فيما جائحة كورونا، بلقاحاتها الموعودة وتزايد اصاباتها ووفياتها وما فرضته من تمديد للاقفال العام الى 8 شباط المقبل، تطغى على ما عداها من اهتمامات، بدأت الاوساط السياسية تنشغل في استكشاف ما يمكن ان يكون عليه توجه الادارة الاميركية الجديدة إزاء لبنان، وتستمر أزمة تأليف الحكومة في الدوران ضمن حلقة مفرغة بسبب التباعد المستمر بين مواقف “المؤلفين” في الداخل والغموض الذي يلف مواقف المؤلفين في الخارج، فيما صدر موقف سعودي لافت في أبعاده وخلفياته وتوقيته عبّر عنه وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان بن عبدالله، لقناة “العربية”، أنّ “لبنان يمتلك مقومات للنجاح لكنه يحتاج للإصلاح، ولن يزدهر بلا إصلاح سياسي ونبذ ميليشيات “حزب الله”.
علمت “الجمهورية” انّ الرئيس الملكف تأليف الحكومة سعد الحريري بعث برسالة الى رئيس الجمهورية ميشال عون أكد له فيها انه تجاوز الفيديو المسرّب وما تضمنه من اساءة شخصية له، لكنّ عون لن يبادر الى الاتصال به ودعوته الى لقاء في القصر الجمهوري اذا لم يلمس تغييراً في مواقفه المتصلبة والذهاب الى تشكيل حكومة وفق معايير سبق ان اثارها معه وتمنى عليه اخذها في الاعتبار.
وقالت مصادر مطلعة لـ”الجمهورية” ان عون لا يريد دعوة الحريري الى القصر الجمهوري لتسجيل رقم اضافي في عدد زياراته لهذا القصر، وانما يصرّ على ان تكون الدعوة الى لقاء جدي من شأنه ان يحدث خرقاً في جدار الازمة.
وعلمت “الجمهورية” انّ حراكين جاريين على خط التشكيل الحكومي، الاول يقوده البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي ويطغى عليه الطابع المعنوي والروحي، والثاني عملاني يقوم به المدير العام للامن العام اللواء عباس ابراهيم ويتركّز بين بعبدا و”بيت الوسط” لتذليل العقبات.
وجهتا نظر
الى ذلك، تحدثت أوساط سياسية متابعة عن وجهتي نظر في موضوع تأليف الحكومة، الوجهة الأولى بدت متشائمة مُستبعدةً أي إمكانية لخرق في المراوحة الحكومية بعدما فشلت كل الوساطات واصطدمت بجدار التأليف السميك، بسبب تمسّك كل من العهد والرئيس المكلف بشروطهما، وعدم قدرة الوسطاء على دفعهما الى التنازل إلى مساحة مشتركة، وحتى “حزب الله” الذي دعا إلى تسريع وتيرة التأليف وضع المشكلة عند الطرفين وليس عند طرف واحد، ولا يبدو أنّ الحلحلة واردة في القريب العاجل في ضوء عودة قريبين من عون إلى نغمة حكومة التكنوسياسية بالاستناد إلى كون الحريري شخصية سياسية لا تتناسب مع وحدة المعايير التي يطرحها عون، وبهذا الطرح يضاف تعقيد جديد على رغم من انّ البعض وضعه في سياق المناورة السياسية بغية دفع الحريري إلى خفض شروطه السياسية.
وفي المقابل، تتحدث وجهة النظر الأخرى عن حلحلة مرتقبة في التأليف بعد دخول واشنطن في مرحلة جديدة ستعلّق فيها العقوبات مبدئياً حتى إشعار آخر، وبما يسمح ويتيح التفرُّغ للشأن اللبناني في المرحلة التي ستكون فيها الإدارة الأميركية الجديدة منشغلة بتهيئة ملفاتها ومن ضمنها ملف الشرق الأوسط.
وعَزت الوجهة نفسها الحلحلة إلى عامل آخر مرتبط برغبة القوى المعنية في تأليف الحكومة بإخراجها من عنق الزجاجة، إذ على رغم الخلاف القائم، وهو النصف الفارغ من الكوب، ولكن النصف الآخر الملآن يؤكد انّ القوى الثلاث الأساسية، اي العهد والحريري والثنائي الشيعي، تريد تأليف الحكومة التي تشكل مصلحة مشتركة في ما بينها، وهذا التقاطع بين هذه القوى على التأليف لا بد من أن يشكل في اللحظة المواتية قوة دفع لتجاوز العقد الموجودة، وانّ قوة الدفع المعطوفة على الوساطات التي تؤكد إمكانية تجاوز هذه العقد ستفضي إلى إصدار مراسيم التأليف.
وما بين هذه الوجهة وتلك يبقى الوضع الصحي متصدرا كل اهتمام، إلا انّ الأوساط المعنية توقعت تسريعاً في وتيرة التأليف ستبدأ معالمه بالظهور قريباً.
“الوفاء للمقاومة”
وفي المواقف السياسية قالت كتلة “الوفاء للمقاومة”، بعد اجتماعها الدوري برئاسة النائب محمد رعد، انه رغم انقضاء ما يقرب من ثلاثة أشهر على تكليف الحريري تشكيل الحكومة الجديدة “وسواء تم تجاوز المهلة الطبيعية للتأليف أو يكاد… فإن الواقع المأزوم في البلاد، يتطلب تحريكا استثنائيا لعجلة التأليف الحكومي لكي تباشر السلطة التنفيذية إدارة شؤون الوطن والمواطنين”. وأكدت “أنّ الظروف ضاغطة والإمكانية متوفرة لإنجاز تشكيل الحكومة، خصوصا إذا ما تم القيام ببعض الخطوات التي تساهم في تدوير الزوايا وتعزيز الثقة وإزالة المخاوف بين المعنيين”.
ورأت الكتلة “أن استبدال رئيس بآخر في الولايات المتحدة الأميركية لا يغير في أصول ومبادئ السياسات المعتمدة من قبل الدولة “المؤسسة” في أميركا، وإنما يعكس فقط التبدل في الأداء والأساليب… وطالما أن سياسة الإدارات الأميركية منحازة دائماً إلى جانب العدو الصهيوني وإرهابه، فإنّ انتظار الحلول منها هو بمثابة رهان على الوهم وتضييع للوقت. وعلى هذا الأساس فإنّ لبنان معنيّ بأن يدير شؤونه الداخلية والخارجية معتمدا على صداقاته الحقيقية المعادية للكيان الصهيوني بدل الرهان الخاطئ على الزبد الذي لا ينفع ولا يفيد”.
تمديد الاقفال
وعلى الصعيد الصحي، مدد المجلس الاعلى للدفاع فترة الاقفال العام لأسبوعين إضافيين في ظل قفزة غير مسبوقة في أعداد المصابين والوفيات منذ مطلع السنة، فيما تغرق البلاد في أسوأ أزماتها الاقتصادية. وقد سجل حتى الآن، في البلد الذي يعدّ 6 ملايين نسمة، 269241 حالة، منها 2151 وفاة. واعلنت وزارة الصحة أمس وفاة 67 شخصا خلال 24 ساعة في رقم قياسي جديد، كذلك اعلنت تسجيل 4594 إصابة جديدة بكورونا (4579 محلية و15 وافدة).
واعتبر عون، في مستهل الاجتماع، أنّ “التجاوب مع قرار الإغلاق الكامل كان إيجابياً وسجّل نسبة عالية، على رغم وجود بعض الخروق التي تحتاج الى معالجة”، مؤكّداً “ضرورة استمرار الإجراءات المتخذة والتشدّد في تطبيقها”.
وعلمت “الجمهورية” ان رئيس حكومة تصريف الاعمال حسان دياب أبلغ المجلس الاعلى للدفاع ان اللقاحات ستصل في وقتها، وقد تم تأمين كل الاعتمادات الخاصة بها وتم دفعها وعددها مليونين و400 الف لقاح اضافة الى ما يمكن ان يتأمّن عبر القطاع الخاص من منصة “كوفاكس”، وستحدد اعمار الفئات التي يتم تلقيحها وهي ما فوق 18 سنة.
وكشف دياب الى انه سيُصار الى اجتماع مع البنك الدولي ومنظمة الامم المتحدة لشراء اجهزة تنفس، وستوزّع على المستشفيات والبلديات لمعالجة مرضى كورونا داخل المنازل اذا اقتضى الأمر، من اجل تخفيف الاكتظاظ على المستشفيات.
وقد ابلغ دياب الى المجتمعين انّ هناك خطة يتم درسها لتطبيقها في مرحلة ما بعد انتهاء الـlockdown، وخطة اخرى لمواجهة السلالات الجديدة. كذلك هناك برنامج لتوزيع اللقاحات سينجز خلال فترة قصيرة، وسيكون هناك اجتماع مع مصرف لبنان لتأمين الاموال اللازمة لتزويد المستشفيات المعدات والمستلزمات الطبية الخاصة.
وعرضت خلال الاجتماع ايضاً مؤشرات خطيرة ومرتفعة جدا لحالات الوفاة، والتي من المتوقع ان ترتفع في الايام المقبلة، بحيث ان هناك 855 حالة كورونا داخل غرف العناية الفائقة منها 400 حرجة ومستعصية.
كذلك تبين انّ لبنان اصبح في المرتبة السادسة عالمياً في نسبة الاصابات التي بلغت 21 % من اختبارات الـ PCR، وتفشي الاصابات يحصل بنحو سريع وخطير جداً، كما انّ الفيروس بات في غالبية الحالات فتاكاً الى درجة أنه يتطلب الدخول الى العناية الفائقة لمدة 24 ساعة ويكون فيها قد سيطر على الرئتين وأحدثَ تجلّطات خطيرة.
وتحدثت وزيرة العدل عن واقع المستشفيات التي لا تلبّي مرضى كورونا وطلبت ايجاد حل سريع لهذه النقطة الاساسية.
وفي موضوع اللقاحات علمت “الجمهورية” أنّ مليونين و400 لقاح ستصل تباعاً الى لبنان ابتداء من شباط، الكمية الاولى 40 الفاً توزع على الطاقم الطبي والتمريضي، امّا في شهر آذار فسيصل 100 الف لقاح كل اسبوع، وخلال شهر نيسان سيصل 250 الف لقاح كل اسبوع من “فايزر”. واللقاح الذي يؤخذ على جرعتين سيؤمن تلقيح مليون ومئتي الف مواطن، وحتى الآن هناك 300 الف مصاب بكورونا لن يلقّحوا، أما بقية اللقاحات فستصل عبر منصة “كوفاكس” من شركات اخرى، وبدءاً من الاثنين سيطلق وزير الصحة تطبيقا إلكترونيا يتيح لكل مواطن لبناني الدخول اليه وتقديم المعلومات اللازمة لكل من يرغب بأخذ اللقاح وتزويده كل المعلومات اللازمة. وسيتم تلقيح 400 شخص يومياً من خلال 35 مركزاً تتوزع في كل المناطق اللبنانية داخل المستشفيات، وقد تم اختيار المستشفيات بالتحديد لأنّ الكهرباء مؤمنة فيها 24/24 وتم الكشف على برّاداتها التي تبين انّ غالبيتها تحفظ على -100 درجة، ما يعني ان تبريد اللقاح الذي يحتاج الى -70 سيكون متاحاً وآمناً.
وأعلن مصرف لبنان أنه “نفذ كل التحاويل المالية المتعلقة بلقاح كورونا ومستحقات المستشفيات”، وقال في بيان انه تسَلّم أمس طلب وزارة المالية تحويل مبلغ 18 مليون دولار للخارج لشراء اللقاح COVAX الخاص بفيروس كورونا، وتم تنفيذ التحويل فورا.
من جهته عَمِل البنك الدولي على إعادة تخصيص 34 مليون دولار لدعم جهود التطعيم في لبنان الذي يكافح لاحتواء جائحة فيروس كورونا. وقال رئيس البنك الدولي، ديفيد مالباس، في بيان: “إنّ توفير لقاحات ضد كوفيد-19 بشكل عادل وواسع وسريع هو أمر بالغ الأهمية لحماية الأرواح ودعم التعافي الاقتصادي”. واضاف انّ قرار إتاحة الأموال جاء عقب جهود السلطات اللبنانية لإجراء تقويم لمدى استعداد البلاد لعملية توزيع اللقاح وإنشاء لجنة وطنية للقاحات وإعداد مشروع الخطة الوطنية للتطعيم، بما يتماشى مع توصيات منظمة الصحة العالمية.
فهمي
وقال وزير الداخلية العميد محمد فهمي لـ”الجمهورية” ان القرار الذي صدر عن المجلس الأعلى للدفاع بتمديد فترة الاقفال الكامل “هو امر ضروري لاحتواء انتشار وباء كورونا”، مؤكداً “ان قوى الأمن الداخلي ستواصل التشدد في تطبيق التدابير الميدانية على الارض للَجم اي مخالفات قد تحصل، ولن يكون هناك اي تَراخ في الإجراءات مهما طالت مدة الاغلاق”. وأوضح “انّ نسبة التقيد بالاقفال التام لا تزال مرتفعة جدا، وهي بلغت في بعض المناطق 95 في المئة، وهذا امر إيجابي يعود بالدرجة الأولى الى خوف الناس بعد تفشي الوباء وامتلاء المستشفيات وليس الى اقتناع طوعي بأهمية الاقفال، علماً انه لو حصل تجاوب إرادي واسع مع قرارات الاغلاق السابقة لما كنّا قد وصلنا إلى هنا”.
وأبدى فهمي أسفه “لكَون البعض لا يزال يحاول التذاكي على نظام منح الإذن بالخروج”، كاشفا انه تم توقيف نحو 18 شخصا من الذين أرادوا التحايل على التطبيق الذي وضعناه بسرعة قياسية، في حين انّ دولاً أخرى اكثر تطورا احتاجت الى وقت أطول لإنجازه”. واشار الى “ان تعديلات أدخلت امس على تطبيق منح أذونات الخروج لضبطه وتحصينه في مواجهة محاولات التشاطر عليه”، لافتاً المتذاكين الى “انهم يضحكون على أنفسهم وليس على الدولة لأنهم سيكونون هم والقريبون منهم المتضررين من انتقال العدوى”. وأوضح “ان قوى الأمن تتفهّم في المقابل حاجة بعض المواطنين الى التنقل لأسباب ضرورية، وهي تتعاطى بمرونة مع الطلبات المشروعة”.
التحويلات المالية
من جهة ثانية، وفي تطوّر قضائي لافت مرتبط بملف تحويل مسؤولين لبنانيين أموالاً إلى الخارج بمليارات الدولارات، استمع النائب العام التمييزي القاضي غسان عويدات أمس إلى حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، وذلك بعد يومين على تبلّغ لبنان رسمياً طلب تعاون من السلطات في سويسرا يتعلّق بتقديم مساعدة قضائيّة حول تحويلات مالية بقيمة 400 مليون دولار تخصّ سلامة وشقيقه رجا سلامة ومساعدته مارين الحويك.
وأعلن سلامة أنه قدّم لعويدات “كل الأجوبة عن الأسئلة التي حملها بالأصالة كما بالنيابة عن المدعي العام السويسري”.
وجَزم سلامة في “أنّ أي تحويلات لم تحصل من حسابات لمصرف لبنان أو من موازناته”. وأضاف: “أكدتُ أنني جاهز دائماً للإجابة عن أي أسئلة، كما احتفظت لنفسي بحق الملاحقة القانونية في وجه جميع الذين يصرّون على نشر الإشاعات المغرضة والإساءات التي تطالني شخصياً كما تسيء لسمعة لبنان المالية”.
وعلمت “الجمهورية” انّ عويدات ابلغ الى سلامة وجود طلب مساعدة قضائية من المدعي العام السويسري للاستماع اليه في موضوع تحويلات مالية من خلال مصرف سويسري، وكذلك ابلغ اليه انه يستطيع ان يدلي بما لديه، سواء في السفارة السويسرية في لبنان او في سويسرا. وقد اجاب سلامة انه يفضّل ان يدلي بشهادته في سويسرا، وأنه سيتابع الملف من هناك.
مكامن الخطر
مالياً، أبرزت الكتب الجديدة التي تقدمت بها شركة “الفاريز آند مارسال” الى المراجع المعنية بعد حاكمية مصرف لبنان طلباً من وزارة المال والحكومة بتسمية الوزارات والمؤسسات العامة التي سيشملها عملية “التدقيق الجنائي” بشكل واضح وصريح، ومدى القدرة على تطبيق قانون “الحق في الوصول الى المعلومات” قبل الولوج الى المهمة التي قبلت باستئنافها بعد اعتذارها سابقاً.
كما أبرز الكتاب الذي وجّهته الشركة الى حاكم مصرف لبنان طلباً بتعهّد خطي بتوفير المعلومات التي تريدها الشركة، وصولاً الى اعطائها الحق في الدخول الى اي دائرة في المصرف من اجل الاطلاع على ما تريده من معلومات ووثائق.
وقالت مراجع مالية ومصرفية عبر “الجمهورية” ان مطالب الشركة ألقت الضوء مسبقاً على العبء الذي ألقاه القانون الذي أقره مجلس النواب، والتوسّع في التحقيق الجنائي الى مختلف المؤسسات العامة، وتزامن هذه العملية التي تحتاج الى سنوات عدة مع تعليق البنود التي تعوق المهمة في قانون السرية المصرفية لسنة واحدة، وهو ما سيطرح إشكالية من هذا النوع من اليوم قبل الحديث عن “خدعة” حقيقة وفخ استدرجت اليه الشركة التي ستضطر الى تعليق أعمالها فور نهاية السنة المحددة، علماً انّ اكثر من شهرين قد انقضيا قبل الاقلاع بأي خطوة.