الجمعة, نوفمبر 22
Banner

المالية “تهرب” إلى السوق السوداء وتشرّعها… بعيداً من مصرف لبنان

خالد ابوشقرا – نداء الوطن

موجة جديدة من إرتفاع أسعار السلع والخدمات، وانهيار المزيد من المؤسسات بانتظار لبنان هذا العام. السبب هذه المرة لا يتعلق بارتفاعات جديدة في سعر الصرف، ولا بتبدل أسعار المواد الأساسية في الأسواق العالمية، إنما بتغيير وزارة المالية طريقة إحتساب قيمة الضريبة على القيمة المضافة وضرائب الأرباح على الشركات.

حتى الأمس القريب كانت وزارة المالية تستوفي ضريبة الأرباح، والـ TVA على أساس سعر الصرف الرسمي. فالتاجر الذي يستورد على سبيل المثال بضائع بقيمة 100 الف دولار كان يسدد 11 في المئة بدل الضريبة على القيمة المضافة، على أساس ان قيمة الفاتورة هي 150 مليون ليرة. وبالتالي كان يدفع 16 مليوناً و500 ألف ليرة. لكن مع القرار رقم 893/1 الصادر عن وزارة المالية في 21 كانون الاول 2020 أصبح المستوردون ملزمين بتسجيل قيمة الفاتورة بحسب سعر كلفة الدولار يوم الشراء أي 9000 ليرة، حالياً. وعليه تحدد قيمة الفاتورة السابقة رسمياً بـ 900 مليون ليرة بدلاً من 150 مليوناً، وتصبح ضريبة القيمة المضافة عليها 99 مليون ليرة.

العبء على المستهلك النهائي

حجة وزارة المالية باستيفاء بعض التجار الضريبة على القيمة المضافة بالعملة الأجنبية من ضمن الفاتورة النهائية التي يصدرونها بالدولار، مقابل التسديد للدولة على أساس 1500 ليرة، ينفيها الخبير الاقتصادي ورجل الاعمال باسم البواب. حيث ان “قواعد المنافسة تلزم التجار باحتساب الضريبة على القيمة المضافة بقيمتها الحقيقية. ومن يحتسب TVA على أساس دولار السوق سيخسر زبائنه لمصلحة من يحتسبها على قيمتها الحقيقية. البواب لا ينكر أن “أغلبية التجار كانوا في بداية الازمة، عندما كان سعر الصرف أقل من 2000 ليرة، يحتسبون الضريبة على القيمة المضافة بالدولار وبحسب سعر السوق. إلا انه مع وصول سعر الصرف إلى 9000 ليرة أصبح من المستحيل على التاجر احتساب TVA من ضمن فاتورة الدولار، لان هذا يعني ان سلعة بقيمة 100 دولار ستكلف المستهلك 100 الف ليرة ضريبة. لذلك فان احتسابها من معظم التجار يتم على اساس 1500 ليرة، أي انها تحتسب 16500 ليرة. أما محاسبياً فان معظم التجار اصبحوا يحتسبون نسبة الضريبة على القيمة المضافة في الفواتير المصدرة بالدولار بنسبة 3 في المئة بدلاً من 11 في المئة، لكي تتعادل قيمتها النهائية مع قيمتها الفعلية بالليرة.

من المعروف ان عبء ضريبة القيمة المضافة يقع على عاتق المستهلك النهائي. والزيادة الضريبية ستضاف على سعر السلعة النهائية وتساهم برفع الأسعار بنسبة تتراوح اليوم بين 8.5 و9 في المئة. وهذه النسبة معرضة للارتفاع بشكل مستمر مع كل انهيار بسعر صرف الليرة اللبنانية مقابل الدولار في المستقبل. لكن في المقابل فان الاضرار على الشركات والتجار جراء هذا الواقع لا تقل خطورة. وبحسب البواب فانه مع وجود 3 أسعار صرف تصبح العملية معقدة جداً ومؤذية من كل الجوانب. فالتجار يتقاضون الاموال بثلاث طرق وهي:

– نقداً بالليرة اللبنانية بحسب سعر صرف السوق. ولا يملكون أي إثبات على سعر تحويل الليرة إلى الدولار في السوق الثانوية.

– شيك بالدولار، بقيمة أقل بـ 33 في المئة. فالسلعة المسعرة بـ 1000 دولار يقبض ثمنها شيكاً بقيمة 3000 دولار. وهذا ما يرتب على الشركة، بحسب البواب، “دفع الضريبة على القيمة المضافة 3 أضعاف. أي انهم يدفعون الضريبة على اساس 3000 دولار بينما المدخول الحقيقي هو 1000 دولار.

– مختلط بين دولار نقداً وشيك بالدولار.

ضرائب الأرباح تكرسح الشركات

النقطة الثانية التي لا تقل خطورة هي ان أنظمة المحاسبة في الشركات مبرمجة على ان كل دولار يساوي 1500 ليرة وعلى هذا الاساس تحتسب الضرائب والارباح. ولكن وفي حال احتساب الربح بحسب سعر الصرف فسيظهر ان الشركات تحقق ربحاً مضروباً بـ 8.5 مرات أو حتى أكثر، بمعنى تمّ الربح بقيمة 150 ألف ليرة سيظهر وكأنه 900 ألف وسيدفع المكلف ضريبة بنسبة 27 في المئة (17 في المئة ضريبة ربح و10 في المئة ضريبة توزيع أرباح على هذا الاساس).

القرار الذي دخل حيز التنفيذ فور إعلانه “من المستحيل تطبيقه في ظل وجود 3 أسعار لسعر الصرف”، يقول البواب. “هذا عدا عن ان القرار مخالف لقواعد المحاسبة العمومية، والمعيار 21 من المحاسبة الدولية”. وبرأي خبراء المحاسبة فان القرار يخالف أيضاً التصميم المحاسبي العام وكل القرارات التطبيقية الصادرة، تطبيقاً لقانون المحاسبة العام ولقانون الضريبة على القيمة المضافة وقانون ضريبة الدخل. وبالتالي فإن الطعن به جائز وعدم تطبيقه لا يرتب مخاطر على المكلفين”.

مخالفة المعايير المحاسبية

عضو جمعية “مدراء مؤهلون لمكافحة الفساد – لبنان” والخبير في المحاسبة المجاز والمصرفي الاستاذ عادل كريم، فنّد في حديث خاص مخالفات القرار ومنها:

– شرّع القرار سعر الصرف في السوق السوداء، والذي أسماه السعر الفعلي. في حين ان المصرف المركزي كان يلاحق كل المتلاعبين في سعر الصرف في الفترة الماضية. وقد خلق منصة ملزمة للصرافين للصرف على أساس 3900 ليرة.

– لم تجرَ استشارة حاكم مصرف لبنان بما خص سعر الصرف مع العلم ان قانون النقد والتسليف يعطي الشؤون المالية كصلاحيات للحاكم…

– إنعكس هذا القرار على الجوانب المحاسبية وأحاط البيانات المالية للمكلفين بمزيد من التعقيدات، ذلك ان عدم وجود اداة اثبات أو حتى اشعار بسعر الصرف في السوق ستخلق عند المكلف مشكلة كبيرة في عملية الاثبات.

– سيؤدي القرار إلى المزيد من التفلت، بحيث يجري اعتماد أسعار أقل في الفوترة بحجة ان المكلف اتفق مع العميل على هذا السعر. ويصبح هناك ميزانية داخل ميزانية، ويتم وضع المقبوضات في الجيوب. وهذا ما يدل على ان القرارات والتشريعات غير مدروسة من الناحية المحاسبية والمعيارية ومن ناحية آثارها على الاقتصاد ومن خلال اداء المكلفين.

– سيخلق هذا القرار مشكلة في انظمة المحاسبة المبرمجة على الحواسيب. ومن المستحيل تنفيذه إلا بعد اجراء بعض التعديلات على برامج الكمبيوتر. أمّا العودة الى العمل اليدوي في تركيب الجداول وفصل الدولار عن اللبناني فهو أمر غير منطقي، بحيث تدخل مقبوضات الدولار في حساب الارباح والخسائر، وما لم يُقبض يدخل في حساب عنصر الميزانية.

– سيخلق تعقيدات في تقييم المخزون وفي مقبوضات الذمم والمدفوعات للموردين وفروقات صرف القيود التي تنعكس على الضريبة على القيمة الضافة.

هذا غيض من فيض القرار غير المدروس. وبحسب كريم، الذي يحضر مطالعة مفصلة في مواجهة القرار 893/1، فان “انعكاساته المحاسبية والقانونية والتطبيقية مقلقة”. وفي جميع الاحوال فان تغيير الضرائب يتطلب قانوناً وليس قراراً مبنياً على آراء وتوصيات جهات إدارية.

Leave A Reply