جاء في صحيفة ” الجمهورية ” : بديهي القول مع سلطة متخبّطة إنّها ستنتهي الى الفشل مع أيّ إجراء تتخذه، أو أي خطوة تقوم بها حتى ولو كانت سطحيّة، على أنّ الطامة الكبرى في أنّ فشلها لا تحصده هي وحدها كما يفترض، بل يحصده كل البلد، على ما حصل في الإجراءات المرتبكة التي اتخذتها منذ بدء ظهور “كورونا” وحتى اليوم، وساهمت فيها في تفاقم هذه الجائعة الى الحَد المُرعب الذي بلغته، وجعل اللبنانيين جميعهم أهدافاً سهلة لهذا الفيروس الذي صار يسجل يومياً أرقاماً قياسية بالآلاف لعدد الحالات.
واذا كانت السلطة تحاول ان تعالج مشكلة كبرى بإجراءات ثبت أنّها قاصرة صادرة عن عقليّة مراهقة أمام خطرٍ في منتهى الجدية لا يرتبط فقط بحياة اللبنانيين بل بمصير البلد، فها هي اليوم تحاول أن تبدو وكأنها شَمّرت عن سواعدها لدخول معركة قاسية مع الوباء، وكذلك مع المستهترين من المواطنين أمامه، وهو “تشمير” لطالما خَبره اللبنانيون في المحطات السابقة لقرارات الاقفال المتتالية، وكانت نتيجته الخيبة والإحباط، بعدما يتبيّن للبنانيين أنّ هذه “النخوة” على الفيروس ما كانت سوى عراضة تمهّد لإجراءات فولكلورية وقرارات استنسابية فارغة، والسلطة أوّل الهاربين من تنفيذها كما يجب. وتِبعاً لذلك، فإنّ ما يخشى منه مع القرارات الجديدة التي أوصت بها السلطة بإقفال البلد لـ3 اسابيع، هو أن تعود هذه السلطة الى استنساخ نفسها، او بالأحرى فشلها، وتكرار الفشل معناه المزيد من الوهن في الجسم اللبناني، والمزيد من المناعة للفيروس والدفع به للفتك أكثر باللبنانيين.
إجتماع السرايا
وعلى وَقع تزايد عدد الاصابات بكورونا الذي سجّل أمس 2861، اجتمعت اللجنة الوزارية الخاصة بـ” كورونا” في السرايا الحكومية برئاسة رئيس حكومة تصريف الاعمال حسان دياب، واتخذت قراراً بالاقفال التام لـ3 اسابيع، بدءاً من يوم بعد غد الخميس ولغاية 1 شباط المقبل، على ان يترافق مع حظر للتجول اعتباراً من السادسة مساء وحتى الخامسة فجراً.
وأعلن وزير الداخلية والبلديات في حكومة تصريف الاعمال محمد فهمي، بعد اجتماع، أنّ قرار المفرد والمزوج المتعلق بسير الآليات سيتم تطبيقه خلال فترة الاقفال المقبلة.
وتمنى على كل مواطن أن ينفذ التعليمات ومساعدة القوى الامنية لتنفيذ هذه التعليمات لمواجهة تفشي الوباء، مشيراً الى انه سيتم تقليص عدد الوافدين من خلال آلية معينة.
وعن عدم فعالية قرار المفرد والمزوج، أوضح فهمي أنه كان من الأفضل لو طبّق المواطن التوجيهات المعطاة له بهذا الخصوص، عندها كان القرار قد أعطى نتيجة أفضل.
رصد 20 كانون
في الجانب الآخر للصورة اللبنانية، يتبدّى التمَوضع السياسي العام في مواقع الرصد لمحطة 20 كانون الثاني الجاري، ومدى انعكاس
حفل التسليم والتسلّم بين إدارة اميركية راحلة وإدارة جديدة آتية، على الوضع اللبناني، خصوصاً انّ بعض الاطراف المعنيين بالملف الحكومي قد منّوا أنفسهم بأنّ لعملية الانتقال بين الإدارتين الأثر المباشر على لبنان سواء أكان ايجابياً او سلبياً، وعلى أساس الايجابية او السلبية تتحرّك عجلة تأليف الحكومة في هذا الاتجاه او ذاك.
على أنّ الجواب المُسبق لهذا الرصد، تقدّمه مصادر ديبلوماسية خبيرة في السياسة الأميركية، وفيه “انّ المشهد اللبناني أفرز حقيقة لا يَرقى إليها الشك، بأنّ ذهنيّات تعطيل الحياة في لبنان سياسياً وحكومياً واقتصادياً ومالياً ونقدياً واجتماعياً ومعيشياً، قد هربت من خوائها وعجزها، الى الشراكة كلّ بحسب رغباته، في إدخال لبنان أقلّه حتى الـ20 من الشهر الجاري، في جمود أشبَه بالموت السريري، مُستجيبة بذلك الى نصائح القارئين في فناجين الخفّة السياسيّة، التي أوهَمت متلقّي النصيحة بأنّ للبنان مكاناً في الاستحقاق الأميركي”.
وتؤكد المصادر على “انّ ما يجب ان يضعه اللبنانيون في حسابهم، أنّ محطة 20 كانون الثاني لن يكون لبنان حاضراً فيها لا من قريب ولا من بعيد، ومن الخفة الاعتقاد انّ هذا التاريخ سيحمل سلبيات الى لبنان، وقمة الخفة هي اعتبار انّ انتقال السلطة من دونالد ترامب الى جو بايدن سيكبس زر انتقال لبنان من حال انفجار شامل لكل مستوياته وقطاعاته الى الإنفراج. فكلا الأمرين يجافيان كل الوقائع والدلائل
والحقائق التي تؤكد أنّ لبنان بالكمّ الهائل لأزماته يكاد لا يُرى بالعين المجرّدة الأميركيّة لا السابقة ولا الجديدة، ولا مكان له في أجندة أولويات الادارة الاميركية الجديدة على الاطلاق، وثمّة إشارات كثيرة بهذا المعنى وردت الى أكثر من مسؤول لبناني من جهات غربية وحتى أميركية ديبلوماسية واستخباراتية”.
برميل بارود
عملياً، صار حدث الانتقال بين إدارتين أميركيتين على مسافة أسبوعين، وعلى ما تؤكد مصادر في لجنة الشؤون الخارجية النيابية “أنها فترة لا مكان للعمل السياسي فيها، ولبنان كما هو واضح قد دخل مع بداية السنة الجديدة في مرحلة انعدام الرؤية، في ظل مشهد ضبابي خانق يغطي المنطقة بأسرها يُخشى من استبطانها سيناريوهات مدمّرة تُنذِر بها “حرب التهديدات” التي تقرع طبول الحرب العسكرية من الولايات المتحدة الى ايران والخليج، وكذلك التقارير السياسية والديبلوماسية الدولية التي تتحدث عن تطورات واحتمالات شديدة الخطورة”.
وتُبدي المصادر قلقاً بالغاً من تطوّر الامور التي قد لا يبقى فيها لبنان ساحة لتلقّي الارتدادات، بل قد تحوّله الى ساحة مواجهة مباشرة. وقالت: كل المنطقة قد دخلت في منطقة القلق الكبير قابعة فوق برميل بارود، الولايات المتحدة تهدد، ايران تعلن البدء بتخصيب اليورانيوم، اسرائيل تستدعي الاحتياط وتهدد لبنان كما تهدد بمنع ايران من إكمال برنامجها النووي، الأوروبيون قلقون، والوضع بشكل عام مفخّخ بجَمر حارق تحت الرماد، وثمّة خوف من انفجار في أي لحظة وسط استنفار قائم، التهديدات المتبادلة والاستعدادات العسكرية تتأهّب لحدثٍ ما، من ايران الى العراق الى الخليج وصولاً الى لبنان حيث تؤكد تقارير دوليّة أنّ حال الجهوزية والاستعدادات للمواجهات لم تعد خافية على جانبَي الحدود الجنوبية بين الجيش الاسرائيلي و”حزب الله”.
سياسياً، لا مجال على الاطلاق لحصر العقد والتباينات، واذا كان اللبنانيون قد التقوا في نهاية السنة الماضية على الدعاء والابتهال ومُناجاة الرسل والانبياء والأولياء وحتى الروح القدس، بأن تكون السنة الجديدة أرحَم عليهم من السنة الماضية، الّا انّ واقع الحال اللبناني قد سبق كل الأدعية والابتهالات ودوّر كل الأزمات ومآسيها الى السنة الجديدة، ودوّر معها كل التعقيدات المفاقمة لها، وكلّ الأسباب المانعة لتشكيل الحكومة. والفضل في ذلك يعود بالتأكيد الى طبقة الحكام التي قدّمت أسوأ نموذج في الحكم، بأداءٍ انعدمت فيه المسؤولية والاخلاق السياسية بالكامل، و”استرخَص” البلد وأهله، ودأب على محاولة اغتياله.
الحريري – باسيل
حكومياً، حتى الآن ليس في اليد عنصر إيجابي يمكن البناء عليه لافتراض أنّ المسار الحكومي المعطّل سيشهد في المدى المنظور انحرافاً من الاختلاف الى التفاهم بين رئيس الجمهورية العماد ميشال عون والرئيس المكلّف سعد الحريري على شكل حكومة الثلث الثالث من الولاية الرئاسية، ومضمونها، وحجمها، وحصصهما فيها وسلسلة اللقاءات التي عقدت بينهما خَلصت الى افتراق كلّي في النظرة الى الحكومة الجديدة، وتَمترس كلّ منهما خلف طروحات يعتبرها الآخر تعجيزيّة وغير قابلة للصرف.
واذا كان الجمود هو سيّد الموقف على الحلبة الداخلية، إلّا أنّ الفترة الاخيرة، وبحسب معلومات موثوقة لـ”الجمهورية”، شهدت حركة مشاورات خارجية بهدف إنقاذ ملف تأليف الحكومة، أفضَت في خلاصتها الى اقتراح فرنسي متجدد، على شكل نصيحة للرئيس المكلف بعقد لقاء بينه وبين رئيس “التيار الوطني الحر” النائب جبران باسيل، للوصول الى تفاهمات مشتركة تُعجّل في تشكيل الحكومة.
وبحسب المعلومات، انّ الاقتراح الفرنسي لا يفرّق بين أن يعقد اللقاء بين الحريري وباسيل بصورة علنية او بعيدة عن الاضواء، المهم ان يحصل اللقاء لحل الخلافات وصولاً الى تشكيل حكومة.
وفي المعلومات المحيطة بهذا الاقتراح انه يأتي في ظل انكفاء فرنسي عن تأدية أيّ دور مباشر حول الملف الحكومي في المرحلة الراهنة، ربطاً بالتطورات الفرنسية التي أخذت طابع الاولوية على ما عداها في الايليزيه.
ويتقاطَع ذلك مع ما أكدته لـ”الجمهورية” مصادر ديبلوماسية من باريس، التي نقلت من العاصمة الفرنسية أجواء تفيد بأنّ باريس منكفئة عن الملف اللبناني حالياً، وقد يطول انكفاؤها لأنّ الايليزيه وصل الى قناعة انّ اللبنانيين ليسوا جَديّين في التعاطي بمسؤولية مع ملفات الازمة اللبنانية. فضلاً عن أنّ عاملاً جديداً فرضَ الانكفاء الفرنسي، وهو أولوية مواجهة كورونا الذي يضغط بثقل كبير جداً على الادارة الفرنسية. والوضع نفسه ينطبق على كل دول الاتحاد الاوروبي، التي تؤكد على أولوية مواجهة كورونا، فيما الملف اللبناني، وإن كان ضمن جدول اهتماماتها، الّا انه أصبح خارج نطاق الاولويات.
تشاؤم عربي وغربي
وفي سياق متصل كشفت مصادر واسعة الاطلاع لـ”الجمهورية” أنّ ”تواصلاً جرى بين مسؤول غربي كبير ومسؤول لبناني، خلال فترة الاعياد، عكسَ نظرة تشاؤمية حيال مستقبل الوضع في لبنان، ولوماً شديداً لِما سمّاه عدم مصداقية اللبنانيين وتخلّفهم عن تَحمّل مسؤولياتهم تجاه لبنان، وتضييع الفرصة التي أتاحتها المبادرة الفرنسية، والتي بدأ بعض القادة في لبنان يَتعاطون معها وكأنها قد انتهت، من دون أن يكون في أيديهم بديل عنها.
هذه الصورة التشاؤمية أشارت اليها أيضاً الأجواء في جامعة الدول العربية، حيث كشفت مصادر موثوقة لـ”الجمهورية” انّ أحد السفراء العرب نقل الى كبار المسؤولين في لبنان انّ المداولات التي أعقبت زيارة الامين العام المساعد لجامعة الدول العربية حسام زكي الى بيروت لم تكن مريحة تجاه الوضع في لبنان، وانّ الخلاصة التي تَلقّتها الجامعة لم تكن مشجّعة بل مُقلقة، إذ تَبدّت أمام زكي الفروقات الشاسعة بين اللبنانيين، وصعوبة الوصول الى تشكيل حكومة، بل انه لم يسمع سوى كلام عام، امّا في التفاصيل فالفروقات عميقة جداً.
أمر معيب
حيال هذه الأجواء سألت “الجمهورية” أحد كبار المسؤولين المعنيين بملف التأليف: فقال: “صرنا نستحي من أنفسنا، ولم يبق لدينا ما نقوله، وإن حكينا “يزعلون”، فليزعلوا… لا احد منهم يشعر بوَخزة ضمير حيال هذا التعطيل فيما عمر البلد يقصر يوماً بعد يوم، واحتياطنا ينفد ولن يدوم لاسابيع قليلة إن لم تتشكّل حكومة تباشر البحث عن مخارج للأزمة، ووضع البلد بشكل عام كأنه يتحَضّر لأن يدخل الى الفرن ليُشوى! ومع ذلك، لا احد يتكلم مع احد، ولا احد يبادر تجاه أحد، هذا معطّل في الداخل، وذاك معطّل في الخارج، ولا احد يملك اي فكرة عما قد يحصل. أنا أصبحتُ على يقين بأن الحكومة لن تتشكّل”.
ويضيف: “منذ اللقاء الاخير بين رئيس الجمهورية والرئيس المكلّف الذي عُقد قبل عيد الميلاد، لم يتحرّك ملف التأليف على الاطلاق، من دون أن يقدم أيّ من الرئيسين تفسيراً لهذا التجميد المتعمّد الذي هو قمة في الهروب من المسؤولية وقمة التعالي على البلد وأهله ، فما يحصل في ملف التأليف أمر معيب، وجريمة بحد ذاتها أن تتعطّل حكومة يُراد لها ان تكون إنقاذية لواقع لبناني مرير، بأسباب وشروط ومصالح شخصية، وجريمة أيضاً أن ينكفىء المسؤول عن واجبه، ويتشَبّث بصَغائره، فهل يعلم معطّلو الحكومة انّ المواطن قد قرفَ من هذا المَنحى، واشمأزّ من هذه السياسات، ولا تعنيه لا صلاحيات ولا بُكائيات على الدستور والمعايير، بل يعنيه أمر وحيد فقط وهو متى سيصبح المسؤولون مسؤولين بالفِعل يؤمن لهم في إدارة شؤون الدولة.
وخَلص المسؤول الى القول: لن أتفاجأ أبداً إن عاد الشارع الى الاشتعال، لا بل أكثر من ذلك أنا أتوقّع تحرّكات على الارض قد لا تقتصر على فئة المحتجّين الذي نزلوا الى الشارع في 17 تشرين 2019 بل ستشمل فئات أخرى، وسيكون لها حضور فاعل في الشارع الذي قد يأخذ مساراً آخر في الاحتجاج اذا استمر الحال على ما هو عليه.
مخالفة الدستور
ويلفت المسؤول عينه الى أنهم يَتباكون على الدستور، فيما هم يخالفونه جهاراً نهاراً، والمِثال صارخ أمام الجميع في عدم انتخاب بدائل عن النواب الثمانية المستقيلين الذين تُليت استقالاتهم في المجلس الينابي في 13 آب الماضي وصارت نافذة منذ ذلك التاريخ، ومع ذلك يتم التعاطي مع هذا الانتخاب بتَجاهل كلّي في مخالفة صريحة للدستور المادة 41 التي تنصّ على ما حرفيّته “إذا خَلا مقعد في المجلس يجب الشروع في انتخاب الخلف خلال شهرين”، علماً أنه قد مضى شغور مراكز النواب المستقيلين حتى الآن نحو 4 أشهر.