عزة الحاج حسن – المدن
تجاوز الوضع المأساوي في لبنان الحديث عن أولويات الإصلاحات الهيكلية والاقتصادية والمالية. فقد أخذ تخاذل السلطات السياسية البلد إلى مكان آخر، تغيّرت فيه الأولويات، وباتت مهمة الحفاظ على حياة اللبنانيين، لاسيما منهم الضعفاء هي الأولوية. إضافة إلى تأمين الحماية الصحية للأشخاص الأكثر تعرّضاً لخطر فيروس كورونا.
لم يعد خافياً على البنك الدولي ما تقترفه السلطات السياسية في لبنان، من سوء إدارة وفساد وعدم اكتراث بصحة وسلامة المواطن اللبناني. لذلك، تنصبّ جهود البنك الدولي في الوقت الراهن على أكثر المسائل خطورة. وهي تمكين الأسر الأكثر فقراً في لبنان، وتأمين اللقاحات لضبط انتشار فيروس كورونا وفتكه بالبلد، بموازاة وضع آليات مراقبة وتدقيق لكل برامج البنك الدولي والمساعدات التي يقدّمها للبلد.
البلد ينهار
البنك الدولي يعي أن لبنان ينهار، وعلى القوى السياسية التحرّك. ففي مؤتمر صحافي عقده اليوم مدير دائرة المشرق في البنك الدولي، ساروج كومار جاه، عبر تقنية zoom رأى أن البلد ينهار وثمة حاجة كبيرة للتدخل، وعلى القوى السياسية التركيز على الإصلاحات الهيكلية لتحقق بعض الاستقرار في البلاد، لاسيما أن كوفيد-19 عمّقت الأزمة في البلد، لكن “مكافحة جائحة بهذا الحجم ليست مجرد مسؤولية المجتمع الدولي، بل هي مسؤولية مشتركة. لذلك على كل المعنيين من سياسيين ووزارات وقطاع خاص ومجتمع مدني أن يوحّدوا كل الجهود لمواجهتها”.
الأزمة المتجذّرة التي وصل إليها لبنان كانت متوقعة من قبل البنك الدولي، الذي لطالما حذّر منها. وفي السنوات الأخيرة، صدرت تحذيرات كثيرة من عدة جهات، ومن بينها البنك الدولي الذي تطرّق في تقرير له العام الفائت إلى المصاعب الاقتصادية تحديداً، وكيفية تخطيها. لكن لم يتم التجاوب من قبل السلطات في البلد. لذلك ورداً على سؤال “المدن”، يرى كومار جاه أن “من الصعب اليوم تحديد عدد قليل من الأولويات أمام الدولة اللبنانية. فاللائحة تطول والحكومة لم تحرّك ساكناً، ولم تُحدث أي تقدّم على صعيد إصلاحات القطاعات والمشاكل المتجذّرة. من هنا، وقبل الحديث عن الإصلاح، يجب أن نتحدث عن الفقراء وتمكينهم على الاستمرار بالعيش. هذه نصيحة البنك الدولي الأفضل للمسؤولين في لبنان” يقول كومار جاه.
“ومع التوجه إلى رفع الدعم، وتنفيذ الإصلاحات، فإن شريحة الفقراء ستغرق أكثر فأكثر تحت خط الفقر. لذلك أولويتنا هي حماية هؤلاء، لكن على السلطات في لبنان القيام بواجباتها التشريعية والتنظيمية لتسهيل مساعدة الفقراء والمعوزين”.
دعم الفقراء
وفي ملف شبكة الحماية الاجتماعية، يشرح كومار جاه بأن مجلس إدارة البنك الدولي وافق على المشروع الذي يقدّم الدعم لنحو 147 ألف أسرة فقيرة. وسيتم تنفيذ البرنامج بالتعاون مع برنامج الأغذية العالمي. وتوخياً للشفافية، سيتم اعتماد شركة مراقبة وتدقيق مستقلة، للتأكد من حسن سير الأمور، لا سيما لجهة اختيار وتحديد العائلات ذات الحاجة الملحة. كما أن التمويل والإدارة المالية ستخضع لتدقيق مالي.
تبلغ المساعدات المالية المباشرة، التي سيقدمها البنك الدولي للعائلات الفقيرة في لبنان، 100 ألف ليرة شهرياً، لكل فرد في العائلة المعنية، و200 ألف ليرة إضافية لكل أسرة. فعلى سبيل المثال، تحصل أسرة مكوّنة من 6 أفراد على 800 ألف ليرة شهرياً، إضافة الى الاستفادة من برنامج التعليم، الذي يغطي تكاليف الرسوم الدراسية والنقل والقرطاسية وكافة احتياجات التلميذ.
ونظراً لكون المساعدات التي سيقدمها البنك الدولي بالدولار، ستصل إلى المحتاجين بالليرة اللبنانية، يُعرب كومار جاه عن أسفه لهذا الأمر، مع التأكيد على أن القدرة الشرائية للمستفيدين ستحظى بالحماية، أي أن التحويلات النقدية سيتم تعديلها تماشياً مع تغيّر نسبة التضخم بالبلد. فالمساعدات ستكون على أساس التضخم. ويوضح كومار جاه، أن البنك الدولي أراد تحويل الأموال للفقراء بالدولار حماية للقدرة الشرائية. لكن الحكومة فضّلت الدفع بالليرة اللبنانية للمستفيدين. وقد حدّدت وزارة المالية سعر صرف المساعدات بـ6200 ليرة للدولار “ذلك في إطار توحيد المساعدات، ولكي لا يتم التمييز بين المستفيدين من برنامجنا هذا، والمستفيدين من برامج أخرى”.
خريطة اللقاحات
الملف الآخر ذات الأولوية بالنسبة إلى البنك الدولي، هو موضوع مواجهة جائحة كورونا وتأمين اللقاحات. وفي هذا المجال، حسم كومار جاه الجدل الحاصل في لبنان حول الفئات المستهدفة من اللقاح، وعما إذا كان سيصل فقط إلى اللبنانيين دون سواهم من المقيمين واللاجئين.
يشترط البنك الدولي لدعم الحصول على اللقاحات، إعلان الدولة اللبنانية عن خطة لكيفية وآلية توزيع اللقاحات، تكون مرضية للبنك الدولي. ويذكّر كومار جاه بأن على الدولة ووزارة الصحة والمجتمع المدني وكل الدول احترام الأولويات. أما في حال حصول بعض الإنحرافات في التعامل مع اللقاحات، فسيتم حينها معالجة الأمر، إلا إذا حصل انحراف كلي، فذلك ستكون عواقبه وخيمة على لبنان. لذلك، ستتم مراقبة العملية عن كثب.
ويجزم كومار جاه بأن اللقاح سيطال كافة المقيمين في لبنان حسب الأولويات. فلن يتم إقصاء أحد، ولن يكون اللقاح محصوراً فقط باللبنانيين. وفي المرحلة الأولى سيتم تلقيح نحو 31 في المئة من سكان لبنان، على أن يشمل كافة الفئات ذات الأولوية المعتمدة من قبل منظمة الصحة العالمية. بمعنى أن اللقاح سيصل حسب الأولوية إلى أفراد الطواقم العاملة في المجال الصحي وإلى المسنين الذين يتجاوزون الـ65 عاماً، ثم إلى من تقل أعمارهم عن هذا السن وتفوق 55 عاماً ولديهم أمراض، وفئات أخرى تلحظها التراتبية المعتمدة.
وعن قيمة دعم البنك الدولي للقاحات، يؤكد كومار جاه أن البنك الدولي سيغطي بالكامل ثمن 1.5 مليون جرعة من لقاح فايزر. أي جرعتان لكل شخص من 750 ألف مقيم. أما بالنسبة إلى اللقاحات الأخرى التي ستوفرها منصة كوفاكس، فالبنك الدولي سيؤمن جزءاً من هذا التمويل، وعلى الحكومة اللبنانية تأمين الباقي. موضحاً أن الحكومة وقّعت على عقد بـ7.1 مليون دولار، ومن المحتمل أن يكون هناك تمويل إضافي قد يصل الى نحو 9 مليون دولار بالنسبة للقاحات الأخرى التي قد تأتي إلى لبنان.