الجمعة, نوفمبر 22
Banner

علماء يدقون ناقوس الخطر: فيروسات جديدة آتية أشد فتكاً

سامر خليفة – المدن

دقت منظمة الصحة العالمية والمرجعيات الطبية المرموقة في العالم، جرس الإنذار محذرين من أوبئة أو جائحات مقبلة آتية لا محالة، غير كورونا المستجد الذي مثل ولا يزال تهديداً تاريخياً. وفيما يُخشى أن ينتقل فيروس آخر على غرار فيروس كوفيد-19 من الحيوانات إلى البشر، وأن يكون أكثر فتكاً وأسرع انتقالاً منه أيضاً.. يتسابق العلماء لإيجاد حلول جديدة يمكن أن تمنع حدوث الكارثة في المستقبل. ونلقي في هذا التقرير نظرة على أهم الجهود الأكثر ابتكاراً التي تُبذل حالياً لوقف الجائحة التالية.

الخوف من عائلة فيروسات كورونا

حينما كان مطورو اللقاحات في جميع أنحاء العالم يتسابقون لتطوير لقاح لكوفيد-19، حث ماثيو ميمولي، مدير مختبر الأمراض المعدية التابع لمعاهد الصحة الوطنية الأميركية، المجتمع العلمي للتوصل إلى لقاح عالمي لفيروس كورونا المستجد يتمتع بحماية واسعة ضد عدد متنوع من سلالة فيروسات كورونا.

متحدثاً من مكتبه في بيثيسدا بولاية ماريلاند الأميركية، نوّه ميمولي قبل بضعة أشهر، إننا بحاجة إلى مراعاة الصورة الأكبر. وبرأيه، رغم الصورة السوداوية القاتمة التي خلفها كوفيد-19، فقد تشكل فيروسات كورونا المستقبلية تهديدات أكبر بكثير للبشر. لذا يقول: “مجرد التركيز على هذا الفيروس الفردي بالنسبة لي هو خطأ. نحتاج في الوقت عينه إلى التفكير في المستقبل. حتى لو توصلنا إلى لقاح رائع لهذا الفيروس، فإن هذا لا يعني بالضرورة أننا سنكون جاهزين للفيروس التاجي التالي”.

بالنسبة للعلماء، قد يبدو مفهوم اللقاح الشامل، الذي يمكنه الحماية من سلالات الفيروس التاجي المختلفة، بعيد المنال، لكنه ليس فكرة جديدة تماماً. ففي أوائل تسعينيات القرن الماضي، توصلت مجموعة من العلماء في مختبرات “نوردن” – قسم صحة الحيوان في بنسلفانيا التابع لشركة الأدوية “سميث كلاين بيتشام”، إلى خطة طموحة لتطوير لقاح يمكن أن يحمي القطط من فيروسات كورونا المتعددة. ووصل الفريق الذي أطلق على نفسه اسم “فرسان الجينات”، نظراً لخبرته في استنساخ الجينات من مختلف الفيروسات المسببة للأمراض، إلى حد تسجيل براءة اختراع للقاح المقترح. وما لبث المشروع أن لفظ أنفاسه الأخيرة بعد فترةٍ وجيزة، إثر فشل التجارب السريرية التي نتجت عن فشل اللقاح في إظهار أي قدرة وقائية.

وبعد عقدين من الزمن، جاءت الإشارات الأولى إلى أن لقاحاً عالمياً لعائلة فيروس كورونا قد يكون قابلاً للتطبيق من العلماء الذين يدرسون “متلازمة الشرق الأوسط التنفسية MERS”، حين وجد كيث غريهان، الباحث في علم الأحياء الجزيئي بجامعة “ليدز”، أن عينات الدم المأخوذة من الناجين من تفشي فيروس كورونا “سارس” في أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، قد أظهرت نوعاً من الاستجابة المناعية لمتلازمة “الشرق الأوسط التنفسية”. وهذا ما يشير إلى إمكانية تطوير لقاح يمكن أن يؤدي إلى استجابة مناعية للعديد من سلالات فيروس كورونا.

لقاح “أوسيفاكس”

وعلى صعيدٍ متصل بهذه الجهود العلمية التي بقيت بعيدةً عن الإضاءة الإعلامية، حصلت شركة “أوسيفاكس” الفرنسية، للتكنولوجيا الحيوية، في تموز 2020، على تمويل بأكثر من 32 مليون يورو من “مجلس الابتكار الأوروبي” والبنك الاستثماري ” بي بي أي فرانس ” لتطوير لقاح عالمي لعائلة فيروس كورونا. وبينما نشهد اليوم حملة تطعيم عالمية وإجازة استخدام لقاحات جديدة، سيستغرق لقاح “أوسيفاكس” وقتاً أطول ليصل إلى السوق بحلول عام 2022. وبحال إثبات نجاعته، فإنه سيكون أوسع نطاقاً وأكثر فائدة على المدى الطويل.

تساعد الخلايا “التائية” أو “T Cells” (خلايا لمفاوية في الدم تلعب دوراً في المناعة المزمنة)، جسم الإنسان على محاربة عدد من الفيروسات، فبمجرد أن تتعلم التعرف على الفيروس، فإنها تولد نسخاً من نفسها تتذكر العامل الممرض وتبقى كامنة حتى مواجهة مستقبلية. ومن المرجح أن يوفر اللقاح الذي يحفز هذا الجزء من الجهاز المناعي، وكذلك محاولة تحفيز استجابة الجسم المضاد، الحماية عبر سلالات فيروس كورونا المختلفة، وبين مختلف الفئات العمرية والسكان في جميع أنحاء العالم.

يهدف لقاح “أوسيفاكس” إلى استخدام الخلايا التائية بهذه الطريقة لاستهداف “القسيمات القفيصية”، وهي بروتين داخلي يُعتقد أنه محفوظ بدرجة عالية بين جميع فيروسات كورونا البشرية المعروفة. وعلى خطٍ موازٍ، تمتلك مجموعة “ميمولي” خطة أكثر طموحاً. إذ تعتزم من خلال استخدام الخوارزميات الحسابية لفحص جميع تسلسلات الفيروسات التاجية المتاحة، تحديد مجموعة من الأهداف عبر جميع البروتينات الفيروسية التي يبدو أنها ضرورية لبقاء فيروسات كورونا.

نظام تنبؤ بالفيروسات

في المقابل، وضعت جامعة “فودان” في مدينة شنغهاي الصينية، خططاً لتصميم مختبر احتواء عالي المستوى، يُعرف باسم مرفق السلامة الأحيائية من المستوى 4 (BSL-4)، للمساعدة في التنبؤ بالوباء المقبل. ويشير هانز كليفرز، المدير الفخري لهذا المختبر، بأن رؤيته تتمثل في إنشاء مركز مخصص يمكن فيه للعلماء زراعة أشباه عضويات من خلايا الخفافيش وآكل النمل الحرشفي والأنواع المحلية الأخرى عبر الصين وشرق آسيا. وتتجسد إحدى الأفكار في تكوين عضيات الأمعاء (الأجزاء أو الأجسام الحية الموجودة في سيتوبلازم الخلية حقيقية النواة) من الخلايا المعوية لهذه الحيوانات، حيث تعيش العديد من الفيروسات في الأمعاء. ما سيسمح للعلماء باستخدام هذه العضيات لتقييم مستويات الخطر لمسببات الأمراض غير المعروفة الكامنة في الداخل.

قبل ثلاث سنوات من تفشي وباء زيكا (عدوى فيروسية منقولة بواسطة البعوض) عام 2016، أحدث عالم الأحياء الجزيئية الألماني يورغن نوبليش، ضجة عالمية من خلال اشتقاق عضيات دماغية – أُطلق عليها في وسائل الإعلام اسم “أدمغة صغيرة”- من الخلايا الجذعية متعددة القدرات، في اختراق وُصف كأحد أفضل عشرة اكتشافات لعام 2013. ومع انتشار فيروس زيكا في البرازيل، أعطت عضيات كنوبليش بعض الدلائل الأولى على سبب الأعراض التي تسببها العدوى الفيروسية كحالات الإجهاض وصغر حجم الرأس، وهي حالة دماغية قاتلة في الدماغ. إلى جانب تسببها في الإصابة باضطرابات عصبية أخرى، مثل متلازمة “جيليان-باريه”.

ووسط جائحة كوفيد -19 الحالية، لعبت العضيات دوراً رئيسياً في فهم مجموعة متنوعة من الأعراض التي يمكن أن يعاني منها المرضى. ومن خلال إصابة العضيات المعوية بفيروس كورونا المستجد، أظهر كليفرز أن الفيروس يمكن أن يصيب الأمعاء بسهولة، ما يسبب الغثيان والإسهال.

تُخصص اليوم استثمارات متزايدة لاستخدام العضيات كوسيلة لتقييم الفيروسات المسببة للأعراض الشديدة. ولعل أبرز ما يثير القلق، خصوصاً في آسيا، هو التهديد الذي تشكله فيروسات الإنفلونزا الهجينة التي نشأت من الخنازير أو الطيور وتبادلت الجينات مع السلالات البشرية. وفي وقتٍ سابق من هذا العام، تم تحديد حالة إنفلونزا هجينة في ولاية أيداهو بالولايات المتحدة الأميركية، والتي تحتوي على مادة وراثية من كل من الإنفلونزا الموسمية وفيروس “إتش وان آند وان H1N1” الذي تسبب في تفشي إنفلونزا الخنازير عام 2009.

لذلك، أنشأ كليفرز بالشراكة مع علماء في جامعة “هونغ كونغ”، نظاماً للتنبؤ بمدى فتك هذه الفيروسات الجديدة، من خلال التأكد من مقدار الضرر الذي تسببه للجهاز التنفسي عندما يُسمح لها بإصابة الرئتين. وقد مضى محذراً بالقول “عاجلاً أم آجلاً ستظهر إنفلونزا خطيرة جديدة في شرق آسيا. لا أخفي عليكم إنه مصدر قلق دائم. لكن هذا يسمح للعلماء بأخذ أي سلالة جديدة وتقييم مدى العدوى بها بسرعة، وما يمكن أن تفعله بالجسم”.

موسوعة الفيروسات

من بين جميع الكيانات البيولوجية على وجه الأرض، تُعد الفيروسات هي الأكثر عدداً. ولوضع الأمور في نصابها الصحيح، نجد أن عدد الفيروسات التي تتعايش معنا على هذا الكوكب تفوق النجوم الموجودة في الكون. وبالنظر إلى هذه الأرقام، قد يستنتج المرء بأن تعقب كل الأنواع الفيروسية ذات الإمكانات الحيوانية المنشأ، أي التي يمكن أن تنتقل من الحيوانات إلى البشر، أشبه بالمهمة المستحيلة. إلّا أن مجموعة من العلماء تمتلك رأياً مغايراً ولديها خطة للقيام بذلك.

انطلاقاً من المؤشرات المذكورة أعلاه، توضح جونا مازيت، عالمة الأوبئة ومديرة معهد “دايفيس وان” الصحي في جامعة “كاليفورنيا”، بأن هناك حوالى 500 ألف فيروس يمكن أن يصيبنا بالعدوى. وكانت مازيت قد شغلت منصب مديرة “توقَع PREDICT”، وهي مبادرة تمولها الحكومة الأميركية لاكتشاف الفيروسات القادرة على التسبب في الأوبئة الناشئة. ومسلحاً بأحدث تقنيات التسلسل من الجيل التالي، اكتشف المشروع تسلسل أكثر من ألف فيروس بين عاميّ 2009 و2019، منتشر من حقول الأرز في نيبال إلى الأحياء الفقيرة الحضرية في سيراليون.

أما اليوم، وفي أعقاب جائحة كوفيد-19، تُكمل مازيت مهمتها بمبادرة جديدة مدتها خمس سنوات، بقيادة الولايات المتحدة، تُسمى “أوقفوا الانتشار STOP Spillover”، والتي تركز على تحديد المزيد من فيروسات كورونا إضافةً إلى فيروسات إيبولا ونيباه. بَيد أنها تحث القادة السياسيين في الآن ذاته على دعم برنامج وقائي أكثر طموحاً.

تروج مازيت لمشروع ريادي جديد، يعتزم إنشاء موسوعة لكل فيروس حيواني، من خلال جمع عينات من ألفيّ نوع من الثدييات والطيور المائية التي يُعتقد أنها قادرة على حمل الفيروسات التي يمكن أن تنتقل إلى البشر. ويمكن أن تهيء هذه الموسوعة الأطباء في الدول المعرضة للخطر لمراقبة أعراض هذه الأمراض، وتصنيف الفيروسات لتطوير لقاح وقائي بناءً على مدى احتمالية وصولها إلينا في المستقبل القريب.

يعمل عالم الكمبيوتر نعوم روس من شركة “إيكو هيلث أليانس ” غير الربحية ومقرها نيويورك، وهي واحدة من أبرز مصممي نماذج النقاط الفعالة في العالم، مع مازيت على مشروعها الفريد من نوعه. ويوضح أن هناك ثلاثة عوامل رئيسية تجعل منطقة معينة مركزاً للفيروسات الحيوانية المنشأ: التنوع البيولوجي العالي في الثدييات؛ أنماط تغير المناخ؛ والتغير النشط في استخدام الأراضي.

ونظراً للتغيرات المناخية واستخدام الأراضي من خلال الصناعة والزراعة التي تجعل البشر أقرب إلى المناطق المتنوعة بيولوجياً، سيستخدم واضعو النماذج بيانات الأقمار الصناعية والمناخ لإجراء تنبؤات بالمناطق التي يحتمل أن تصبح نقاطاً فيروسية. ثم يتم دمج ذلك مع المعلومات المستحصلة من العلماء الذين يجرون المسوحات السيرولوجية على الأرض، وأخذ عينات الدم عبر السكان للبحث عن الأجسام المضادة التي تظهر أن البشر يتلامسون بشكل متكرر مع فيروسات جديدة.

واللافت أن شركة “إيكو هيلث أليانس”، بدأت للفعل مطلع العام الجاري في إجراء مسح جديد للبحث عن الأجسام المضادة الفيروسية في المجتمعات الريفية في ماليزيا، مع إعلانها عن خطط لتوسيع هذا الأمر عبر بلدان متعددة في جنوب شرق آسيا.

Leave A Reply