تشير السيرة الذّاتية لرئيس الحكومة المُكلّف نوّاف سلام أنّه آتٍ إلى الرئاسة الثالثة من بيت سياسي له تاريخ طويل في السّياسة اللبنانية والحياة العامّة، يمتد من جدّه علي سلام رئيس بلدية بيروت الأسبق والنائب في مجلس المبعوثان إبّان العهد العثماني، ووالده عبد الله سلام أحد مؤسسّي شركة “طيران الشّرق الأوسط”، وعمّه الرئيس الراحل صائب سلام الذي ترأس الحكومة اللبنانية 4 مرات ما بين 1952 و1973، وابن عمّه الرئيس تمّام سلام الذي ترأس الحكومة في الفترة بين العامين 2014 و2016، وصولاً إلى نسيبه، وزير الإقتصاد والتجارة في حكومة الرئيس نجيب ميقاتي الأخيرة، أمين سلام الذي لم يكتم، إنطلاقاً من إرث عائلته السّياسي، طموحه بالوصول إلى كرسي رئاسة الحكومة، قبل أن ترسو الإستشارات النيابية الملزمة، أوّل من أمس الإثنين، على إبن عائلته نوّاف.
إلى إرث عائلته التي لها حضور في أوساط “البيارتة”، يملك نوّاف سلام سيرة شخصية هامّة. فهو إلى كونه بدأ حياته كمحامٍ ومستشار قانوني، وأستاذ جامعي، إنتخب عضواً في المكتب التنفيذي للمجلس الإقتصادي والإجتماعي في لبنان ما بين 1999 و2002، وعيّنته الحكومة اللبنانية عام 2005 عضواً ومقرّراً في الهيئة الوطنية لإصلاح قانون الإنتخابات، قبل تعيينه سفيراً وممثلاً دائماً للبنان لدى الأمم المتحدة بين 2007 و2017 وممثله في مجلس الأمن، وصولاً لانتخابه في شباط العام 2024 رئيساً لمحكمة العدل الدولية في لاهاي.
لكن هل يكفي إرث عائلته “السّلامية” وسيرته الشخصية لينجح ويتمكن من تأليف الحكومة، ودخوله نادي رؤساء الحكومات، وتجاوز العقبات السياسية والميثاقية الكثيرة التي اعترضته منذ يوم تكليفه، أم أنّه لن يستطيع تجاوز حقل الألغام الذي سيسير فيه وصولاً إلى هدفه المنشود وهو تأليفه الحكومة العتيدة؟
ثلاثة إحتمالات على الأغلب يُتوقع لها أن ترسم مصير مهمّة نوّاف سلام، وهي كالتالي:
أولاً: نظراً للدعم الخارجي الكبير الذي حازه وجيّر له 84 نائباً سمّوه لمهمة تأليف الحكومة، يتوقع مقرّبون منه ومن داعميه والذين سمّوه في الداخل أن لا تطول فترة التأليف، إلى حدّ أنّ بعضهم ذهب به التفاؤل بعيداً وتوقع تأليف سلام لحكومته خلال 10 أيّام، خصوصا في ضوء كلمته “الإيجابية” التي ألقاها من قصر بعبدا بعد تكليفه تأليف الحكومة، وأعلن فيها مدّ يده للجميع.
ثانياً: أبدى مراقبون ومعارضون له ولطريقة تكليفه تشاؤماً، وتوقعوا أن تطول فترة التأليف أسابيع، وربما أشهراً، نتيجة إعتراضات داخلية عليه سيكون أبرزها من الثنائي الشّيعي وآخرين، والتي ظهرت أمس في مقاطعة الثنائي الشيعي الإستشارات النيابية غير الملزمة التي سيبدأها سلام اليوم في مجلس النواب كـ”رسالة إعتراضية”، ومن كتل وأطراف سمّوه يريدون أن يردّ الجميل لهم بإعطائهم حصّة ضمن حكومته المقبلة، وهي تعقيدات جعلت البعض يتساءل هل أنّ نوّاف سلام سيسير على خطى سلفه وقريبه الرئيس الأسبق تمّام سلام الذي استغرق 11 شهراً، بين 15 شباط 2014 و18 كانون الأول من العام نفسه لكي يُؤلّف حكومته، وجعل منها الفترة الأطول في تاريخ تأليف الحكومات في لبنان، أم أنّ الظروف التي رافقت نوّاف سلام وشخصيته مختلفة.
ثالثاً: يقارن البعض بين نوّاف سلام والسّفير اللبناني مصطفى أديب ليذهب إلى أنّ الرئيس المُكلّف قد يذهب إلى خيار مشابه لمصير سلفه. ففي 30 آب من عام 2022 كُلّف أديب تأليف الحكومة، لكنّه لم يلبث بعد 27 يوماً، في 26 أيلول أنّ قدّم إعتذاره عن التأليف “بسبب عدم تلبية شروط الكتل السّياسية بعدم تسييس التشكيل”، حسب قوله يومها. فهل سيسير سلام على خطى أديب وسيعتذر عن إكمال مهمته في حال لم ينجح فيها أو لم يجد تعاوناً كافياً في “وكر” دبابير السّياسة اللبنانية، خصوصاً إذا ما عُلم أنّ سلام وأديب قد أتيا إلى الحياة السّياسية من خارجها.
الأيّام المقبلة وحدها كفيلة بالكشف عن أيّ هذه الإحتمالات سيكون الأرجح.
عبدالكافي الصمد