الإثنين, نوفمبر 25
Banner

«تعويم سعر الصرف» المتطلبات والتبعات والتداعيات

ذوالفقار قبيسي – اللواء

تسرّع بعض المحللين في تفسير إعلان حاكم مصرف لبنان التخلّي عن سياسة تثبيت سعر الصرف والاتجاه الى سياسة التعويم في حين ان الإعلان جاء عن إجراءات مستقبلية ومرتبطة بشرطين أساسيين هما: الاصلاحات والتمويلات من صندوق النقد الدولي.

ومع ذلك يبقى السؤال: هل يمكن حتى بعد تنفّذ هذين الشرطين البدء بسياسة تعويم لليرة بالسهولة التي قد يتصورها البعض؟ وما هي المحاذير والمخاطر والتبعيات والتداعيات المحتملة نتيجة هكذا قرار برغم ما كان له من حسنات وإيجابيات في بعض البلدان ولا سيما المتقدمة والمنتجة؟

الجواب البديهي أولا ان النتائج التي تؤدي إليها سياسة التعويم تختلف من بلد الى آخر سواء من حيث المنظومة الاقتصادية والاجتماعية وبالطبع السياسية للبلد وثانيا من حيث طريقة وأسلوب اداء هذه السياسة. ومن النتائج الأولية في بعض الحالات والتي هي شبيهة بحال لبنان، ان التعويم بالمطلق إذا لم يترافق مع قوة مالية واقتصادية وإنتاجية وتصديرية أو سياحية في إطار نظام نقدي ومصرفي متماسك، وثقة محلية وخارجية وإدارة سياسية وقضائية سليمة، ستكون المزيد من انهيار الليرة وارتفاع الطلب على الدولار في سوق حرة اسمها الآن «سوداء» وتصبح بعد قرار التعويم شرعية وقانونية و»ناصعة البياض»!! ينتج عنها ارتفاع اضافي في أسعار مجمل السلع والمواد المستوردة من القمح والبنزين والدواء الى باقي المواد المعيشية والضرورية بما لا يمكن ان تتحمله موجة فقر الآن ٤٠% وفقر مدقع ٢٥% وبطالة ٦٥% وتضخم بمئات… كما ينتج عنها ارتفاع أكلاف التعليم في الخارج على الأسر والأفراد بما يؤدي الى انخفاض المستويات المعرفية التقنية والعلمية والثقافية، والى المزيد من انهيار القوة الشرائية لذوي الدخل المحدود الذين يفوق عددهم في لبنان المليون وربع المليون موظف وعامل في القطاعين العام والخاص.

وما يمحي هذه السلبيات أو يقلل منها عادة في الدول المتقدمة، قدرة هذه الدول على خلق توازن – أو فائض – بين الدولارات الشحيحة في الأسواق في الداخل والدولارات الواردة من الخارج بالموارد المالية والتصديرية والسياحية والاستمارات الأجنبية بما يمكن به لجم ارتفاع أسعار العملة الأجنبية مقابل العملة الوطنية. وهذه «الرفاهية» أو «اللوكس» النقدي لم تعد متوافرة في لبنان. وحتى لو حصل لبنان على دعم نقدي بقروض من صناديق ومؤسسات دولية فمن المشكوك فيه ان هذه الأموال ستذهب الى مجالات الاقتصاد المنتج للعمالة المنتجة للعملات الصعبة وعندها أجنحة التضخم تزداد ارتفاعا في سوق معومة حرة، وعكس ما حصل على سبيل المثال في الولايات المتحدة خلال أزمة ٢٠٠٨ عندما ضخ الفدرالي الأميركي ترليونات الدولارات التي لم تذهب هدرا – كما حال لبنان في سياسة الدعم الفاشلة – وإنما توزعت عبر المصارف في تسليفات لقطاعات منتجة وفاعل حسب كل قطاع. بينما الأموال التي «قد» يحصل عليها لبنان وقياسا على ما مضى، ستستخدم غالبا لغايات غير اقتصادية ولأهداف نقدية تتعلق بتسديد مستحقات أو معالجة عجوزات، وفي «أحسن» أحوالها لقطاعات تجارية وخدماتية وريعية. وفي أسوأها – وهذا هو الأرجح – الى مغارة النهب والسلب السياسية!

علما ان سياسة التعويم لا تعني ان السلطة النقدية المتمثلة بالمصرف المركزي ستوقف كليا تدخّلها في السوق «المعومة» بل ستحتاج دائما الى التدخل في حال حصول أي جنون أو خلل كبير في تقلبات سعر الصرف ضمن حدود مناسبة للحاجات الاقتصادية والموجبات الاجتماعية، الأمر الذي يبقي على الحاجة نفسها وبكميات من الاحتياطيات بالعملة الأجنبية.

يضاف أن تعويم سعر الصرف يتطلب إعادة تكوين هذه الاحتياطات في «سلة» قد لا تكون غالبية عملاتها بالضرورة بالدولار وانما مضافا إليه عملات البلدان التي يستورد منها لبنان والتي لا تزيد من الولايات المتحدة بالدولار عن ٧% مقابل ٢٨% باليورو من دول الاتحاد الأوروبي و2,4 بالاسترليني من المملكة المتحدة وبما مجموعه حوالي 63% بالدولار أو بعملات بلدان أخرى. وهو إجراء لن يكون سهلا ويحتاج مثل باقي الاجراءات الى قرارات سياسية ونقدية أساسية اذا استحالت أو أهملت سيعود الوضع الى ما كان عليه في دائرة الصفر في الوصف المروع لشاعر العرب الكبير أبي الطيب المتتبي عن حاله وأحواله:

وأحوال الزمان عليك شتى وحالك واحد في كل حال

رماني الدهر بالارزاء حتى فؤادي في غشاء من نبال

فصرت إذا أصابتني سهام تكسّرت النصال على النصال.

Leave A Reply