خصر حسان – المدن
اختتم العام 2019 فصوله بالتأسيس لانهيار المنظومة السياسية والاقتصادية التي حكمت البلاد لنحو 30 عاماً. فالمعطيات السياسية والاقتصادية والنقدية، تدعم بلا شك، انتهاء المرحلة السابقة والدخول في مرحلة الخراب. وحتى ذلك الحين، أو حتى اجتراح المعجزات، يبقى التذكير بأبرز المحطّات الاقتصادية للعام 2020، ضرورياً للشهادة على عقم سياسات المنظومة، وعلى ضرورة تحرّك اللبنانيين لتغيير واقعهم.
حفر بئر نفطي في عهد حكومة ظل
حاولت المنظومة استقبال العام 2020 بزفِّ خبرٍ إيجابي بعد نحو شهرين صاخبين جداً شهدتهما البلاد عقب انطلاق انتفاضة 17 تشرين الأول 2019. إنّه عهد حفر أوّل بئر نفطية استكشافية، رأى فيها رئيس الحكومة حسان دياب، أنها “توسّع دائرة الأمل بتجاوز لبنان الأزمة الاقتصادية الحادة”. لكن سرعان ما تبيَّنَ أن تلك البئر غير فعّالة اقتصادياً. وبالتوازي، أقرَّ دياب وحكومته بالتطابق مع الحكومات السابقة التي أسقطتها انتفاضة 17 تشرين، وذلك من خلال تذرُّع حكومة دياب بأن “الإتيان بما هو جديد، يستغرق عدة أشهر”، فوافق على السياسات التي وضعتها الحكومة السابقة، بالاضافة إلى ما سُمّيَ بالورقة الاقتصادية. وكان ذلك مقدّمة لإعادة كتابة التاريخ على شكل مهزلة ومزيد من الأزمات. فأكّدت حكومة دياب بذلك أنها حكومة ظلٍّ للمنظومة التي سقطت حكومتها الفعلية في الشارع.
الفيول المغشوش وأزمة محروقات
دوَّت فضيحة الفيول المغشوش قويّاً وهدَّدت بانقطاع التيار الكهرباء المقنَّن. إذ جرى اكتشاف إتيان شركة سوناتراك الجزائرية بفيول مغشوش، من دون علم وزارة الطاقة. فحسب وزيرة الطاقة السابقة ندى البستاني فإن “عقد استيراد الفيول هو بين دولة ودولة، لكن شركة سوناتراك هي التي اختارت تزويد لبنان بالفيول عبر وسيط لبناني”.
والحقيقة تشير إلى أن الدولة اللبنانية سمحت للمستفيدين من كبار تجّار الفيول، بإدخال الفيول إلى لبنان لمصلحة مؤسسة كهرباء لبنان، من خارج إطار العقد الموقّع مع سوناتراك، والذي بدوره تشوبه الثغرات وعلامات الاستفهام. وهذا الإدخال الجانبي، يتّخذ صفة العجلة وبصورة استثنائية. لكن لغاية في نفس المستفيدين وبتستّر مريب من وزارة الطاقة، تحوَّلَ الاستثناء إلى قاعدة وانتشر الفيول المغشوش في معامل انتاج الكهرباء، ودخل الملف البازار السياسي، حتى أكّدت شركة سوناتراك عزمها عدم تجديد عقدها مع الدولة اللبنانية، بانتهاء العام 2020.
وبالتوازي مع أزمة فيول الكهرباء، شهدت البلاد أزمة شحّ المحروقات، سواء البنزين أو المازوت، ليتبيَّنَ أن الأزمة مفتعلة، وأبطالها أشخاص مدعومون من كارتيل المحروقات ومن أحزاب سياسية نافذة، على رأسهم الثنائي الشيعي، إذ حاز الجنوب اللبناني على المركز الأول في معدّل حجب المحروقات عن المواطنين، بفعل تخزينه ارتقاباً لارتفاع أسعاره.
تعليق دفع سندات اليوروبوند
كان من المفترض بخطوة تعليق دفع سندات اليوروبوند أن تكون إيجابية لناحية الحفاظ على العملة الأجنبية داخل البلاد، واستعمالها لتقليص الآثار الاقتصادية والاجتماعية السلبية، تمهيداً للخروج من الأزمة، عبر جملة من الاجراءات الاصلاحية، التي أكّد عليها المجتمع الدولي. لكن لا شيء من الإصلاحات أقرّ، وتحوَّل تعليق الدفع إلى قيود إضافية ونقطة سلبية في سجل الاقتصاد اللبناني، حين فقدت البلاد ثقة المستثمرين وأصحاب السندات. وقد اعترفت مصادر حكومية لـ”المدن”، بخطأ قرار عدم الدفع، لأن القرار عنى “انقطاع لبنان سياسياً واقتصادياً عن الخارج. كما عجزت الحكومة عن توفير شروط النهوض الاقتصادي الذي يصلح مقدمة لدفع قيمة السندات، بعد الاتفاق مع الدائنين على إعادة جدولتها”. وحتى اللحظة، لم تضع الحكومة آلية لاعادة الدفع، لأن فاقد الشيء لا يعطيه.
تفجير مرفأ بيروت
شكَّلَ تفجير مرفأ بيروت أحد أبشع الجرائم انسانية واقتصادية في تاريخ لبنان والعالم. فقد سقط آلاف الضحايا، بين أموات وجرحى ومتضرّرين، وزاد ذلك من معاناتهم الاقتصادية على المستوى الفردي، بالإضافة إلى المستوى العام، بعدما قدَّر البنك الدولي قيمة الخسائر الاقتصادية بين 6.7 و8.1 مليار دولار. وفصَّلَ البنك الأضرار بين أضرار في الممتلكات في المرفأ ومحيطه، وبلغت ما بين 3.8 إلى 4.6 مليار دولار، وبين خسائر اقتصادية خلّفها تراجع نشاط معظم القطاعات، وتراوحت قيمة الخسائر بين 2.9 إلى 3.5 مليار دولار.
إعتراف مصرف لبنان بالسوق السوداء
بعد انكار كامل للسوق السوداء ولقدرتها على التأثير في سعر صرف الدولار والليرة، ورفض حاكم مصرف لبنان رياض سلامة التدخّل لوقف ارتفاع سعر الدولار، بذريعة أن المركزي لا سلطة له على الدولار النقدي، أقرَّ سلامة بحقيقة السوق السوداء وتأثيرها على الدولار، وبالتالي أقرَّ بأن سعر السوق هو الأصدق تعبيراً عن القيمة الفعلية لليرة. وعليه، أصدر قراراً طلب فيه من المصارف تسديد قيمة السحوبات الدولارية للعملاء أصحاب الودائع التي تفوق قيمتها ثلاثة آلاف دولار – تسديد القيمة – بالليرة اللبنانية وفق سعر السوق. على أن سلامة جعل سعر السوق 3900 ليرة.
وبعيداً عن القيمة المعترف بها، إلاّ أن التخلّي عن سعر الصرف الرسمي 1515 ليرة، والانتقال إلى سعر أعلى ووصفه بأنه “سعر السوق”، هو اعتراف ضمني بتعدد الأسعار التي وصلت إلى نحو 10 آلاف ليرة للدولار الواحد، وتدور حالياً في فلك الـ8 آلاف ليرة.
تراجع عمل القطاعات وزيادة التضخّم
فاقمت قرارات الاقفال العام المترافقة مع انتشار فيروس كورونا، أوضاع القطاعات الاقتصادية سوءاً. فمن القطاع التجاري إلى القطاعات السياحية، جرى رفع الصوت مراراً، وصولاً إلى حد رفع سقف الاتهام للسلطة السياسية بتدمير الاقتصاد والقطاعات. فبنظر رئيس جمعية تجّار بيروت نقولا شمّاس، الحكومة الحالية “استلمت الدولار بـ2000 ليرة لبنانية، وستسلمه بـ10 آلاف ليرة”.
وفي قطاع الفنادق، تراجعت نسبة الإشغال إلى “ما بين 5 إلى 10 بالمئة”. فيما المطاعم والمقاهي واجهت انخفاضاً في حجم عملها، وصل إلى ما يزيد عن 70 بالمئة. وهذا التراجع في القطاعات، انعكس زيادة في معدّل البطالة، نظراً لإقفال الكثير من المؤسسات لأبوابها نهائياً، أو قلّصت عدد موظفيها.
ومستوى التراجع الاقتصادي وفقدان الليرة لقيمتها، فاقم معدّل التضخّم ليصبح لبنان في المرتبة الثانية عاليماً بعد فنزويلا، بمعدّل تضخّم وصل إلى 365 بالمئة. وسارع سلامة إلى طباعة المزيد من الليرة لتغطية نفقات الدولة، ما أفقَدَ العملة المزيد من قيمتها.
فشل سياسة الدعم
بعد هدر أكثر من 3 مليار دولار في محاولة للتخفيف من انعكاسات الأزمة الاقتصادية وانتشار فيروس كورونا، عن طريق ما سمّي بدعم السلة الغذائية ودعم استيراد الأدوية والقمح والمحروقات، خلصت المنظومة إلى بحث أفضل الطرق لوقف الدعم. لكن الخوف من التداعيات الاجتماعية وانفلات الشارع غضباً، جعل السلطة على لسان رياض سلامة، تبتدع صيغة تسمّى “ترشيد الدعم”، أي تقليص المبلغ المالي المرصود للدعم. لكن سلامة كان قد أكد أن الدعم في أحسن أشكاله، لن يطول إلى ما بعد نهاية العام. وليتّضح مع اختتام مسرحية الدعم والبطاقات التموينية والتمويلية التي جرى الحديث عنها، أنه لم يستفد من أشكال الدعم سوى 10 بالمئة من محتاجيه.
التفاوض مع صندوق النقد والتدقيق الجنائي
بعد سلسلة لقاءات فاشلة مع صندوق النقد الدولي، أكّد المتحدث باسم الصندوق، جيري رايس، أن لبنان “يحتاج إلى إجراء سلسلة من الإصلاحات الاقتصادية الهيكلية لزيادة الثقة واحتواء التضخم في الوقت الذي يتحرك فيه لدعم اقتصاده”. وبالتالي، لا مساعدات قبل الإصلاحات.
حاولت المنظومة الالتفاف على قرار الصندوق، عبر التعاقد مع شركة ألفاريز أند مارسال، لاجراء تدقيق جنائي، للايحاء بأن عجلة الاصلاح قد انطلقت. وسرعان ما جرت إعاقة العجلة برفض رياض سلامة تقديم المستندات المطلوبة للشركة، بحجة السرية المصرفية، فأعلنت الشركة انسحابها من العملية. عاودت المنظومة اقناع الشركة باستكمال عملها، لكن مع نهاية العام، لم يحصل أي تقدّم ملموس. فأدار صندوق النقد والمجتمع الدولي ظهورهم، بانتظار ما قد يحمله العام 2021، مع يقين بأنه سيكون أسوأ ممّا سبق.