ايفا ابي حيدر – الجمهورية
حملت موازنة العام 2021 مجموعة من الإعفاءات، فرضتها الاوضاع الاقتصادية المتردية التي تمرّ بها البلاد، كما اضافت ضرائب جديدة، ما هي؟ أين أخطأ معدّو الموازنة، وما التدابير الإضافية التي كان يجب إضافتها؟
عملت وزارة المالية في حكومة تصريف الاعمال على اعداد برنامج عمل الحكومة العتيدة للمرحلة المقبلة، وبالتالي، هي غير ملزمة بالتنفيذ، وحتى لو أقرّت حكومة تصريف الاعمال الموازنة، ينبغي على الحكومة العتيدة ان تقدّم موازنة تعديلية تطاول ارقامها وبنودها، تضيف اليها الاتفاق الذي سيتمّ مع المقرضين وصندوق النقد الدولي، لوضعها موضع التنفيذ، وهو ما يُعرف بإجراءات إعادة التوازن.
يرى رئيس الجمعية اللبنانية لحقوق المكلّفين كريم ضاهر، انّ حكومة تصريف الاعمال عملت قدر المستطاع لتقدّم افضل الممكن في مشروع الموازنة. وقال لـ”الجمهورية”: «صحيح انّ هذه الموازنة افضل من سابقاتها، انما تبقى غير كافية، خصوصاً انّها عملت على الطامة السابقة نفسها، أي من دون رؤية مستقبلية، ومن دون ان تبني ارقامها على دراسات جدوى فعلية، ومن دون ان تتجّه نحو العدالة الضريبية التي نحن في أمسّ الحاجة اليها».
ولاحظ انّ موازنة 2021 تجنّبت المواضيع الشائكة مثل زيادة الضرائب، موضوع صرف العملة الذي لحظته بطرق غير مباشرة او ضمنية، وعمل معدّوها قدر المستطاع على الإبقاء على ارقام موازنة العام الماضي، فنلاحظ مثلاً انّ العجز بقي نفسه تقريباً، علماً انّه فعلياً اذا اردنا احتسابه على سعر الدولار في السوق الموازي سيزيد اقلّه 25%.
إعفاءات ضريبية
في الشق الإيجابي للموازنة، لاحظ ضاهر انّ الموازنة حاولت قدر المستطاع التخفيف من الأعباء عن كاهل المواطنين والشركات، فاقترحت مجموعة إعفاءات ضريبية على المدى المتوسط والطويل، وقدّمت لهم حوافز، انطلاقاً من ادراكها انّ لا طائل للشركات في ظلّ هذه الظروف مواصلة دفع الضرائب. ابرزها:
– تقسيط دفع الضرائب على مدى السنوات الثلاث المقبلة.
-اعفاء من الضريبة على الرواتب والأجور، ومن الأعباء القابلة للتنزيل من واردات أصحاب العمل المكلّفين على أساس الربح الحقيقي، التعويضات التي تُعطى للمستخدمين والعمال نتيجة صرفهم من الخدمة او استقالتهم.
– إعفاء الشركات الناشئة من ضريبة الدخل لمدة ثلاث سنوات.
– إعفاء الاستثمارات الجديدة في القطاعين السياحي والصناعي بنسبة 75% من الضريبة على الأرباح للاستثمارات الجديدة، أي عن اعمال السنوات 2021 و 2022 و 2023 اما مدّة الإعفاء فهي 10 سنوات.
– إعفاء الشركات الدامجة من ضريبة الدخل على الأرباح لمدة لا تقل عن 3 سنوات.
– إعادة التقييم الاستثنائية للأصول.
– حسم من الضريبة على الأرباح عن اعمال سنة 2020 تستفيد منها المؤسسات التي أُقفلت خلال العام 2020 بسبب وباء كورونا. يُحدّد مقدار الحسم بـ 50% من ضريبة الرواتب والأجور المسدّدة خلال هذا العام.
– اعفاء من ضريبة الدخل للمؤسسات التي توقفت عن العمل بشكل نهائي نتيجة انفجار مرفأ بيروت.
– إعفاء من رسم الطابع المالي.
– استثناء بيع الأراضي من ضريبة القيمة المضافة.
– تمديد قانون ضريبة الأراضي لغاية 2023.
– تسويات على الضرائب المتراكمة، من ضمنها إلغاء الغرامات بنسبة 100% و90%.
إعفاءات على الـ fresh money
لاحظ ضاهر، انّ الموازنة أعطت حوافز خصوصاً للقطاعات القادرة على ادخال fresh money، على سبيل المثال، أُعفيت من ضريبة الدخل أرباح الصادرات الصناعية اللبنانية المنشأ بنسبة 50% من الضريبة المتوجبة عليها في حال تحويل الأموال الناتجة من التصدير الى المصارف العاملة في لبنان لاستثمارها في لبنان، او في حال اثبات استخدامها بالكامل لغايات النشاط الصناعي الذي يُمارس في لبنان. وتُرفع نسبة الإعفاء الى 75% لخمس سنوات.
كذلك لحظت الموازنة إعفاء الفوائد الناتجة من الودائع الجديدة بالعملات الأجنبية من الضريبة لمدة ثلاث سنوات.
ورأى ضاهر، انّ هذه الدولة تسعى من خلال لجوئها الى هذا النوع من الحوافز، الى تأمين واردات من دون زيادة الضرائب او الأعباء على المواطنين.
ضرائب جديدة
في المقابل، لم تخل موازنة 2021 من بعض الضرائب الجديدة، لعلّ ابرزها ضريبة «التضامن الوطني»، وتقول بفرض ضريبة استثنائية لمرة واحدة على قيمة كل حساب دائن مفتوح لدى المصارف العاملة في لبنان وفق الآتي:
1% عن كل حساب تبلغ قيمته مليون دولار ولا تتجاوز 20 مليون دولار.
1.5% عن القسم من الحساب الذي يزيد عن 20 مليون دولار ولا يتجاوز الـ50 مليون دولار.
2% عن القسم من الحساب الذي يزيد عن 50 مليون دولار.
1% عن كل حساب تبلغ قيمته مليار و500 مليون ليرة، ولا تتجاوز 30 مليار ليرة.
1.5% عن القسم من الحساب الذي يزيد عن 30 مليار ليرة، ولا تتجاوز قيمته 75 مليار ليرة.
2% عن القسم من الحساب الذي يزيد عن 75 مليار ليرة.
ولفت ضاهر الى انّ الموازنات السابقة لم تتخذ قراراً كهذا خوفاً من هروب الودائع، أما اليوم، فالكل يعلم انّ الودائع عالقة في المصارف ولا يمكن تهريبها، لذا قدّموا هذا الاقتراح. واعتبر انّ هذا الاقتراح جيد انما مشكلته انّه يستغل ضعف الناس ومصيبتهم المتمثلة بأموالهم العالقة في المصارف، عدا عن انّ هذه الضريبة غير عادلة، وتضرب مبدأ المساواة التي يرعاها الدستور. لذا يمكن للمجلس الدستوري الطعن بها. ورأى انّ هذه ليست بضريبة تضامن وطني، انما ضريبة على رأس المال. وسجّل مأخذين على هذا الاقتراح هما:
– عدم شمول أصحاب العقارات الذين استعملوا أموالهم العالقة في المصارف لشراء العقارات، فهل يجوز انّ هؤلاء غير معنيين بهذه الضريبة، انما من لم يتصرف بوديعته وابقاها، ربما لأنّه بحاجة اليها، يتوجب عليه الالتزام بدفع هذه الضريبة.
– المقيمون في لبنان ولديهم ذمة مالية في الخارج، فهؤلاء المقيمون خاضعون للضريبة، فلم لا يتمّ تفعيل الاتفاقية المتعلقة بالسلطات المختصة MCAA وهي معاهدة وقّع عليها لبنان مع 62 بلداً حول العالم، تسمح بالتبادل التلقائي من كل بلد. فتفعيل لبنان لهذه الاتفاقية وتطبيقه الشروط المطلوبة، منه مثل تأمين سرية المعلومات، سيدران على لبنان أموالاً بالعملات الاجنبية تقدّر بنحو ملياري دولار سنوياً.
إلى ماذا افتقدت الموازنة؟
لاحظ ضاهر، التزام الموازنة هذا العام بالمبادئ الدستورية والقواعد الجوهرية لوضع الموازنة، لكن هذا لا يكفي، لأنّها غير قائمة على خطة متكاملة للنهوض، فالإعفاءات وحدها غير كافية، وضريبة التضامن الوطني غير كافية. ولفت الى انّه لا يمكن جذب المستثمر فقط من خلال تقديم الحوافز الضريبية، فأكثر ما يهمّ المستثمر الاستقرار القضائي والتشريعي، وتأمين البنى التحتية والمياه والكهرباء.
أضاف: «صحيح اننا لاحظنا في مشروع الموازنة تفعيلاً لدور البلديات والجباية الضريبية، انما ينقص الموازنة بعد الكثير من التدابير لم تؤخذ بالاعتبار، على سبيل المثال، لماذا لم تتجّه الموازنة أكثر نحو العدالة الاجتماعية من خلال اعتماد الضريبة التصاعدية او الضريبة الموحّدة على الدخل؟ لماذا لم يُطرح الموضوع؟ لماذا لم يتطرّقوا الى تعميم الرقم الضريبي؟». وتساءل ضاهر، لماذا لم تلحظ الموازنة الفئات التي استفادت اكثر من غيرها من جائحة كورونا ومن الأزمة المالية المزرية، فحققت ارباحاً هائلة، مثل تجار المعدّات الطبية، الصيدليات، السوبرماركت… ألا يجب شمولهم بضريبة التضامن الوطني؟
ورأى انّ الموازنة كذلك افتقدت الى دراسة الواقع الاقتصادي، وتحديد حجم الاموال المتوقع تحصيلها من الشركات…
ولفت الى انّه من خلال الإستمارات التي ستتمّ تعبئتها من قِبل اللبنانيين لتقديم مساعدات، سواء من خلال البرنامج الوطني او القرض المقدّم من البنك الدولي، تكون الدولة امام فرصة إحصائية لعدد المكلّفين في لبنان، للتأكّد لاحقاً اذا كانوا فعلاً في حاجة الى مساعدات، ولكي تراقب جباية الضرائب لاحقاً وتفعيلها.