مع اعداد قياسية للاصابات بكورونا تقفز يومياً بوتيرة مخيفة وباتت تقترب من سقف الخمسة الاف إصابة، تتكرر التساؤلات الواجمة والقلقة والغاضبة عما تراها تنفع لغة الكلام الخشبي سواء في مسار سياسي معطل ومجمد ومعطوب لتشكيل الحكومة عجزت وتعجز عنه كل الوساطات ولو عاندت بكركي في المضي في وساطتها، ام في مسار الاقفالات العامة المجربة لأربع مرات والتي بدأت نسختها المحدثة امس؟ والواقع ان المقارنة بين المسارين السياسي والوبائي تبدو اكثر من منطقية خصوصا متى تبين ان الاستسلام هو سيد الموقف في الانسداد السياسي مثله مثل العقم الذي يطبع تجربة الاقفال الجزئي والمخترق في محاولة احتواء العاصفة الوبائية المتدحرجة . ولكن انتظار الأيام المقبلة للحكم على التجربة الرابعة للاقفال العام لم تحجب التعثر المتواصل بل الذي يزداد تعقيدا على مسار تاليف الحكومة في ظل ما أبرزته الزيارة المفاجئة التي قام بها رئيس الجمهورية ميشال عون امس لبكركي ولقائه البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي. الزيارة ابرزت واقعيا امرين وفق المعلومات المتوافرة عنها: الأول ان البطريرك استطاع احداث مناخ عام لم يعد يمكن معه الرئيس عون ولا رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري الذي عاد امس الى بيروت تجاهل تردداته جراء إصرار البطريرك على إبقاء وتيرة مواقفه الضاغطة على الرئيسين للتوافق على حكومة انقاذية من خارج الحسابات السياسية وخارج المحاصصات، وهو ما فسر الزيارة التي قام بها عون وكلامه المقتضب في بكركي. اما الامر الثاني فهو برسم البطريرك أيضا كما سواه ويتعلق بواقع ثابت لا يبقي قرار تشكيل الحكومة في يد الرئيسين عون والحريري وحدها بل رهينة معطيات خارجية مكشوفة ومن شأن الأيام المقبلة ان تزيدها انكشافا.
فقد كان من المتوقع ان يشهد الصرح البطريركي صباح امس لقاء وصف بالحدث السياسي وبأنه قد يؤدي الى اتفاق كبير على حكومة صناعة وطنية بين شريكي التأليف رئيس الجمهورية والرئيس المكلف سعد الحريري برعاية البطريرك الراعي مدعوماً من الفاتيكان. هذا اللقاء الثلاثي علم ان بكركي اعدت لعقده غداة عودة الحريري من اجازته الا انه تحوّل ثنائياً بين البطريرك ورئيس الجمهورية من دون الحريري.
ترتيبات اللقاء احيطت بالتكتم والسرية. وسعى المعنيون بها الى القول ان الزيارة تقتصر على رئيس الجمهورية الذي اراد تهنئة البطريرك بالاعياد، مع العلم انه تُغيٌب عن قداس الميلاد بسبب تفشي كورونا، وكسر بذلك تقليداً رئاسياً سنوياً.
رئيس الجمهورية لم ينف ان اللقاء مع الحريري كان احتمالاً وان بكركي ارادته لقاء مصارحة ومصالحة واتفاق على حكومة من دون محاصصة. ولاحقاً صدر عن المكتب الاعلامي للرئاسة توضيح ان البطريرك الراعي عرض امس على الرئيس عون لقاء مع الرئيس الحريري في بكركي ولم يكن على علم مسبق بهذا الطرح.
بيت الوسط اصدر بياناً عن عودة الرئيس الحريري ولم ينف ما تم التداول به اعلامياً عن دعوة بكركي للقاء يضمه ورئيس الجمهورية، واوضحت مصادر قريبة منه ان الموعد لهذا اللقاء لم يكن قد حدد بعد.
في الشكل وفي المضمون، لا يبدو ان مثل هذا الموعد وارد بعد اليوم في بكركي على الاقل. ففي الشكل، بدا رئيس الجمهورية كأنه في موقع الذي يسعى لإنقاذ عملية التأليف الحكومي في حين ان العهد متهم وفريقه السياسي بتعطيل مهمة الحريري وتعقيدها . وفي المقابل ظهر كأن الحريري بتغيّبه يقول انه لن يتنازل قيد انملة عن حكومة الاختصاصيين المستقلين مهما طال امد الفراغ لأنه يعتبره افضل من العودة الى حديث المحاصصة. كما بدت بكركي غير قادرة على تحقيق هذا اللقاء والتسوية المنتظرة حكومياً وسياسياً.
ففي المضمون، لم ينجح مسعاها، لا بل تكرس الافتراق الحكومي بين رئيس الجمهورية والرئيس المكلف. وبات واضحاً ان الازمة لم تعد مقتصرة على تأليف حكومة بل تجاوزتها الى نزاع كبير على الصلاحيات.
جنبلاط : ليحكموا
وبازاء هذا الواقع دعا رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط الرئيس الحريري الى الاعتذار وترك فريق الممانعة يحكم وحده . وقدم جنبلاط في حديث مساء امس الى برنامج “صار الوقت” نصيحة الى الحريري قائلا “فليترك فريق الممانعة يحكم أي التيار الوطني الحر وخلفه حزب الله فلم يبق شيء وأصبحنا منصة صواريخ “. وقال “نحن غير قادرين على الحكم فليتحمل فريق الممانعة مسؤولية كل شيء في السلم والحرب والانهيار الاقتصادي .انتهى القرار المحلي وحتى فلسطين أصبحت دفاعا عن ايران .وهل تعترف ايران بالدولة اللبنانية “. وكرر دعوة الحريري الى الاعتذار عن تاليف الحكومة قائلا “شو بدك بهالشغلة وليأتوا بمن يشاؤون رئيسا للحكومة حسان دياب او فيصل كرامي او غيرهما”. واكد ان “جبران باسيل يريد الثلث المعطل في أي حكومة ليتمكنوا من الحكم من خلاله اذا حصل أي عارض للرئيس عون والإعمار بيد الله”. ودعا حزب الله الى “التفكير بعشرات الآلاف من اللبنانيين في الخليج لمنع تهجيرهم من هناك لانهم فرصتنا الوحيدة في ظل الازمة الاقتصادية”.
الاقفال العام
وسط هذه الأجواء دخلت البلاد امس مرحلة اقفال جديدة لمحاولة حصر التفشي المخيف لفيروس كورونا، غير ان نسب التقيد بهذا الاقفال تفاوتت بين منطقة واخرى ولو بدت النسبة العامة مقبولة . ولم تبرز الإجراءات في اليوم الأول أي تأثير إيجابي بعد بعدما حلق الرقم اليومي الجديد للاصابات فبلغ 4774 إصابة وبلغ عدد حالات الوفاة 16 . وبدأ الوضع في المستشفيات الخاصة والعامة يتخذ طابعا بالغ الخطورة وسط التراجع الكبير في قدراتها على استقبال المصابين للحالات العادية كما الطارئة الامر الذي ينذر بخطورة غير مسبوقة. واذا كان خفض منسوب الإصابات والتخفيف عن المستشفيات يتعلق بترقب نتائج الأسبوع الأول من الاقفال فان احتواء الواقع الوبائي كلا بات يتطلب إجراءات استثنائية للتعجيل باستيراد اللقاحات الى لبنان بأسرع ما يمكن وهو الامر الذي تثار حوله شكوك في ظل الواقع السياسي والحكومي القائم في البلاد . ولفت وزير الصحة العامة في حكومة تصريف الأعمال حمد حسن إلى أن “الوضع الصحي خطير، والعمل الذي تقوم به الوزارة هو رفع جهوزية المستشفيات الحكومية، لكن حتى الآن لا جهوزية لوجستية ونحاول ايجاد حل بين المستشفيات الخاصة والحكومية”. وقال أن “الهدف الأساسي إرجاء الموجة على الأقلّ لأسبوعين وزيادة عدد الأسرّة في العناية الفائقة”، وتابع “علينا أن نتحمّل هذه المرحلة الخطيرة وتخطّيها الى حين وصول اللقاح، وإذا أردنا حلّا فليقدّم الجميع حلولاً من جانبهم من دون تضخيم المشكل”.