فيما يدخل لبنان اليوم تجربة اقفال عام جديدة، يفترض ان تكون الأكثر تشددا وجذرية من كل سابقاتها، اذ تشكل انطلاقة المواجهة الأكبر لاحتواء الانتشار البالغ الاتساع والخطورة لفيروس كورونا، ووسط الشكوك الكبيرة في التزام كاف لموجبات حالة الطوارئ الصحية لمدة عشرة أيام قابلة للتجديد، لم يكن المناخ السياسي افضل حالا من المناخ الوبائي في ظل المخاوف من احراق المراكب بين العهد ورئيس الحكومة المكلف سعد الحريري. والواقع ان الامال المعلقة على نتائج إيجابية ملموسة من شأنها ان تخفض حجم الكارثة الوبائية والاستشفائية بدت على ضآلتها اكبر من أي رهانات في المقلب السياسي على تبديد التداعيات السلبية العميقة التي أحدثها الهجوم الحاد الذي شنه العهد قبل أيام على الرئيس الحريري. ولكن وعلى رغم المعطيات الحاسمة التي تستبعد استبعادا تاما أي حلحلة وشيكة او حتى متوسطة المدى لكسر مسار تعطيل تأليف الحكومة الجديدة، لم يكن ممكنا تجاهل مؤشرين حملا دلالات بارزة حيال “احتواء سياسي مزدوج” للتصعيد من جانبي الحلفاء وغير الحلفاء تبلورت وقائعه في اليومين اللذين اعقبا هجوم العهد على الحريري وتحديدا بعد تسريب شريط الفيديو الذي يوجه فيه رئيس الجمهورية ميشال عون كلاما مهينا الى الرئيس الحريري. المؤشر الأول تمثل في قرار تجاوز عدم الرد على الهجوم من جانب الرئيس الحريري ورؤساء الحكومات السابقين الى اتصالات وتحركات كثيفة جرت بينهم وبين بكركي كما مع دار الفتوى لمنع أي توظيف من جانب فريق العهد و”التيار الوطني الحر” لتحويل السجال الى خانة طائفية او مذهبية تخدم توجهات شعبوية. واما الجانب الاخر من هذه المؤشرات، فبرز في ممانعة حلفاء العهد والتيار العوني في قوى 8 آذار مماشاة الهجوم على الحريري الى حدود الانقلاب على تكليفه نظرا الى خطورة الانزلاق الى هذا المنقلب المتفجر في الظروف الحالية، ناهيك عن ان هؤلاء الحلفاء وفي مقدمهم “حزب الله”، وان كانوا يدعمون العهد بتفاوت الدرجات وفي بعض مواقفه وشروطه من تشكيل الحكومة الجديدة غير انهم لا يزالون يتمسكون بالحريري على رأس الحكومة الجديدة ولو ان ذلك لا يضمن تبديلا للازمة المتصلة بالتشكيل حاليا على الأقل. وهذان المؤشران شكلا بالنسبة الى أوساط معنية ما يصح وصفه باحتواء التصعيد ولو من دون القدرة على الذهاب أبعد لاجتراح مخرج لازمة التشكيل خصوصا بعدما ارتفع منسوب الخصومة الشخصية والسياسية بين العهد والرئيس المكلف. واذا كان الموقف الأخير للتكتل النيابي العوني أعطى مؤشرا الى تلقيه إشعارا سلبيا حيال ذهابه بعيدا في الحرب على الحريري، فاضطر التكتل الى إعادة خفض درجة العدائية حياله ووجه اليه دعوة لاعادة التواصل مع رئيس الجمهورية، فان ذلك لا يثير اوهاما جديدة في أي حلحلة محتملة قريبا من شانها إعادة تشغيل محركات المشاورات لتأليف الحكومة. يشار الى ان الرئيس الحريري غادر بيروت امس الى أبو ظبي فيما إعلنت بعبدا ان الرئيس عون اجرى بعد ظهر امس فحوصات طبية روتينية في مستشفى أوتيل ديو وعاد مساء الى قصر بعبدا.
وفي السياق السياسي، أشار أمين سر “اللقاء الديموقراطي” النائب هادي أبو الحسن امس إلى أن اتصال رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط بالرئيس المكلف “هو بهدف استنكار التجريح الحاصل ورفضاً لتشويه اتفاق الطائف وضرب الرئاسة الثالثة” ، واصفا “ضرب الطائف بانه حماقة سياسية”. وأضاف “نقول للفريق الحاكم اذهبوا الى الجحيم وحدكم فنحن باقون في النضال. نحن امام مأزق كبير اليوم، وعام 2016 بفعل التسوية كانت العلاقة بين الحريري وعون والنائب جبران باسيل جيدة وأتت بالحريري رئيساً للحكومة فماذا أُنجز للبنان؟ وماذا سيحصل اذاً في ظلّ الخلاف الحاصل وبهذه السياسة وبفعل التعطيل الحريري لن يستطيع تشكيل الحكومة”، مشيراً إلى “أن العهد وفريقه استطاعا تدمير لبنان مستندين إلى شعار القوة الزائفة”.
الطوارئ الصحية
وسط هذه الأجواء يبدأ فجر اليوم تنفيذ حالة الطوارئ الصحية والاقفال الشامل وحظر التجول على مدى عشرة أيام، على وقع ارتفاع مطرد متدحرج في عداد الإصابات والوفيات، وهو شأن طبيعي استنادا الى ما ترصده بعض الفيديوهات من مشاهد كارثية في بعض المناطق لا سيما في شارع صبرا حيث كان الاكتظاظ الجنوني من دون التزام التباعد الاجتماعي ولا ارتداء الكمامات. وسجلت وزارة الصحة امس رقما قياسيا جديدا لاسيما في عدد الوفيات بلغ 35 حالة وفاة وهي الأعلى كحصيلة يومية للوفيات، اما عدد الإصابات فبلغ 4988 إصابة. وقد أصيب بكورونا وزير الصحة في حكومة تصريف الاعمال حمد حسن وادخل الى مستشفى سان جورج في الحدث للمعالجة. وبازاء عدادات الإصابات والوفيات المحلقة، خطت الاجراءات التشريعية الواجبة لوصول اللقاحات ضد كورونا الى لبنان، خطوة مهمة امس يفترض ان تتكلل بالاقرار غدا الجمعة في جلسة عامة دعا اليها رئيس مجلس النواب نبيه بري. وتحرّك ملف اللقاحات تشريعيا، فدعا بري إلى عقد جلسة عامة في الثانية من بعد ظهر غد الجمعة في قصر الأونيسكو لدرس اقتراح القانون المعجل المكرر الرامي الى تنظيم الاستخدام المستجد للمنتجات الطبية لمكافحة جائحة كورونا. وتأتي الدعوة هذه، بعدما اعلن رئيس لجنة الصحة النيابية النائب عاصم عراجي ان كل الشركات التي تُنتج لقاحات تطلب قوانين للاستعمال الطارئ. وقال بعد اجتماع لجنة الصحة: “وضعنا في مواجهة كورونا سيء وقد يسوء في المرحلة المقبلة، وخلال 48 ساعة لجنة الصحة أنجزت مسودة قانون للإستعمال الطارئ للقاحات بصيغة المعجل مكرّر وكل الأطر الطبية والقانونية وضعت في هذا القانون وستُعقد لجنة عامة للبتّ به”. وأوضح ان “القانون الذي أُعدّ ليس مفصلاً على مقياس شركة واحدة إنّما لكل الشركات والكلام عن مؤامرة في لقاح كورونا غير دقيق ومعظم دول العالم بدأت عمليات التلقيح”.
وفي السياق نفسه غرّد رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط عبر “تويتر” قائلا: “هل هناك من مانع قانوني او سياسي بالاسراع في استيراد اصناف الـ vaccine المتعددة التي اعتمدت في غالب الدول لمواجهة التفشي الجنوني للوباء المتربص بالمواطن اللبناني واللاجئين والمقيمين من عمالة اجنبية؟ فلنترك كل الخلافات جانبا، انها معركة الوجود والبقاء”.
ومساء امس أعلنت آلية لطلب الأذن للانتقال خلال فترة الاقفال العام للأشخاص غير المشمولين باستثناءات قرار الاقفال العام تلحظ تعبئة استمارة عبر موقع إلكتروني خاص او ارسال رسالة نصية على الرقم 1120 وفق لائحة خيارات لحاجات المواطنين والوقت المسموح بها.