جاء في صحيفة النهار : كان متوقّعاً، أمس، أن يثبت الحدث اللبناني عند التطورات البالغة الخطورة لاتساع الانتشار الوبائي لفيروس كورونا في لبنان في ظل القصور الهائل والانكشاف المخيف لسلوكيات السلطة التي تركت الكارثة تحصل قبل أن تتحرك في محاولة متأخرة جدّاً لتحجيم الحجم الضخم للإصابات وربما بعد فوات الأوان. ولكن الحدث الوبائي على خطورته وجسامته لم يحجب الحدث الإقليمي البالغ السلبية حيال لبنان، والذي تمثّل في اقتحام إيراني وقح، بل لعلّه الأشد وقاحة، في تحدي مبدأ سيادة لبنان وعدم التوقف إطلاقاً أمام احترام الحد الأدنى من أصول التعامل بين الدول. موقف شديد الوقاحة يشكّل انتهاكاً فاضحاً لسيادة لبنان ولوجود الدولة كلها، أطلقه أحد قادة ” الحرس الثوري الإيراني” عشية الذكرى الأولى لاغتيال قائد لواء القدس في “الحرس الثوري الإيراني” الجنرال قاسم سليماني، اعتبر لبنان خط الدفاع الأول مع غزة عن ايران في مواجهة إسرائيل.
وقال قائد “القوات الجوية في الحرس الثوري الإيراني”، علي حاجي زادة، أنّ “كل ما تمتلكه غزة ولبنان من قدرات صاروخية، تم بدعم إيران، وهما الخط الأمامي لمواجهة “. وأضاف: “نحن نعلم جبهة المقاومة على صناعة صنارة الصيد، بدلاً من تقديم السمك، ولبنان وغزة يمتلكان تكنولوجيا صناعة الصواريخ”، لافتاً إلى أنّ “قدرات محور المقاومة لم تعد كما كانت قبل عشر سنوات، واليوم يطلق الفلسطينيون الصواريخ بدلاً من رمي الحجارة”.
وتابع مهدّداً: “لدينا أمر عام من المرشد، علي خامنئي، بتسوية حيفا وتل أبيب بالأرض، في حال ارتكبت أي حماقة ضد إيران، وعملنا طيلة السنوات الماضية لنكون قادرين على ذلك”، مشيراً إلى أنّ طهران “تدعم أي طرف يقف في مواجهة إسرائيل”.
هذا الانتهاك الفاضح والشديد الخطورة في امتهان العلاقات الديبلوماسية بين الدول رتّب سؤالاً كبيراً للغاية هو: “هل يصمت رئيس الجمهورية العماد ميشال عون عن هذا الانتهاك الموصوف؟ وأيّ تداعيات ستكون لهذا الإقحام المتعمّد للبنان في متاهات تصفيات الحساب للنفوذ الإيراني مع أميركا وإسرائيل في وقت تهرب إيران واذرعتها من مواجهة الهجمات الإسرائيلية على مواقعهم في سوريا؟ وماذا تراه سيعلن الأمين العام لـ” حزب الله” السيد حسن نصرالله مساء اليوم في ذكرى سليماني ما دام عنوان أمر العمليات الصادر عن الحرس الثوري أطلقه علي حاجي زادة؟”.
وأثار الكلام الإيراني ردود فعل من أبرزها لرئيس حزب الكتائب سامي الجميّل الذي قال: “برسم من لا يزال يتوهم ان بلدنا سيد ومستقلّ: لبنان واللبنانيون رهينة بيد إيران عبر “حزب الله” ويستعملاننا دروعاً بشرية في معركتهم التي لا علاقة لها بلبنان. الرئاسة والحكومة والمجلس النيابي شهود زور ويغطون وضع اليد على لبنان. باقون في المواجهة لنستعيد بلدنا وكرامة شعبنا ومستقبله”. وجدّد النائب السابق فارس سعيد دعوته رئيس الجمهورية ميشال عون إلى الاستقالة. وقال: “الحرس الثوري الإيراني يعلن قيادته لصواريخ لبنان في وجه إسرائيل، أين الدولة اللبنانية؟”. وأضاف: “فخامة الرئيس بصدق حرصاً على كرامتك وكرامتنا إستقل”.
وطالب “لقاء سيدة الجبل”، بعد اجتماع طارئ، رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة وقائد الجيش ومجلس الدفاع الأعلى بموقف واضح وصريح وعاجل ردّاً على إعلان قائد “الحرس الثوري الإيراني” أنّ صواريخ لبنان هي الخط الأمامي لمواجهة إسرائيل. كما حمّل “اللقاء” أمين عام “حزب الله” مسؤولية أي مغامرة عسكرية نيابة عن إيران يجعل من خلالها لبنان ساحة مواجهة أو صندوقة بريد لتبادل رسائل التصعيد التي تريدها جمهورية الملالي الخمينية وجد “اللقاء” موقفه الداعي إلى إطلاق مقاومة سيادية لإسقاط الهيمنة الإيرانية وسلاح “حزب الله” غير الشرعي.
وقال المستشار الإعلامي للرئيس المكلّف سعد الحريري حسين الوجه: “لبنان لم ولن يكون الخط الأمامي في المواجهة عن إيران واللبنانيون لن يدفعوا أثماناً عن النظام الإيراني مع هذا يصرّ بعض المسؤولين الإيرانيين على التعامل مع لبنان كمقاطعة إيرانية”.
الاقفال والكارثة
أمّا في الملف الوبائي، فبدا لبنان غداة عيدي الميلاد ورأس السنة منزلقاً بقوّة نحو كارثة غير مسبوقة. وحيال خروج كورونا وإصاباته عن السيطرة، رفعت الجهات المعنية، الطبية والصحية، الصوت، مطالبةً الدولة بالتحرّك سريعاً، لمنع رقعة الأزمة من التوسّع أكثر. واجتمعت عند الحادية عشرة من قبل الظهر، اللجنة الفنية المكلفة متابعة ملف كورونا، لمواكبة آخر الارقام والتطورات وخصوصاً ما يتعلق بالمستشفيات وقدرتها الاستيعابية وتحديداً في العناية الفائقة. ورفعت توصية بالإقفال التامّ إلى اللجنة الوزارية التي ستجتمع برئاسة رئيس حكومة تصريف الاعمال حسان دياب عند العاشرة من صباح الإثنين المقبل لاتخاذ القرار النهائي في هذا الشأن. وقد تبيّن أنّه لا حاجة لاجتماع المجلس الأعلى للدفاع للبت في هذا الموضوع، على أن يبدأ الاقفال العام في السابع من كانون الثاني الحالي.
وأُفيد أنّ أبرز توصيات لجنة متابعة التدابير الوقائية لفيروس كورونا الإقفال من 3 إلى 6 أسابيع مع منع تجوّل تامّ، على أن يتمّ استثناء الصيدليات وأماكن الطعام ومن ثمّ إقفال جزئي وفق المناطق التي ترتفع فيها الإصابات. ومن التوصيات التي رفعت أيضاً تقليص عدد الطائرات والوافدين في المطار كما حصل مع إعادة فتحه بعد الإقفال الأول وإعادة فرض الـPCR على المطار لجميع الوافدين مع الحجر الالزامي بالإضافة إلى دعم المتضرّرين من الإقفال. يشار إلى أنّ وزارة الصحة سجلت، أمس،2520 إصابة بكورونا وعشر حالات وفاة. وسجل امتداد طوابير السيارات في صفوف طويلة أمام عدد من المستشفيات لإجراء الفحوص، وبلغت قدرات مستشفيات ذروتها في إجراء الفحوصات.
وكانت لجنة الصحة النيابية، اقترحت بعد اجتماعها أمس، الاقفال لمدة ثلاثة أسابيع للحد من ارتفاع الاصابات بكورونا وإعطاء فرصة للقطاع الطبي. ولفتت، في بيان، إلى أنّ “لجنة الصحة ومع عمق استشعارها بما يخلّفه الإقفال من تراجع إضافي على الصعيد الاقتصادي في ظل البطالة المستفحلة، إلّا أنّها ترى أن ذلك يصبح مبرّراً أمام الحالة المرعبة في ارتفاع ارقام المصابين بالوباء وفي نسبة الإشغال المرتفعة في المستشفيات كافة”. وشدّدت اللجنة على “ضرورة قيام السلطات المعنية بالتشدد في تدابير الإقفال نظراً لما يخلّفه التساهل من نتائج مدمرة على صعيد تزايد الإصابات”.