ذوالفقار قبيسي – اللواء
مدلولات ثلاثة وراء إعلان حاكم مصرف لبنان ان عهد تثبيت سعر الصرف PEGGING انتهى وانه سيجري تحرير السعر، أي تعويمه FLOATING بحيث يتحرك بعوامل العرض والطلب.
1- والمدلول الأول في الإعلان ضمني وكأنه نوع من التحسر على الزمن الجميل أو كما يقال LA BELLE EPOQUE الذي كان فيه البنك المركزي قادرا على تثبيت السعر من احتياطيات عالية جدا بالدولار الذي كان يتدفق باستمرار الى لبنان قبل أن يصاب الاقتصاد بأضرار الحرب في سوريا منذ العام ٢٠١٠ – ٢٠١١ ويتحوّل ميزان المدفوعات من فائض الى عاجز بما استدعى تدخلات نقدية وهندسات مالية أجّلت انهيار سعر الليرة على مدى ربع قرن قبل أن تتحرك الانتفاضة الشعبية التي أدّت الى انكشاف في النظام النقدي بشكل لم يعد بإمكان مصرف لبنان احتواءه فتضاعفت حدة التداعيات وحصل الانفجار قبل أوانه، ووصل الأمر الى ما نشهده الآن من تعدد معدلات الصرف الى ٤ أو ٥ أسعار تشكّل في مجموعها الصورة «المغبشة» للوضع النقدي في لبنان.
2- والمدلول الثاني ان تصريح حاكم «المركزي» هو إعلان مباشر بأنه لم يعد لدى مصرف لبنان من احتياطيات العملات ما يمكنه من تثبيت السعر الذي طالما أكد الحاكم على أهميته وضروراته في سياسة نقدية كثيرا ما أشارت تقارير صندوق الدولي والبنك الدولي وحتى وكالات التصنيف الدولية وسواها الى إيجابياتها في الحفاظ على الاستقرار النقدي وعلى مداخيل ذوي الدخل المحدود وأموال المودعين والمستثمرين، وذلك قبل أن ينفجر الوضع المدعوم بقوة نقدية اغترابية ومحلية وعربية استثمارية وتصديرية وسياحية، ويصل إلى الصورة المروّعة التي نشهدها اليوم والتي كان من تداعياتها «الانهيار الثلاثي» النقدي والمالي والاقتصادي الذي أضيف اليه تداعيات عدوان وبائي وانفجار عدواني لم يعرف لبنان مثيلا له من قبل.
3- والمدلول الثالث هو ان الإعلان عن الاتجاه الى تحرير سعر الصرف هو إعلان عن تحرير قائم أصلا بوجود ٤ أو ٥ معدلات للسعر: للدولة، وللمصارف، وللمنصة، وللسوق السوداء وللحسومات الجارية مقابل التسييل النقدي على شيكات الدولار بحوالي ٥٠ الى ٦٠% وشيكات الليرة بحوالي ١٠ الى ١٥% وذلك «على الطريقة اللبنانية» التي الخروج منها الى «ساحة التحرير» النقدي لا بد من اجراءات عدة إذا لم تتخذ قد يزداد الوضع النقدي والمالي والاقتصادي سوءا بأكثر مما هو اليوم. ومن هذه الإجراءات: ضرورة القيام بإصلاحات في النظام السياسي وتغييرات في النموذج الاقتصادي، وضرورة الحصول على المال من قروض ومساعدات من الصناديق الدولية والسيادية العربية بما يؤدي الى تقوية الاقتصاد وزيادة الانتاج وارتفاع معدل النمو بحيث يمكن بهذه القوة الإضافية حماية حرية الصرف من التقلبات الكبيرة الخطرة. وبحيث تبقى هذه التقلبات ضمن الحدود الملائمة لزيادة الصادرات الانتاجية والجاذبية السياحية وطمانة الاستثمارات المحلية والأجنبية التي تخشى وتهرب من التقلبات الكبرى المفاجئة، وبما يمنع المضاربات التي تستفيد من فوارق هذه التقلبات التي تزداد عادة وتتسارع لدى تحرير سعر الصرف في دول الأسواق الناشئة عادة ومنها لبنان، وتبقى ضمن حدود ضيقة وصحية في الدول المتقدمة حيث اقتصاد الانتاج لديها كبير جدا الى الحد الذي يحمي العملة الوطنية في أغلب الحالات من هذه التقلبات، وحتى عندما تتغيّر معدلات الصرف في هذه الدول بشكل كبير واستثنائي تتراجع بعدها بعمليات تصحيح ذاتي تعتمد على المرونة في الاقتصاد وحسن الأداء في السياسة، وهما شرطان أساسيان لتحرير سعر الصرف وغائبان في لبنان… حتى الآن!