عندما اكتب في موضوع يتعلق بمؤسسة الصليب الأحمر اللبناني، لا أجد نفسي قد بذلت عناءآ في التفكير لانتقاء الكلمات التي أكتبها، بل تنساب بأريحية وبشغف، حتى أضحى لها تعريفان، الأول نابع من طبيعتها والثاني ينبع من الوجدان والضمير.فيما يتعلق بطبيعتها، الصليب الأحمر اللبناني هو جمعية وطنية مستقلة، ذات منفعة عامة، واعترف بها رسميآ من قبل اللجنة الدولية للصليب الأحمر(جنيف) عام ١٩٤٧، يضم آلاف المتطوعين المؤهلين للعمل في خدمة أشد الفئات ضعفآ وحاجة في المجتمع اللبناني، ويعتبر أكبر منظمة وطنية إنسانية، أما على مستوى مشاعرنا الصادقة والمخلصة تجاه هذه المؤسسة، فهي من الوطن ولكل الوطن على مساحة الوطن.ومنذ نشأته في العام ١٩٤٥ طوّر الصليب الأحمر اللبناني نشاطاته وخبراته وقدراته وفقآ للحاجات والمتطلبات المحلية، فانطلاقآ من مهمته الأساسية المتعلقة بإنقاذ الضحايا في الكوارث الطبيعية والإنسانية ومساعدة الناس والحفاظ على حياتهم، ونشر السلام وخدمة المجتمع وتخفيف آلام الإنسان دون تمييز بين فرد وآخر، نجد هذه المؤسسة الوطنية في المقدمة وفي طليعة من يأخذ على عاتقه تقديم المساعدة الإنسانية، الى جانب دوره في تنفيذ قواعد القانون الدولي الإنساني، وفي هذا السياق نذكر محطتين أليمتين بذل فيها الصليب الاحمر اللبناني كل التفاني والتضحية، وهما الحالة الصحية العامة في البلاد المتمثلة بجائحة كورونا، فهو يشارك في اللجنة الوزارية لمتابعة التدابير والاجراءات الوقائية بفيروس كورونا، كما تم إعداد الفرق اللازمة لذلك وتدريب العاملين فيها، والحادث الأليم الذي حصل في مرفأ بيروت في الرابع من آب.الى جانب المبادئ والقيم الانسانية التي يتجلى بها نشاط الصليب الاحمر اللبناني، فإنه يكرس في عمله أهم المبادئ التي تقوم عليها البشرية جمعاء، وهو مبدأ المساواة وعدم التمييز بين الأشخاص، حيث يقدم المساعدة لمطلق شخص بصفته إنسان يستحق المساعدة والإغاثة، فلا يميز بين القوميات او الأجناس أو الأديان أو العقائد السياسية، فهذه المعايير لطالما جلبت للبشرية الأذى والمصائب والنتائج الكارثية على مختلف الأزمنة، والتاريخ الحديث شاهد على ارتكاب العديد من الجرائم الدولية، كجرائم الحرب والجرائم ضد الانسانية وجرائم الابادة الجماعية انطلاقا من انتهاك مبدأ المساواة بين الأمم والافراد، لذلك عندما نشأت منظمة الأمم المتحدة في العام ١٩٤٥ فقد اعتبر ميثاقها ان مبدأ المساواة هو من أهم المبادئ التي يجب أن تسود في العالم. انطلاقآ من هذا المبدأ، يتمثل الهدف الأساسي للصليب الأحمر اللبناني بإزالة معاناة الانسان وإعطاء الأولوية للحالات التي تتطلب عملآ إنقاذيآ عاجلآ، وهذا ما أوجد وعزّز ثقة الجميع به، على المستوى الوطني والخارجي، على مستوى الدول والسلطات اللبنانية والجمعيات المحلية والمواطنين والمغتربين اللبنانيين، لأنه وضع نصب عينيه الإنسانية كهدف اسمى ووحيد، ونأى طوعيآ وفعليآ بنفسه عن أية مسائل سياسية او دينية أو عرقية او مذهبية، مما جعله مثالآ مشرّفا للنزاهة والشفافية والمصداقية والاستقلالية في ممارسة مهامه.إن ما يقوم به الصليب الأحمر اللبناني على الصعد التثقيفية والتوعوية والاجتماعية والثقافية والصحية والخدماتية يجعلنا عاجزين عن تقديم الشكر لعظيم تضحياته، ولذلك على الدولة والمجتمع المدني ووسائل الاعلام والمواطنين المقيمين والمغتربين تقديم وافر المساعدة له والوقوف الى جانبه، ومساندته كلا حسب اختصاصه ليبقى صامدا بكامل طاقته وجهوزيته لمواجهة كل المخاطر التي تهدد البلاد وتزعزع السلم.على الرغم من المهام المتعددة للصليب الأحمر اللبناني كنقل الدم وتوزيعه، ادارة الكوارث، الصحة المدرسية، الخدمات الخاصة بالمعوقين، الصحة المجتمعية والاسعاف الأولي، بث ونشر قواعد ومبادئ القانون الدولي الإنساني وغيرها من الخدمات الإغاثية والإنسانية والمجتمعية والمعرفية، والتي يقوم بها مختلف الأقسام والأفراد في هذه المؤسسة، لكن في ظل الظروف الراهنة الصحية منها وتلك المتعلقة بالحادث الأليم في الرابع من آب لا بد من توجيه فائق التقدير والثناء الى ركنين اساسيين في هذه المرحلة الدقيقة، قطاع فرق الإسعاف والطوارئ على الجهود الاستثنائية والجهوزية التامة والدائمة المبذولة من قبل المسعفين الكرام الذين ندروا انفسهم في خدمة الإنسانية، وحضرة الأمين العام الأستاذ جورج كتانة الذي يتمتع بالحيوية التامة والمقدرة على التحكم بمفاصل نشاط المؤسسة، والالمام ومتابعة كامل المهام اللوجستية، وهذا الأمر رفع أكثر من مستوى الثقة بهذه المؤسسة والتقدير لها، سواء على المستوى الوطني او الدولي، الحكومي وغير الحكومي، وما الزيارات والاجتماعات والتواصل مع الصليب الأحمر من قبل هذه الجهات إلاّ تأكيد على الثقة العالية بها، والتي لم تأتِ من فراغ وإنما من خلال مسيرة طويلة عبر الزمن مليئة بالانجازات والنجاحات والمصداقية والشفافية في العمل.
أخبار عاجلة