خالد ابوشقرا – نداء الوطن
يظهر لبنان في الشكل، كحالة نموذجية لإسقاط تطبيق currency board عليه. فهو يعاني من إنفلاش هائل في الكتلة النقدية بمفهومها الضيق يتراوح بين 1500 و2000 مليار ليرة شهرياً، تضخم مفرط تجاوز 371 في المئة، وتمويل كل المصاريف، بما فيها عملية سحب الودائع، بالطباعة. بحيث ان كل زيادة في العامل الاول تؤدي إلى ارتفاع في الثاني والعكس صحيح. وهكذا دواليك، ترتفع معدلات التضخم وينهار معدل الصرف والقدرة الشرائية. وهي عملية لن تتوقف إلا بوقف طباعة العملة.
صندوق تثبيت القطع
بعد نحو نصف سنة على انفجار الأزمة النقدية وتحديداً في أوائل تموز من العام 2020، إقترح “طبيب العملات” ستيف هانكي إنشاء currency board أو ما يعرف تقنياً في اللغة العربية بـ “صندوق تثبيت القطع”. هانكي ضمن أن تنتهي الأزمة النقدية المتمثلة بارتفاعات مطردة بسعر الصرف، (لامس وقتها 9 آلاف ليرة)، في غضون 24 ساعة. وأن ينخفض التضخم إلى معدلات نجدها في الولايات المتحدة الأميركية. الفكرة من الاقتراح بسيطة، وهي لا تتطلب بالمعنَيين الواسع والعام إلا عنصرين اثنين: كف يد المركزي عن طباعة النقود، وإيكال العملية إلى جهة اخرى “هيئة” أو “صندوق” يطبع كمية من الليرات بمقدار ما يدخل البلد من دولارات. وبهذا الشكل تكون الليرة اللبنانية مدعومة بنسبة 100 في المئة باحتياطي الدولار، ويتم تحديد سعر صرف ثابت من دون قيود على عمليات الصرف والتحويل. ويتم في المرحلة اللاحقة للاقرار باعتماد هذه الآلية، تحرير سعر الصرف. بحيث من المتوقع ان يبيع المواطنون ما في حوزتهم من دولار لانه سينخفض حكماً. من بعدها بفترة شهر يحدد الخبراء سعر الصرف المناسب، ليستقر بعدها كل شيء. حيث يبنى السعر الجديد على القاعدة التالية: كمية الدولار الموجودة = النقد المتداول بالليرة + نسبة محددة من قيمة الودائع بالدولار (قد تكون 10 في المئة أو اكثر أو أقل) مضروبة بسعر الصرف المعتمد ومقسومة على سعر الصرف أي FX AMOUNT = MO+%CD/EX RATE.
الصندوق لا يؤمّن السيولة
في المقابل يرى الخبير المالي هنري شاوول ان هذا الاقتراح لا يصلح للتطبيق في لبنان، أقله قبل حل الأزمة المصرفية وسد الفجوة الهائلة بالعملة الأجنبية التي احدثها تثبيت سعرالصرف المصطنع والنظام الاقتصادي المتبع. “فمنذ انفجار الازمة، أي منذ سنة ونصف ونحن ننادي بضرورة تأمين الحل الشامل تحت مظلة صندوق النقد الدولي. لكن من دون جدوى”، يقول شاوول. “حيث من المفروض حل الأزمة المصرفية بادئ ذي بدء. من ثم نعود ونفكر ملياً وبهدوء باعتماد صندوق تثبيت القطع. خصوصاً ان اعتماد هذه الآلية في ظل هذه الظروف لن يحل الأزمة المصرفية ولا المالية، وسيؤدي إلى توقف التمويل من مصرف لبنان، وتنفيذ “هيركات” على الودائع بشكل كبير جداً”. هذا لا يعني طبعاً بحسب شاوول ان “غير اقتراحات لا تحمل “هيركات” على المودعين، انما المقصود ان هذا الاقتراح لا يحل الازمة المتمثلة أولاً وأخيراً في فقدان السيولة بالعملة الأجنبية، ومن الممكن ان يعقّد حصول لبنان على المساعدة من الجهات الخارجية حيث ستبقى بقية الامور كما هي عليه”.
ينطلق شاوول في مقاربته من مبدأ أهمية أو ضرورة الحصول على الدولار الحقيقي لتغطية الكتلة النقدية على طول الطريق وصولاً إلى M4. وللتوضيح فان الكتلة النقدية مقسمة على الشكل التالي:
م1 = العملة المتداولة + الودائع تحت الطلب بالليرة اللبنانية.
م2 = م1 + الودائع لأجل بالليرة اللبنانية.
م3 = م2 + الودائع المقيّمة بالعملات الأجنبية.
م4 = م3 + الحيازات غير المصرفية من أذون الخزانة.
المشكلة برأيه اننا في لبنان لا نمتلك ما يكفي من الدولارات للقيام بذلك. من المحتمل أن يكون لدينا ما يكفي لتغطية م2 فقط. وسنضطر إلى تضمين كامل المخزون من الذهب وتسييله. هذا اذا افترضنا أيضاً أن الأرقام التي تم إعطاؤها من مصرف لبنان صحيحة. وموجودة كلها نقداً. وهذا ما يتطلب أيضاً إقرار قانون “كابيتال كونترول” على الفور. خلافاً لذلك، سوف يقوم الناس بأوسع عملية تحويل إلى الدولار لعلمهم بوجود كميات غير كافية.
شراء الوقت!
من ناحية اخرى يرى شاوول ان تغطية كل الطرق إلى M4 يعني تنفيذ هيركات كبير جداً على الودائع وخصماً ضرورياً على EUROBONDS من دون تعويض المودعين. وبشكل غير منصف. والسؤال الأبرز من وجهة نظره هو: من أين نحصل على تدفق الدولار الأميركي الحقيقي منذ اليوم الاول لاعلان اعتماد مثل هذا النظام للحفاظ أو الدفاع عن سعر الصرف الجديد؟ هذا من جهة أما من جهة أخرى فان اعتماد صندوق تثبيت القطع يفترض غياب التمويل من البنك المركزي ما يعني ان على المالية العامة ان تكفي نفسها ذاتياً، وأن تكون لها إمكانية الوصول للأسواق المالية العالمية؛ وهذا ما لا ولن يتوفر ولا يمكن للصندوق حل هذه المعضلة فوراً. كما انه من قال إن “مستوى سعر الصرف الجديد سيكون هو المستوى الصحيح؟ وأن العمل على الاصلاحات المالية والاقتصادية يجري على قدم وساق وبجدية ما ينفي الحاجة للوصول الفوري إلى العملة الصعبة. أو تخفيض الطلب عليها؟”.
انطلاقاً من هذه التساؤلات التي من الواضح انها لن تترافق مع اعتماد السلطة نظام حوكمة موثوقاً وقادراً، يعتبر شاوول ان اقتراح صندوق تثبيت القطع في مثل هذه الظروف يؤدي إلى شراء المزيد من الوقت. وهو سيكون مقبولاً من السياسيين لعلمهم المسبق بصعوبة تنفيذه ولتجنب مواجهة الأزمة التي أحدثها تثبيت سعر الصرف عند حدود 1515 لفترة طويلة. حيث من غير المستبعد ان يتلقفوه ويسوقوه لكي يهربوا من الاصلاحات المطلوبة المفروض تنفيذها. في الوقت الذي يعتبر فيه شاوول ان هذا الإجراء لن يكون إلا ربطاً جديداً مقنّعاً للعملة سيتم تنفيذه بطريقة غير مفهومة فقط لإخفاء أخطاء الماضي، ويقترح في المقابل تعويم سعر الصرف، حيث تبقى طريقة أكثر مرونة تسمح بتعديل الأساسيات الاقتصادية.
“العصف الذهني” الذي يقوم به الخبراء وتجميع الأفكار والمقترحات وتحليلها.. جهود تتلاشى على أعتاب السياسيين. حيث ما يصلح للحل هو ما يلائم مصالحهم ومنافعهم واستمرارهم في مواقعهم، ولو كان ذلك على حساب مستقبل الوطن ورفاه مواطنيه. وعليه فان الليرة ستبقى عالقة في “نفق رياح” تغييب الاصلاحات وحرق الاحتياطي.. مسببة المزيد من التضخم وضياع القدرة الشرائية.
يشكل كسر الحلقة المفرغة من طباعة العملة والتضخم التي دخل فيها لبنان هدفاً للخروج من الأزمة النقدية. البعض يقترح currency board كحل وحيد، فيما البعض الآخر يعتبر ان هذا الحل لا ينطبق على لبنان والخلاص لا يأتي إلا بالعودة إلى الأساسيات.