هيام القصيفي – الاخبار
بعد خمسة أشهر على استقالة حكومة الرئيس حسان دياب، ومع تدهور الوضع الاقتصادي والاجتماعي، ومن ثمّ الوبائي، انكشف حجم التخبط والأداء العشوائي في معالجة الأزمات المتتالية. فهل يمكن كسر حلقة الانهيار الذي يتفرّج عليه الجميع؟
هل يمكن المطالبة باستقالة حكومة مستقيلة أصلاً، أو تحميل المجلس الأعلى للدفاع مسؤولية ما وصلت إليه البلاد بعدما حلّ مكان مجلس الوزراء، أم محاكمة منظومة سياسية واقتصادية ومالية وصحية، بعدما بات اللبنانيون يموتون فقراً وجوعاً ومرضاً على أبواب المستشفيات؟ وكيف يمكن أن تعد هذه الحكومة بحلول وهي نفسها التي، منذ بداية الأزمة قبل 11 شهراً، لم تنفك تكرّر اللازمة ذاتها.
منذ شباط الفائت، والحكومة المستقيلة مستقيلة تماماً من دورها، فلم تنفع اللجان الفرعية ولا تنظير المستشارين والمستشارات الصحيين في مواجهة موجة وباء قاسية توقّعها كل المعنيين الجديّين بالقطاع الصحي. واكتمل المشهد مع أداء وزراء الصحة والداخلية والمالية الذين لم يساهموا في فك أزمة المستشفيات وشركات الأدوية ومستوردي المعدّات الطبية (ولا سيما التنفس) وتأهيل المستشفيات الحكومية، وتطبيق إجراءات العزل والإقفال العشوائي، وصولاً الى مقاربة غير مفهومة لاستقدام اللقاح. وهؤلاء ليسوا معزولين، بل يتبعون جهات سياسية تتحمّل كاملة، مع رئيس الجمهورية الذي يرأس أيضاً المجلس الأعلى للدفاع، تبعات ما وصلت إليه الأوضاع الصحية. فعدم التزام الناس بارتداء الكمامات والتباعد الاجتماعي أمر خطر وأساسي، ونمّ في الأسابيع الأخيرة عن مستوى متدنّ من الثقافة الاجتماعية والصحية والأخلاقية، كما حصل أمس في التهافت المعيب على الأفران ومحال السوبرماركت. لكن، في المقابل، يكمن التخبط منذ ما يقارب السنة، في عدم توسيع حلقة التشاور مع الاختصاصيين، ومنهم لبنانيون يعملون في لبنان والخارج في مشاريع متعلقة بالصحة وإدارة الأزمات، وعدم إعطاء آذان صاغية لمناشدات سياسيين ونواب وأطباء عن ضرورة الاستعداد لمرحلة انتشار واسعة وعدم قدرة المستشفيات (وبعضها لا يريد) على تحمّلها، وعدم الاستفادة من تجارب دول متشددة في إجراءات الإقفال كبريطانيا مثلاً، رغم أنها أولى الدول التي بدأت بتلقيح مواطنيها.
لا بل إن القوى السياسية تصرّفت مع انتشار الوباء، كما مع كل الأزمات المالية والاقتصادية منذ 17 تشرين الأول، بتجاهل تام. وسيضاف الموتى الذين يسقطون بسبب الوباء الى شهداء المرفأ وجرحاه، من دون رفّة جفن، ما دامت القوى نفسها انشغلت في اليومين الماضيين بخطب ومؤتمرات صحافية للنقاش في الأزمة السياسية والحكومية وتفسير الدستور، بلا أي اعتبار لما يجري إنسانياً. المشكلة أن الحلّ الوحيد أمام هذه الطبقة هو الإقفال، مرة بعد أخرى، من دون الأخذ في الحسبان المشكلات التي حصلت (ومنها مشكلة الصناعيين المرتبطين بعقود تصدير الى الخارج، وصغار المزارعين والتجار) ولا الاستثناءات التي تحصل خارجاً بناءً على قواعد متشددة، في حين أن التخبط لبنانياً مبنيّ، أولاً وآخراً، على نظام المصالح المالية والاقتصادية، كما جرى قبل فترة الأعياد لمصلحة جهات اقتصادية وسياحية. كذلك، فإن جهات معنية انتقدت طريقة اتخاذ تدابير تتعلق بالمطار، رغم أن انتشار الوباء صار محلياً ولم يعد بسبب الرحلات كما جرى في شباط الماضي، بعدما بدا أنها تحمل إشارات الاستفادة المالية، إن لمصلحة رسم إجراء الفحوصات طالما أن المسافرين سبق أن أجروا فحوصات قبل مجيئهم الى لبنان. كذلك الأمر بالنسبة الى الإقامة في الفنادق أولاً لمدة 48 ساعة ومن ثم لأسبوع، وأسعار الغرفة الواحدة تراوح بين 300 ألف ليرة و700 ألف لليلة الواحدة، وهي غير مبررة طالما أن المسافر سيخرج منها الى منزله، سواء كانت النتيجة سلبية أو ايجابية، علماً بأن النتائج تصدر في أقل من ساعات قليلة ولا يحتاج المسافر إلى البقاء في الفندق.
لم تخرج الحكومة المستقيلة ولا المجلس الأعلى للدفاع ليقولا للبنانيين، بعد بيانات متشابهة على مدى شهور الأزمة، ماذا بعد انتهاء فترة الإقفال؟ وهل ستنجز خلال عشرة أيام ما لم تنجزه خلال سنة تقريباً؟ ولماذا لم يُرفع سابقاً عدد الأسرّة في المستشفيات الحكومية التي صرفت عليها مليارات الدولارات على مدى سنوات؟ ولماذا لم تستطع السلطة في حالات الطوارئ أن تؤمّن الحد الأدنى من التنسيق مع المستشفيات الخاصة التي يمتنع بعضها عن القيام بواجبه الإنساني؟ ولماذا توجد أسرّة خاصة لمرضى فئة أولى من سياسيين وعائلاتهم، ولا توجد أسرّة لمرضى عاديين؟ ولماذا لم تشرح الحكومة أو المجلس كيف يتحوّل الناس، في بلد كان يروّج للسياحة الاستشفائية، إلى أطباء في بيوتهم ومستوردي أجهزة وأدوية؟ ففي مقابل شراء مقارّ رئاسية ورسمية وسياسية من الصف الأول أجهزة تنفس خاصة، يفتش اللبنانيون بعدما كان الآتون من دول الخليج وأوروبا يحملون معهم حقائب مليئة بالأدوية، عمن يستورد لهم من أقاربهم وأبنائهم أجهزة من الخارج بعدما وصلت إليهم مشاهد غرف الطوارئ ومعالجة المرضى في مواقف السيارات.
لم تخرج الحكومة أو المجلس الأعلى للدفاع بشرح كاف وواف عن اللقاح وعدم السرعة في الإجراءات، لأن قضية بهذه الخطورة لا تتعلق حصراً بوزير الصحة، بعدما طرح نواب وأطباء أسئلة حول حصر اللقاح بالوزارة، فلم توسّع حلقة الإفادة من القطاع الخاص، ومنها الطبي في استقدام لقاحات أخرى بسرعة تغرق السوق اللبنانية، وفي مقدمها البريطاني الذي لا يحتاج الى إجراءات طبية متقدمة كلقاح فايزر؟ والحلقة الأهم هي من سيستفيد من اللقاح المحصور بالوزارة؟ ففي الدول التي بدأت عمليات التلقيح، حددت نسب الأعمار والمرضى المصابين بأمراض مزمنة والقطاع الطبي كأوائل المستفيدين، وكل القاطنين في هذه الدول باتوا يعرفون مسبقاً مواعيد تلقيهم جرعات اللقاح. في حين بدأ الكلام في لبنان عن المحسوبيات وإعطاء الأولوية للسياسيين والأمنيين وعائلاتهم، قبل المرضى والكبار في السن والأطباء والممرضات، علماً بأن سياسيين وغير سياسيين بدأوا يتلقّونه خارج لبنان. وهذا وحده يحتاج الى شرح مفصّل من الحكومة والمجلس الأعلى للدفاع، لأن القضية لا تتعلق بحال طوارئ جوفاء، أو بإجراءات قمع المخالفات وتسطير محاضر ضبط، طالما أن الثقة مفقودة، وأن الأجهزة الأمنية غير قادرة على فرض الأمن في كل المحافظات والمناطق النائية، في بلد يئنّ تحت وطأة السرقات والجرائم.