هيام القصيفي – الاخبار
بين المناداة باستقالة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون واتّهام معارضيه لفريقه بالسعي إلى التمديد له، هناك مسافة من الحذر تتحكّم بقراءة مشهد الرئاسيات قبل أقلّ من سنتين من موعدها. كلتا الفكرتين تصبّان في إطار الضغط السياسي المتبادل، وإن كانت الفكرة الأولى قائمة على مشروعية سياسية تكرّرت منذ ما قبل عام 2005، حين أخذ التمديد مجاله مع الرئيسَين الياس الهراوي وإميل لحود، في ظلّ معارضة سياسية وزانة لهما. علماً أنّ المطالبة باستقالة الرؤساء ليست حديثة العهد، بل هي ممارسة عرفها رؤساء الجمهورية الأولى بضغط من الجبهات السياسية المختلفة الاتّجاهات بحسب الظروف ضد الرؤساء بشارة الخوري وكميل شمعون وفؤاد شهاب وشارل حلو وسليمان فرنجية والياس سركيس وامين الجميل.
باختلاف الظروف تصبح المطالبة باستقالة عون سياسياً مختلفة تماماً عن مطالبات الشارع الذي انتفض في 17 تشرين الأول، قبل أن تتغيّر شعاراته. سلكت الفكرة منحى تصاعديّاً بعد هذا التاريخ، وأخذت مع البعض، من غير السياسيين، سلوكاً شخصيّاً وإنسانيّاً غير لائق، يتعلّق بصحّة رئيس الجمهورية. إلّا أنها سياسياً ظلّت تراوح مكانها كونها لا تزال محصورة بفئة سياسية محدّدة نسبياً من قوى 14 آذار السابقة، ولم تصبح بعد إطاراً سياسياً جامعاً لدى القوى التي اتّحدت عندما طالبت باستقالة الرئيس إميل لحود. ولم تجد كذلك إجماعاً سياسياً وطائفياً مؤيّداً لها انطلاقاً من اعتبار بديهيّ هو عدم وجود أفق لها، نظراً إلى ممانعة حزب الله لها. لكن الفكرة التي لم تلقَ صدى إيجابياً عند البطريرك الماروني آنذاك مارنصرالله بطرس صفير، لا تؤيّدها البطريركية المارونية اليوم أيضاً لأسباب تتعلّق برمزيّة الموقع الماروني، وإن اختلفت المقاربات بين الموقعَين حيال الواقع السياسي والتحالفات وتشكيل الحكومة كما هو حاصل حالياً. وكذلك فإنّ الأحزاب المسيحية تحاذر مقاربتها بشكل فاقع، مهما كان الاعتراض على أداء رئيس الجمهورية، كما هو حال القوات اللبنانية التي تصوّب سهامها على التيار الوطني الحر، لكنها تحاذر تسمية الرئيس لاعتبارات تتزاوج فيها خلافات البيت المسيحي الداخلي وموقع الرئاسة. أما الكتائب، فحساباتها تتعلّق بالمجلس النيابي في حال استقال رئيس الجمهورية، بما يؤدي إلى انتخاب رئيس من الخطّ نفسه.
في المقابل، تبدو الاعتبارات الطائفية غالبة عند تيار المستقبل الذي يتحاشى مثل هذه المغامرة. بصرف النظر عن أي خلاف حاد يعتري العلاقة اليوم بين الرئاستين الأولى والثانية بالتكليف حول الصلاحيات، إلّا أن المستقبل يدرك جدّياً عواقب المطالبة باستقالة رئيس الجمهورية، من زاوية تأجيج خلاف مسيحي – إسلامي يدرك الحريري أنه غير مبرّر اليوم، من زاوية الانتظارات التي يعوّل عليها الحريري لتسهيل تشكيل الحكومة. إذ إنّ أي مطالبة سياسية غير مضمونة النتائج، ستساهم في تأزيم الأمور أكثر بينه وبين رئيس الجمهورية، وهو في غنى عن مضاعفة العوامل التي تُبعده عن السرايا الحكومية.
وبقدر ما يحلو للبعض وصف المطالبة باستقالة رئيس الجمهورية بالعبثية، في ظل انسداد الأفق أمام أيّ حلول سياسية واقتصادية للإنقاذ، تحوّل الكلام عن التمديد لعون إلى طرحٍ أكثر عبثية. الأمر لا يتعلق بسنّ الرئيس وحده والاعتبارات الإنسانية وكرامته فحسب، بل أيضاً بتاريخ عون الرافض للتمديد وكيفية القدرة على تبرير مثل هذه السلوكيات. إذا كان مروّجو النظرية هم من العونيين أو من الذين تناولوا الفكرة للإمعان في استهداف عون، فإنّ المحصلة واحدة. عون نفسه قال بعد وصوله إلى بعبدا قبل أربع سنوات أنه لن يمدد ولن يجدد – مع إعداده لخليفته -، وكرر الأمر في حوار أجراه في أيار الفائت، قبل أن يؤكده أمس (راجع «الأخبار»، ص 2) علماً أن رؤساء آخرين قالوا الكلام نفسه، وهو وقف ضد التمديد للرؤساء السابقين ولقادة الجيش وللمجلس النيابي، (خرقت اعتراضاته موافقته – حين أصبح رئيساً – على التمديد لحاكم مصرف لبنان رياض سلامة).
لكن الكلام الافتراضي عن التمديد الذي اعتبره خصوم عون بمثابة جسّ نبض وليس مجرد سقطة إعلامية، يمثل انعكاسات أخرى في عز التوقعات حول مستقبل الاستحقاقات الدستورية التي يُقبل عليها لبنان. إذ ليس تفصيلاً أن يُطرح علناً في مرحلة ترتفع فيها الأصوات المطالبة بانتخابات نيابية مبكرة، والخشية من عدم إجراء انتخابات نيابية في موعدها، كما الكلام المبكر عن احتمالات الوصول إلى فراغ رئاسي، أو التمهيد لخلافة عون عبر تعبيد الطريق أمام رئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل، ما يعني تمديداً للنهج نفسه بوجه آخر. هذه الاستحقاقات الأساسية تتحول – في وقت ينهار البلد في كل الاتجاهات – إلى ساحة للعب السياسي يزيدها هشاشة. وهذا واحد من أساليب الإمعان في المس بالدستور وبالنظام الحالي مرة بعد أخرى. يمكن لفريق عون اختراع حجج لبقاء رئيس الجمهورية في موقعه أو التحضير لخلافته عبر فتاوى قانونية، ويحقّ لخصومه سياسياً تناول كل حدث من هذا النوع للمطالبة باستقالته. لكن بين الموقفين تزداد الأثقال على رئاسة الجمهورية فصارت تُشَبَّه بتجربة 2004 – 2005 التي لم تنتهِ على خير.