سابين عويس – النهار
كل مؤشرات الاقتصاد تؤكد حال الانهيار الاقتصادي والافلاس المالي التي يرزح تحتهما لبنان منذ اكثر من عام، في ظل غياب اي اجراءات علاجية على المستوى الرسمي تخفف من حدتهما، او تعبد الطريق امام استعادة التعافي. ورغم ان مظاهر الانهيار تبدو واضحة في كل مؤسسات القطاع الخاص، الا انها لا تتجلى كاملة على مستوى اللبنانيين، حيث تصر غالبيتهم على الاستمرار في متابعة نمط الحياة بمعزل عن الازمة، ما دفع مراقبين الى التساؤل عما يقف وراء هذا النمط. يعزز التساؤل ان اللبنانيين نزلوا بعشرات الآلاف الى الشارع غداة قرار حكومي بفرض رسم 6 سنت على “الواتساب “، أدى الى إسقاط حكومة سعد الحريري التي اتخذت ذلك القرار، ولم يتحركوا بعدما بلغ سعر الدولار سقف التسعة آلاف ليرة، وفقدت العملة الوطنية اكثر من 80 في المئة من قيمتها، وحُجزت ودائعهم في المصارف، وفقد نحو ثلث القوى العاملة وظيفته.
هل فقد اللبنانيون نبض الانتفاض او القدرة على التعبير او دخلوا في حال الإنكار للواقع المرير او تكيفوا معه، بحيث تبدل سلم أولوياتهم لينحصر بالحاضر من دون اي أفق للمستقبل؟
ما يصح على اللبنانيين ينسحب كذلك على سلطاتهم التي تتعاطى مع الازمة بخفة وعدم مسؤولية، وترحيل للاستحقاقات الداهمة، ما يجعل السنة الجديدة محفوفة بالمخاطر الاقتصادية والمالية غير المحسوبة على اي اجندا.
ترى مصادر اقتصادية جواباً على هذه التساؤلات ان اللبنانيين يعتمدون على مصدرين أساسيين للإنفاق، بعدما تقلص مصدر ثالث كان مهماً واساسياً جداً وهو التحويلات الخارجية التي تقلصت في شكل كبير لتصل الى اقل من النصف. اول المصدرين سحب الاموال المحتجزة في المصارف على خلفية ان هذه الاموال لن تعود اليهم، بما ان سياسة الحكومة، وبقطع النظر عن هويتها، تقضي باعادة هيكلة القطاع المصرفي والمالي، والودائع ستكون جزءاً من هذه الهيكلة، علماً ان عمليات الاقتطاع تجري حالياً في شكل غير مباشر وانما عمليا من خلال القيود الموضوعة على السحوبات واعتماد سعري صرف لا يعكسان سعر السوق.
وعليه، يسعى اللبنانيون الى الحد من حجم الاقتطاع والإفادة عبر القيام باستثمارات في القطاع العقاري او غيره للحفاظ على الحد الأدنى من قيمة اموالهم.
اما المصدر الثاني، فيعتمد على الاموال المخزنة في المنازل والتي يقدرها المصرف المركزي بما يعادل بين 6 الى 7 مليارات دولار. الامر الذي عزز الاقتصاد النقدي، بعدما تراجعت الخدمات المصرفية الى حدودها الدنيا، بحيث بات التعامل بالليرة او الدولار نقداً الخيار الأفضل.
يضاف الى ذلك ان قرار استمرار سياسة الدعم، يدفع اللبنانيين الى الإفادة منه، رغم علمهم ان هذا الدعم يُموٓل من ودائعهم، ويتوزع عليهم وعبر الحدود الى الخارج.
الى متى يمكن ان يستمر هذا الوضع، وماذا سيرتب في ظل استمرار عدم وجود سلطة فاعلة قادر على وضع السياسات وتنفيذها؟
حتى الآن، يبدو ان هذا الوضع مرشح لأن يستمر لا سيما وان السلطة الراهنة عاجزة عن تحمل قرار رفع الدعم، وتفضل تركه للحكومة الجديدة، التي يفضّل رئيسها المكلف الا يتجرع هذه الكأس، ويراهن على الوقت والتعطيل الذي يتعرض له مسار التأليف كي يصبح رفع الدعم أمراً واقعاً. واستمرار الدعم يعني عملياً استنزاف ما تبقى في احتياطي المركزي الذي يعول على بعض الدولارات التي دخلت لبنان تنفيذً للتعميم 154، حيث تقدر الاموال التي تم استرجاعها بنحو 650 مليون دولار، يضاف اليها ما يوازيها قيمة حققها المركزي نتيجة فروقات الصرف، ما يمنحه بضعة أسابيع إضافية قبل ان يضطر الى خفض نسبة الاحتياطي الإلزامي التي كان لمح اليها سابقا. في محاولة لجس النبض.
في الانتظار، وقبل ان يرتفع سعر البنزين وربطة الخبز، سيستمر النمط المعيشي لجزء من اللبنانيين على حاله، فيما سيتلمس جزء آخر، وهو الأكبر ربما ان مستوى المعيشة قد تراجع، والقدرة على تأمين الخدمات الاساسية غير الغذائية للاسرة مثل الطبابة والتعليم والاستشفاء والملبس كذلك، في ظل تراجع الدخل وتراجع القدرة الشرائية.
وهذا التراجع أدى وسيؤدي مع الأسف الى اضمحلال الطبقة الوسطى وانزلاق اللبنانيين نحو ملامسة خط الفقر او تحته حتى، وهو الامر الذي حذر منه آخر تقرير للبنك الدولي عندما كشف ان 55 في المئة من اللبنانيين باتوا فقراء!