطة جديدة وتتشكل حكومة وفقا للتوازنات التي ستفرزها، وتشكل الانطلاقة الحقيقية للعهد نحو النهوض والإنقاذ.

وبناء على ذلك، بدأ الحديث بأن الاستشارات النيابية الملزمة سوف تحسم لمصلحة الرئيس نجيب ميقاتي المشهود له دوليا وإقليميا وعربيا بنجاحه في قيادة المرحلة الماضية وحفاظه على هيكل الدولة وأجهزتها ومؤسساتها ما ساهم في الوصول إلى إتمام الاستحقاقات الدستورية.

بعد إنتخاب الرئيس عون، بدأت ما كان يسمى “المعارضة” بحرب شعواء ضد الرئيس ميقاتي وهي شكلت إمتدادا للحملات والاستهدافات التي طالته طيلة الفترة الماضية بينما كان يبذل الجهود المضنية لحماية لبنان.

وتبين في هذا الاطار ووفقا للمعلومات أن القوات اللبنانية كانت تخفي ورقة نواف سلام، وهي سارعت إلى تبني ترشيح النائب فؤاد مخزومي الذي بدأ بسلسلة اتصالات مع الكتل النيابية لتأمين تكليفه، قبل أن يتبين أن ترشيح مخزومي كان عبارة عن مناورة قواتية بهدف إعطائه جرعة معنوية مكافأة له على إخلاصه للقوات التي ما لبثت ليلة الاستشارات أن إنقلبت عليه بطرح ترشيح نواف سلام.

فوجئ مخزومي بهذا الانقلاب، وبالرغم من إستضافته في منزله إجتماعا لأركان المعارضة (السابقة)، إلا أنه لم يقتنع بفكرة الانسحاب وإنتهى الاجتماع إلى نتيجة سلبية، بالرغم من التسريبات الإعلامية التي تولاها “الذباب الإلكتروني” بتوجه مخزومي نحو الانسحاب لمصلحة سلام.

لجأت القوات اللبنانية إلى الرعاة الدوليين والعرب الذين باشروا صباح يوم الاستشارات بإجراء الاتصالات الضاغطة أولا على مخزومي لسحب ترشيحه وقد رضخ لذلك، ومن ثم على الكتل النيابية التي بدلت مواقفها من دعم الرئيس ميقاتي إلى تسمية نواف سلام الذي نجحت الضغوطات في تهيئة جو عام إيجابي له خصوصا بعد وصوله إلى حدود الخمسين صوتا، حيث أيقنت الكتل النيابية المتبقية أن الأمور قد حسمت لصالحه ولم يعد هناك من ضرورة لمخاصمته والسير عكس الرغبة الدولية والعربية كونه بات بحكم الرئيس المكلف، فكان القرار بتسميته ما رفع رصيده إلى ٨٥ صوتا.

واللافت أنه للمرة الأولى في تاريخ الاستشارات يصار إلى تكليف رئيس حكومة وهو خارج البلاد، ما يؤكد أن سلام نفسه لم يكن يعلم بالاتجاه نحو تكليفه وإلا كان عاد إلى لبنان، وأن طرح إسمه أمر جرى تدبيره بليل.

ولا شك في أن موقف الثنائي الشيعي قد أربك عملية التكليف وإنعكس عليها سلبا، بالرغم من محاولة بعض الكتل النيابية التخفيف من وقعها، كما من شأن هذا الموقف أن يتسبب بأزمة تأليف، وكذلك فإن الخلفية الثأرية التي تتحدث بها الكتل النيابية قد لا تساعد على إنطلاقة طبيعية للعهد الجديد.

واللافت أيضا، أن الكتل النيابية التي قامت بتسمية سلام وبالرغم من حديثها المتنامي عن ضرورة إطلاق يده لتشكيل الحكومة سريعا، إلا أنها طوقت عنق الرئيس المكلف بجملة حصص وزارية حيث بدا كل منها غير مستعد للتخلي عن منطق المحاصصة الوزارية، وصولا إلى طرح تسمية وزير في الحكومة لكل خمسة نواب في الكتل النيابية، الأمر الذي سيضع الرئيس المكلف أمام معضلة إرضاء الأطراف التي دعمت تكليفه، فضلا عن الأزمة الكبرى التي سيواجهها في التعاطي مع الثنائي الشيعي المعارض لكل ما حصل.

هذا الواقع سيضع الرئيس المكلف أمام خيار من إثنين فإما القبول بالمحاصصة الوزارية التي تختلف مع قناعاته وثوابته، أو يتجه إلى العزوف على طريقة السفير الدكتور مصطفى أديب الذي أدرك بعد ثلاثة أشهر من التكليف أن ما يحصل في عملية التأليف لا يتوافق مع قناعاته!..

غسان ريفي – سفير الشمال

Leave A Reply