خضر حسان – المدن
توسِّع المعطيات السلبية دائرة انتشارها مع اختتام سنة 2020. ولا تأتي الحركة السياسية الداخلية والخارجية بأي جديد على صعيد الحل، ليزيد ذلك من معدّل تراجع الثقة المحلية بإمكانية استثمار ما يمكن توفيره من أموال، في أي قطاع اقتصادي مُنتِج. فالسياسات الاقتصادية قطعت الطريق على باقي القطاعات، وفتحتها باتّجاه العقارات والتوظيف في المصارف، مشجّعة بهذا الإجراء، المضاربات العقارية وتبييض الأموال. لكن مع انفجار الأزمة، سَقَطَ كل شيء، وفي المقدّمة القطاع المصرفي.
بين المصائب والفوائد
شكَّلَ العام 2020 جردة حساب عن الأعوام الممتدّة منذ 1992، وأسَّسَ للنظرة المستقبلية المتشائمة، لما ستكون عليه البلاد، على الأقل في العام 2021. فعلى المستوى الاقتصادي، تراجعت كل القطاعات الاقتصادية التي كانت في الاًصل تعاني من غياب دعم الدولة وتوفير سبل البقاء ومنافسة البضائع الأجنبية الداخلة إلى لبنان على وقع الاحتكارات والاتفاقيات التجارية المجحفة. وانخفاض النشاط الصناعي والزراعي والتجاري، أدّى في ختام العام 2020 إلى انكمش النشاط الاقتصادي بنسبة 27 بالمئة. ويتوازى الانكماش مع انعدام المؤشرات على سداد ولو فتاتٍ من الدين العام المتراكم، والبالغ 95 مليار دولار، حتى نهاية الأشهر العشرة من العام الفائت. فيما تُقَلِّص التكاليف المترتّبة على الدولة لقطاعها العام فقط، امكانية النهوض، حيث تغرق الدولة بأكلاف موظفيها البالغة 4.3 مليار دولار، أي ما يوازي صرف 71 بالمئة من مجمل الإيرادات العامة. وذلك حسب احصائيات بنك بيبلوس.
وَقَعَ القطاع المصرفي في الحفرة التي شارك بحفرها لباقي القطاعات الاقتصادية، وإن لم يكن هو من اتّخذ القرار. لكن السياسات التي انغمس في تشجيعها عبر الفوائد المرتفعة التي تمتصّ السيولة الدولارية وتمنعها من التوجّه نحو التوظيف الانتاجي، سرّعت الانهيار، فأصابت شظاياه المصارف، ولم تعد النجاة من الأزمة ممكنة، إلاّ بإعادة هيكلة تطيح بالعدد الهائل للمصارف، وبالتأكيد، بدورها.
في مقابل مصيبة المصارف والاقتصاد، ارتفع معدّل الصفقات العقارية بنسبة 56 بالمئة. وكنتيجة طبيعية، ارتفع عدد تصاريح البناء الجديدة بنسبة 9 بالمئة. ويعود الارتفاع إلى حركة هروب الأموال الموجودة في خزائن الأفراد والشركات، نحو العقارات، حين لم تعد المصارف وجهة آمنة لحماية الأموال.
ومع انسداد أفق الحل السياسي، وبالتالي الحل الاقتصادي، ترتفع المخاوف من المزيد من الإجراءات التي تعرقل السحوبات النقدية من المصارف. فيصبح تحويل ما تيسَّرَ من موجودات محتجزة، أمراً ضرورياً، وأيضاً استغلال ما هو خارج المصارف، في استثمارات أقل خطورة، كالعقارات.
سوليدير في الساحة
زيادة النشاط العقاري عزّز مكانة شركة سوليدير في مقدمة الشركات العقارية. وهي التي تعمل على تطوير نفسها بواسطة سلسلة إجراءات رفعت من سعر أسهمها، وصولاً إلى 16 دولار بدل 7 و8 دولارات. ويُستدَل على نشاط الشركة الذي يعكس حركة سوق العقارات، من خلال تربّعها على عرش حركة التداول في بورصة بيروت، وذلك بعد تباطوء النشاط المصرفي، خصوصاً بعد امتناع المصارف عن سداد أرباح الأسهم التفضيلية، ما أدى إلى تراجع وضعها في البورصة وزيادة القلق حيال الثقة بتداول تلك الأسهم.
ورغم تراجع صافي أرباح سوليدير إلى 38 مليون دولار في النصف الأول من عام 2020، أي بنسبة 10 بالمئة، إلاّ ان التوقعات تشير إلى تعزيز دور الشركة في السوق، تزامناً مع زيادة النشاط في قطاع العقارات في المرحلة المقبلة.
الثقة المتزايدة في الاستثمار العقاري، ليست بعيدة تماماً عن العرقلة. فزيادة النشاط العقاري ضمن اقتصاد منكمش وعدم امكانية تشغيل العقارات، سيدفع حركتها إلى التباطؤ وأسعارها إلى التحجيم، وربما إلى الانخفاض مع عدم القدرة على البيع والشراء إلاّ نادراً. وهذا ما يهدد بتضخّم سوق العقارات. وإذا كان الإعراض عن تخفيض الأسعار لتحريك السوق، ممكناً في الماضي، فإن هذه الخطوة محفوفة بالمخاطر بسبب ترنّح الاقتصاد الكلّي. ما يجعل العقارات أموالاً مجمّدة إلى ما لا نهاية، بل عرضة للتناقص بفعل كلفة التآكل زمنياً، خاصة بالنسبة إلى الأبنية التي تحتاج إلى صيانة دورية، أي إلى كلفة بالدولار.
على أي حال، الحركة الإيجابية التي تسجّلها أرقام القطاع العقاري، ليست إلاّ فورة الضرورة التي يفرضها الخوف والقلق. لكنّها لا تعبّر عن ثقة تنعم بها البلاد. ما يعني أنّها حركة مرحلية غير مضمونة النتائج في العام 2021 وما يليه.