ذوالفقار قبيسي – اللواء
تسريب أرقام واردات ونفقات الدولة لهذا العام الى وسيلة إعلامية واحدة يشكّل حاجزا يحدّ ويضيّق ويتناقض مع الحق المطلق للرأي العام وكل أفراد الشعب في الاطّلاع على معلومات أساسية وضرورية لمختلف القطاعات عن كل شهر وكل فصل من كل عام، ولها أهميتها القصوى في اتخاذ القرارات الاقتصادية لا سيما الاستثمارية، وللدراسات والأبحاث العلمية والأكاديمية التي في ضوئها يمكن المساهمة في الحلول الملائمة لحسن سير العملية المالية وتأثيراتها الاقتصادية والاجتماعية والسياسية. وهذا إضافة الى ان الحق في تلقّي الإعلام والتعلّم هو أحد البنود الرئيسية التي تضمنتها وثيقة حقوق الإنسان الصادرة عن الأمم المتحدة والتي كان لبنان في عهد ممثليه الدكتور شارل مالك في المؤسسة الدولية أحد المساهمين الرئيسيين في صياغتها.
ويضاف أيضا انه حتى ولو نشرت الأرقام الفعلية كما هي، لا بد أن تترافق من قبل الجهة المختصة مع تحليلات علمية وعملية عن أسباب ارتفاع أو انخفاض كل بند من بنودها، حيث دور الدولة وما تضم من وزارات ومجالس ودوائر ومؤسسات ليس كمثل دور مدقق الحسابات. وحتى مؤسسات التدقيق المحاسبي والمالي كثيرا ما ترفق بالموازنات المدققة تقريرا تفصيليا عن أسباب ما لحق بها من تغيّرات وتقلّبات بما يتعدّى مجرد المصادقة والتوقيع على الحسابات… فكيف إذا كانت هذه الحسابات في عهدة ومسؤولية دولة، وكيف إذا كانت الحكومة حكومة تكنوقراط؟؛ حيث لا يكفي من حكومة اختصاصيين الإعلان، ولو عبر مؤسسة إعلامية واحدة، ان إيرادات الاتصالات مثلا تراجعت بأكثر من ٦٢% الى ٣٠٠ مليار ليرة خلال الـ٩ أشهر من العام ٢٠٢٠ مقابل ٩٤٠ مليار ليرة خلال الفترة نفسها من العام ٢٠١٩. فهذا التراجع الكبير في واردات قطاع عام أساسي وصف وارداته يوما الرئيس الراحل عمر كرامي بأنه «بترول لبنان»، يحتاج الى توضيحات وتحليلات عن العوامل والأسباب والنتائج. والأمر نفسه عن الارتفاع الحاصل 97,92% في الواردات من القطاع العقاري وضرورة مقارنتها بالتعاقدات الفعلية، لا سيما ان الكثير من هذه العقود لا تتضمن القيمة الحقيقية لهذه العمليات. والأمر نفسه يقال عن التراجع ٣٤% في الايرادات الجمركية وأهمية وضرورة مقارنته نسبيا بحجم تراجع الاستيرادات وحجم العجز في الميزان التجاري بما يمكن أن يعطي مدلولا عن حجم التهريب الجمركي. كما الأمر نفسه عن تراجع نفقات الفوائد عن الدين العام بنسبة ٦٢% ولا سيما التراجع بنسبة ٨٩% في فوائد الديون الخارجية، وهل سببه امتناع الدولة عن دفع اليوروبوندز بما خفض بند الفوائد ولكن مؤقتا ولم يخفض فعليا التزام الدولة بها عند الدفع… والأمر نفسه يقال عن العديد من البنود الأخرى التي ينبغي أن تخضع لتحليل وتشريح وبحيث يعرف الرأي العام ليس فقط «الرقم الصامت» بل الرقم الحقيقي وتداعياته عن الوضع القائم أو… الصادم!