محمد موسى صالح- باحث في الأدب العربي من الكويت
شغف العرب بالشعر وعشقوا مجالسه وحرصوا على حفظه ونسخ دواوينه، مما ساهم في توثيق الأحداث التاريخية وتدوينها على مدى العصور، حتى قيل أن الشعر ديوان العرب.
ولا شك أنّ الشعر يعدّ عماد تراث الأدب العربي، وقد عرّف أحمد حسن الزيات المتوفى عام 1968 في كتابه المميز الموسوم بعنوان “تاريخ الأدب العربي”، الأدب أنه كل ما أنتجته خواطر العلماء وقرائح الكتاب والشعراء، وعرّفه غيره بأنه إمساك من كل علم بطرف، ومعرفة كل ما يحترز به عن الخطأ. وتلك التعريفات والخصال قد اشتملت عليها القصائد المعروفة في التراث العربي.
وقد بدأ الشعر كظاهرة أدبية منذ عصر #الجاهلية، وهي الفترة التي بدأت القبائل العربية هجرتها من اليمن، واتخذ معظمها الأصنام آله من دون الله وهو سبب تسمية تلك الفترة بالجاهلية…
وأورد للقارئ الكريم تعاقب العصور في التاريخ العربي بدءاً مِن عصر الجاهلية، فتجد أن شعراء كل عصر تأثروا بقضايا وأحداث ودول ذلك الحين، فانعكست على مواقفهم وقناعاتهم وبالتبعية على قصائدهم.
العصر الجاهلي: دام نحو 175 سنة، وهي فترة بدأت بخروج القبائل القحطانية من اليمن بعد سيل العرم بحدود سنة 450 ميلادية وتفرقهم في أراضي الجزيرة والعراق والشام وظهرت فيها عبادة الأوثان فسميت بالجاهلية، وانتهت بظهور الاسلام عام 622 ميلادية، وبدأت في تلك الفترة تظهر ملامح الشعر العربي وبرز فيها فحولهم وبالأخص أصحاب المعلقات السبع، وأشهرهم وأقدمهم هو امرؤ القيس.
وما ميّز قصائدهم الشهيرة في تلك الفترة هو شعر المدح والفخر وذكر المعارك والملاحم، أمّا التغزّل بالنساء في مطلع معظم القصائد فهي عادة نهجها الشعراء مِن نسج الخيال في ذكر محاسن فتاة وهمية “عرائس الشعر”، كقصيدة كعب بن زهير في مدح المصطفى عليه افضل الصلاة وازكى التسليم والتي مطلعها (بانت سعاد….الخ)، والأمثلة لا تعد ولا تحصى.
وقد وصف الزيات أحوال العرب من سكان شبه الجزيرة العربية زمن الجاهلية بأن “جو الإقليم له أثّر في حياة السكان، فهو الذي ينهج لهم سَنَن معاشهم ونظام اجتماعهم، ويكوّن الكثير مِن اخلاقهم وطباعهم. كانت حياتهم الظعن والتجوال، وهمهم الجدال والقتال”، ولابن خلدون عبارات قريبة مِن ذلك، وتلك العبارة توجز لك الحالة الاجتماعية للشعراء آن ذاك، ولو كان الزيات حياً ما أظن أن مقالته بالامس كانت ستختلف في وصف حالنا اليوم!
وتلت الجاهلية عصور متعددة بداية من عصر البعثة النبوية والخلافة الراشدة ومن ثم توالت عصور دول الخلافات وهي:
– عصر خلافة بني أمية ومدته 88 سنة
– العصر العباسي ومدته بالتقريب 500 سنة
– العصر العثماني ومدته بالتقريب 600 سنة
– والعصر الحديث وبدأ مع انهيار الدولةالعثمانية، وبشكل عام توقف ابداع الشعر العربي وشهد انحداراً غير مسبوق منذ زمن السلاجقة وسيطرتهم على القصر العباسي زمن ضعف الخلفاء في بغداد، إذ لم يأبه أولائك السلاجقة بمتابعة ولا تشجيع أي أدب عربي نظراً لضعف لغتهم العربية وانصرافهم إلى اختصاصهم ومحل إهتمامهم وهو الحرب والقتال! واستمر ذلك إلى حين انحسار الخلافة العثمانية وهي مدة في مجملها قاربت نحو 800 عام، فكسدت صناعة الشعر ولم يجد لسوقه الأدبي رواجاً، ولم يلق له عند الحاكم مزاجاً. ولو اخذنا مقولة الأديب الوزير الصاحب بن عباد كمرجع لنا، فقد بدأ الشعر بملك (أمرؤ القيس /500 م – 540 م) وخُتم بملك ويقصد بذلك (الأمير ابوفراس الحمداني /932 م- 968 م) فهذه نحو خمس قرون فقط توجز لك مسيرة الشعر العربي في أوجد مجده التليد. وربما استثنى البعض الشاعر صفي الدين الحلّي (1277 م – 1339م) من زمن كبوة الشعر العربي خلال القرون المديدة التي تلت تلك المدة، لغاية نهوض الشعر من جديد في العصر الحديث على يد نخبة من الشعراء وعلى رأسهم أمير الشعراء #أحمد شوقي.
المصدر: النهار