الإثنين, نوفمبر 25
Banner

النهار: التفلُّت يتّسع… و”نداء الطوائف” لحكومة فوراً

إذا كان اطلاق الخطة الوطنية للقاح ضد وباء كورونا شكل التطور الإيجابي الأول الموعود بوضع لبنان على سكة المواجهة الجذرية مع كارثة الانتشار الوبائي بعد طول تأخير وانتظار مكلف بشريا واقتصاديا، فان ذلك لم يحجب الخشية من تداعيات البطء الذي اعترى برمجة عمليات تسليم اللقاح الذي تبين ان الدفعة الأولى منه لن تصل قبل منتصف شباط في ظل تخوف من تأخر الشركات المصنعة في التسليم كما يحصل في دول عدة في العالم تحت وطأة ضغط الانتاج. ومع ذلك اثار اطلاق الحكومة الخطة رسميا امس ارتياحا نظرا لندرة أي تطور إيجابي في مجمل مشهد الازمات والاختناقات التي تحكم واقع اللبنانيين وتحاصرهم، اما عبر الحجز والمرض والموت جراء استفحال الانتشار الوبائي والواقع الاستشفائي الكارثي الذي يواكبه، واما عبر استفحال التداعيات الاقتصادية والاجتماعية التي تتكشف يوما بعد يوم عن اتساع مخيف للفئات الفقيرة والمحتاجة الى الدعم والمعونات. ولذا ظل الحدث الطاغي على المشهد الداخلي مركزا على اتساع التفلت في الشارع الذي انفجر عصيانا على إجراءات الاقفال العام انطلاقا من “ثورة طرابلس” التي كانت سباقة في تحدي إجراءات الاقفال وأدت حدة مواجهة الاحتجاجات فيها الى واقع خطير تمثل في تصاعد المواجهات بين جماعات المحتجين والقوى العسكرية والأمنية علما ان اعداد المصابين في الجيش اول من امس فاق 31 جنديا وضابطا.

وإذا كانت مجريات الاحتجاجات شهدت امس اتساعا كبيرا تمثل في تنقل الاحتجاجات وقطع الطرق عبر مختلف المناطق نهارا ومساء، فان سؤالا كبيرا اثير على خلفية هذا التفلت عما ستفعله حكومة تصريف الاعمال لمواجهة خطر انهيار خطة التعبئة الصحية وتدابير الاقفال العام، علما ان المداولات الماراتونية التي حصلت في اجتماعات السرايا امس لانجاز خطة اللقاحات تناولت هذا الخطر. وقد قفز موضوع المساعدات المالية للأسر المحتاجة الى مقدم الأولويات خصوصا ان أصوات المحتجين كشفت عمق الازمة الاجتماعية التي تتحكم بتحريك الشارع ولن ينفع تاليا اللعب السياسي في توظيف هذا التحرك لتوجيه اتهامات الى شارع او جهة مذهبية معينة على غرار ما بدأ يتصاعد من كواليس الجهات السلطوية التي تعطل تشكيل الحكومة وتحاول إلقاء تبعة عصيان الشارع على خصومها فيما تتجاهل هذه الجهات خطورة الواقع الاجتماعي للمحتجين. وقررت الحكومة في هذا السياق رفع عدد الآسر المستفيدة من المساعدات الاجتماعية التي تبلغ 400 الف ليرة لكل عائلة من 240 الف عائلة الى 300 الف عائلة.

طرابلس

اما التحركات الاحتجاجية فتنقلت امس عبر تظاهرات وقطع طرق بين طرابلس وعكار وبعلبك وضهر البيدر وصولا الى صيدا والنبطية. ولليوم الثالث شهدت طرابلس مواجهات جماعات المحتجين على الاوضاع المعيشية ورفضا للاقفال مع القوى الأمنية والعسكرية. وتجمع المحتجون في ساحة النور حيث تم قطع الطرق وقام عدد منهم بالقاء مواد حارقة داخل غرفة الحرس امام مدخل السرايا واشعلوا فيها النار، ما اضطر عناصر قوى الامن الداخلي الى اطلاق القنابل الدخانية لتفريق المحتجين بعدما رموا قنابل المولوتوف على باحة السرايا. ولكن التوتر اشتد ليلا وطلبت قوى الامن الداخلي من المحتجين الانسحاب وعدم دخول السرايا بعدما قاموا بأعمال شغب وخرق للباب الرئيسي وحذرتهم من انها ستضطر الى الدفاع عن مراكزها بكل الوسائل المشروعة ثم أطلقت وابلا من القنابل الدخانية لمنع المحتجين من الدخول، ورصد استقدام تعزيزات من قوى الامن من بيروت الى طرابلس. وحصلت مواجهة مباشرة لدى إلقاء قنابل في اتجاه القوى الأمنية التي قالت انها كانت قنابل يدوية حربية وليست قنابل مولوتوف وأدت المواجهات الى وقوع عدد من الجرحى . وقد تدخلت وحدات من الجيش مع آلياتها وملالاتها لمؤازرة قوى الامن وانتشرت في ساحة النور وراحت تسير دوريات لاعادة فرض الهدوء وتفريق المحتجين.

كما ان نطاق قطع الطرق اتسع ليلا في منطقة البقاع حيث قطعت الطرق الرئيسية في تعلبايا والمصنع وجديتا والمرج .

الواقع المازوم في طرابلس دفع الرئيس المكلف سعد الحريري الى الإعلان انه” قد تكون وراء التحركات في طرابلس جهات تريد توجيه رسائل سياسية وقد يكون هناك من يستغل وجع الناس والضائقة المعيشية التي يعانيها الفقراء وذوي الدخل المحدود. وليس هناك بالتأكيد ما يمكن ان يبرر الاعتداء على الاملاك الخاصة والاسواق والمؤسسات الرسمية بحجة الاعتراض على قرار الاقفال” . وقال “انني انبه اهلنا في طرابلس وسائر المناطق من أي استغلال لاوضاعهم المعيشية، واطالب الدولة والوزارات المختصة باستنفاد كل الوسائل المتاحة لكبح جماح الفقر والجوع وتوفير المقومات الاجتماعية لالتزام المواطنين قرار الاقفال العام”.

نداء

كما ان الوضع الدراماتيكي تحت وطأة الازمة الحكومية دفع رؤساء الطوائف الاسلامية والمسيحية في لبنان الى توجيه نداء اكتسب دلالات بارزة ونادرة تكشف عمق التحسس بأخطار الازمة وتجاوز الانقسامات والتوحد حول هذا النداء الذي وان عمم المسؤولية السياسية عن الازمة فانه حمل نبرة ادانة شديدة لأهل القرار السياسي. واعتبر رؤساء الطوائف انه “في الوقت الذي تتسارع فيه خطى الانهيار في لبنان بكل ما تحمله من مخاطر على المستقبل والمصير، تستمر الخلافات بين أهل السياسة من أصحاب القرار، وتتعطل محاولات التوفيق كافة، الداخلية منها والخارجية، لإنقاذ الدولة من الكارثة التي استدرجت اليها نتيجة حسابات خاطئة وخلافات شخصية، يدفع الشعب اللبناني ثمنها غاليا جدا”. وأضاف النداء “إن أصحاب الغبطة والسماحة والسيادة إذ يرفعون معا صوتا لبنانيا وطنيا واحدا، يدينون بشدة استمرار هذه السياسات الخاطئة والخلافات الشخصية التي تجر لبنان الى الطريق المسدود”. وشددوا على “التمسك بالولاء للبنان دولة الدستور والقانون والنظام، ووطن رسالة العيش المشترك والتمسك بأهداب السلم الأهلي وأسس الشراكة الوطنية كما حددها وأرسى قواعدها اتفاق الطائف، بعيدا من أي شكل من أشكال الإبتزاز” وطالبوا “بالعمل فورا على تشكيل حكومة “مهمة وطنية” مترفعة عن الحسابات الشخصية والفئوية، تتجاوز تفاصيل المحاصصات التي تخضع للإبتزاز والإبتزاز المعاكس ” مؤكدين “اننا نرى بحكم مسؤوليتنا الدينية والأخلاقية والوطنية انه ما عاد السكوت ممكنا على هذا الوضع الكارثي والمأساوي. ليس لبنان في أزمة سياسية فقط، انه في صلب أزمة أخلاقية كبرى “.

وفي السياق الحكومي علم ان العقبات التي تعترض تاليف الحكومة الجديدة تأخذ حيزا بارزا في الجولة الجديدة التي باشرتها السفيرة الأميركية درورثي شيا على المسؤولين والزعامات السياسية للمرة الأولى في ظل ادارة الرئيس الأميركي جو بايدن مما يشير الى احتمال كونها تهيء تقريرا وافيا وشاملا عن الواقع اللبناني بمعظم ازماته الراهنة لتقديمه الى الإدارة الجديدة. وقد التقت شيا مساء امس رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط وعرضت معه التطورات في ملفات تشكيل الحكومة وترسيم الحدود والأوضاع الاقتصادية والاجتماعية الضاغطة بالإضافة الى سبل مكافحة وباء كورونا .

Leave A Reply