عزة الحاج حسن – المدن
في عز الأزمة الصحية التي يواجهها لبنان، يتهافت مستوردون وصيادلة وشركات أدوية على تحقيق أرباح، عن طريق احتكار وتخزين الأدوية، والقيام بممارسات غير قانونية ولا أخلاقية بحق آلاف المرضى، يتاجرون بحياتهم وصحتهم على مرأى من أعين الجميع.
كثيرة هي الممارسات الشاذة التي يقوم بها بعض مستوردي الأدوية، ومعهم صيادلة، مستفيدين من فسادهم وجشعهم. فبعض مستوردي الأدوية، وتحت ذريعة تقنين توزيع الدواء تفادياً للإنقطاع، يعمدون إلى توزيع الأدوية على الصيدليات بما لا يزيد عن نسبة 5 في المئة فقط من حجم طلبيات الصيدليات وحاجة المرضى، وفق ما يؤكد أحد الصيادلة في حديث إلى “المدن”.
ممارسات “وقحة”
صيدلي آخر يؤكد فرض المستوردين شروط قاسية على الصيادلة، ترقى إلى مستوى الإبتزاز، فيُلزمونهم بشراء مستحضرات تجميل أو مواد صيدلانية كمعجون الأسنان والفيتامينات وغيرها، كشرط أساسي لتسليم طلبية الأدوية. وغالباً ما تكون المستحضرات المرفقة مع طلبية الأدوية والمشروطة بشرائها، من المواد غير المطلوبة من قبل الزبائن، ومنها أيضاً أدوية سعلة وضغط.
مواد أخرى يفرضها مستوردو أدوية على الصيادلة، ويساومونهم على تأمين حاجة صيدلياتهم من الأدوية، يقول الصيدلي، كالقفازات الطبية والكمامات والمعقّمات مرتفعة الثمن، خصوصاً تلك التي لم يتمكّن منتجوها من تسويقها لرداءة نوعيتها ربما، أو لارتفاع أسعارها.
ولا تقتصر ممارسات بعض المستوردين والشركات الوقحة وغير القانونية على فرض سلة من المبيعات مع الأدوية، إنما تتجاوزها أيضاً إلى إجراء خطر يقضي برفض الشركات عدم استرجاع الأدوية التي قاربت على انتهاء صلاحيتها، كما جرت العادة منذ سنوات. وباتوا يُلزِمون الصيادلة اليوم بتحمّل مسؤوليتها، كما تفرض شركات الأدوية ومستوردوها رفع الطلبيات كل أسبوعين مرة واحدة فقط، مهما كانت الظروف، وذلك ما يؤدي إلى انقطاع الصيدليات من الكثير من الأدوية والمستحضرات الصيدلانية بشكل دائم، حتى حليب الأطفال لم ينفذ من تلك الممارسات، فيتم التعامل به كحال الأدوية لجهة التقنين والحجز والاحتكار. ما دفع بعشرات الصيدليات إلى الانقطاع من حليب الإطفال خصوصاً الرضّع منهم.
تخاذل الجهات المختصة
وعلى الرغم من إصرار المستوردين على رفض اتهامهم بتلك الممارسات، وتعليل الانقطاع الحاصل بأصناف كثيرة من الأدوية، وفق نقيب مستوردي الأدوية، كريم جبارة، أكثر من مرة، بتهافت المواطنين على شراء الأدوية، نتيجة مخاوفهم من ارتفاع أسعارها في حال رفع الدعم، إلا أن ثمة من ينسف هذه التفسيرات من خلال مقارنة حجم الأدوية المسلّمة بين العامين 2019 و2020 باعتبار أن كميات الأدوية التي تم تسليمها عام 2020 انخفضت بشكل كبير، علماً أن مصرف لبنان حوّل المبالغ المالية نفسها المخصّصة لاستيراد الأدوية في العامين المذكورين.
وبعيداً عن السجالات القائمة بين الصيادلة ومستوردي الأدوية، عبر الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي، لم تتحرّك السلطات المعنية والقائمون على القطاع الصحي، في مجال التحقيق في صحة احتكار المستوردين للأدوية. كما لم تعمل على ملاحقة أولئك المتاجرين بالأدوية ضمن سلة من المواد الصيدلانية، والذي يبتزون الصيادلة والمرضى على تأمين حاجتهم من الأدوية.
لم تتحرّك وزارة الصحة ولا نقابة الصيادلة لضبط المخالفات، على الرغم من مخالفة تلك الممارسات لقانون مزاولة مهنة الصيدلة بشكل واضح. إذ تنص المواد 90 و88 منه على معاقبة المستودع المحتكر للأدوية، وإلزام المستورد بتسليم الأدوية مباشرة للصيدلي وبسعره الرسمي. وتصل العقوبات إلى حد إقفال المستودع المُتلاعب بسوق الأدوية.
الملف أمام القضاء
وقد تقدّم مؤخراً المحامون حسن بزي، جاد طعمة، هيثم عزو، مازن صفية، نجيب فرحات، بيار الجميل، جوزيف ونيس، فرنسواز كامل، باسل عباس، جان بيار خليفة، الياس طعمة، جيلبير أبي عبود ومريم حمدان والصحافي جوي حداد، من الدائرة القانونية لمجموعة “الشعب يريد اصلاح النظام”، بإخبار للنيابة العامة المالية ضد عدد من شركات الأدوية التي تحتكر الدواء وتخزنه في مستودعاتها، وتبيع مخزونها في السوق السوداء، من أجل جني الأرباح الطائلة على حساب صحة وحياة المرضى.
وكان النائب سليم خوري تقدّم في وقت سابق بإخبار الى النيابة العامة التمييزية، بموضوع احتكار الدواء وتخزينه. وكذلك بتهريب الأدوية الى الخارج.
باتت الكرة اليوم في ملعب القضاء اللبناني، الذي عليه ضبط الفوضى القائمة في سوق الأدوية، في ظل تزايد الحاجة للعلاجات المنزلية، خصوصاً لمرضى كورونا، بعد وصول القدرة الإستيعابية للمستشفيات إلى ذروتها.